لماذا لا أشعر بأثر القرآن والذِّكر؟ خطوات عملية لإحياء القلب

شيخنا الفاضل، جزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه من علم ونصح. لدي سؤال يشغلني وأتمنى أن أجد عندكم الجواب الشافي. أنا -بحمد الله- أقرأ القرآن بشكل يومي، وأحافظ على أذكار الصباح والمساء وأذكار ما بعد الصلاة، وأحاول أن أكون منتظمًا في عبادتي. لكني أشعر بأن هذه الأعمال لا تؤثر في قلبي كما ينبغي. لا أجد خشوعًا في الصلاة، ولا ألاحظ أثرًا عميقًا للقرآن في حياتي وسلوكي. أحيانًا أقرأ الآيات التي تتحدث عن عظمة الله والجنة والنار، وأجد نفسي أقرأها دون أن تتحرك مشاعري، كأن قلبي مغلق أو متبلد. أما الأذكار، فأحيانًا أقولها بسرعة وكأنها مجرد كلمات أؤديها دون استحضار لمعانيها. على سبيل المثال، عندما أقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" أشعر أنني أرددها فقط، دون أن أتأمل في معناها العظيم. أخشى أن يكون قلبي قد أصابته القسوة أو أن يكون هناك خلل في نيتي أو طريقتي في العبادة. وهذا الشعور يقلقني كثيرًا، لأنني أخاف أن أكون من الذين يقتصرون على الشكل دون الجوهر. فكيف يمكنني أن أستشعر عظمة القرآن وتأثير الأذكار؟ وكيف أتأكد أن قلبي حي ومتفاعل مع هذه العبادات؟ وهل هناك أمور عملية يمكنني القيام بها لتحريك قلبي وتزكية نفسي؟ أرجو أن توجهوني بما يفتح لي أبواب الخير ويعيد إلى قلبي حياة الإيمان.

أخي الكريم، أشكرك على صدق مشاعرك وحرصك على قلبك وعلاقتك مع الله عز وجل. إن هذا الشعور الذي وصفتَه من القلق على قلبك وخوفك من فقدان أثر العبادات هو دليل حياة هذا القلب؛ لأن القلوب الحية هي التي تخشى أن تقسو، وتبحث عن قرب الله وعظيم رضاه. أسأل الله أن يفتح قلبك وأن ينير بصيرتك، وأن يجعل لك من هذا السؤال بداية جديدة لعلاقة أعمق مع الله تعالى.

 

تسأل: لماذا لا نشعر أحيانًا بأثر القرآن والذِّكر؟ وأجيبك من القرآن الكريم، حيث ذكر أن هناك قلوبًا قد تتعرض للغفلة والقسوة، فقال الله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (البقرة: 74). فأحيانًا، عندما ننشغل بالدنيا ونتكاسل عن التأمل في معاني ما نقرأ ونذكر، والأدهى والأمر أن نعصي الله سبحانه ونذنب في حقه، تتحول العبادات إلى أعمال ظاهرية تخلو من الروح. فالذنوب والمعاصي تهدم العلاقة بين العبد وربه، وتضعف الإيمان تدريجيًّا، حتى يصل الإنسان إلى حالة من الاعتياد على المعصية دون إحساس بالخوف أو الندم، وهذا قد يقوده إلى قسوة القلب، كما قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين: 14).

 

ولكن الله -سبحانه وتعالى- أكرمنا بالقرآن، وفتح لنا أبواب العودة إلى الإيمان الحي، ودعانا قائلًا: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (الحديد: 16)، وهذه الآية نداء لكل قلب مؤمن ليجدد علاقته مع الله، ويستعيد لذة العبادة وصدق التفاعل مع الذِّكر والقرآن.

 

إذن، كيف نستشعر عظمة القرآن، وحلاوة الذكر؟

 

يكون ذلك –بإذن الله تعالى- عبر الوسائل التالية:

 

1- التأمل في المعاني: أي حاول أن تقرأ القرآن بتؤدة، وتتفكر في كل آية. استحضر أنك تخاطب الله -عز وجل- بالذكر، وأنه –جل في علاه- يخاطبك بالقرآن. على سبيل المثال، إذا قرأت قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه} (الزمر: 67)، فتأمل في عظمة الله وقدرته وملكوته، وتذكر أنه –سبحانه- هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا.

 

وقبل أن تنطق بذكر معين، توقف لحظة وتأمل معناه، ولا تتعجل. على سبيل المثال، عند قولك: «سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، تفكّر في عظمة الله وتنزيهه عن كل نقص، وتذكر نعمته عليك. فالذكر ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو حضور قلب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله» (رواه الترمذي)؛ فالذكر يؤتي ثماره بالاستمرارية مع حضور القلب.

 

2- التفاعل العاطفي: أي إذا مررت بآيات الرحمة فاسأل الله من فضله، وإذا قرأت عن عذاب الله استعذ به واطلب منه المغفرة.

 

3- استمع إلى القرآن من قراء يقرؤونه بتدبر وخشوع؛ فالسماع بخشوع يوقظ القلب ويعين على التأمل.

 

4- الربط بين القرآن والواقع، وبين الذكر والمواقف، أي اجعل لكل آية وذكر أثرًا في حياتك. فمثلًا: إذا قرأت آيات الإنفاق فابحث عن مستحق للصدقة وأعطه مما أعطاك الله، وإذا قرأت عن الصبر فاعزم عليه عند الأذى والبلاء. وعندما تقول: «حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» استشعر حاجتك إلى الله واعتمادك عليه في أمورك اليومية.

 

5- التنويع في الأذكار، وربطها بأحوالك عبر ساعات يومك، الطويل منها والمختصر.

 

ومما يعين على تحريك القلب:

 

1- محاسبة النفس: خصص وقتًا يوميًّا لمراجعة قلبك وأفعالك. ماذا قدّمت من خير؟ وهل أثّرت عبادتك على أخلاقك وأعمالك؟

 

2- الدعاء: ادع الله دائمًا أن يرزقك قلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» (رواه مسلم).

 

3- الصحبة الصالحة: اجتمع بمن يعينك على الطاعة؛ فالصحبة الصالحة تحيي القلب وتذكرك بالله.

 

4- الصدقة: فهي تطهر النفس وتليِّن القلب، يقول عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (التوبة: 103).

 

وختامًا -أخي الكريم- لا تيأس من رحمة الله، واعلم أن هذا الشعور هو دعوة من الله لك لتجديد علاقتك به. تذكر أن الوصول إلى الله طريق ممتد، وكل خطوة تخطوها بتأمل وصدق تقربك إليه. قال الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} (الذاريات: 50)؛ ففرّ إلى الله بذكره وقرآنه ودعائه، وثق بأن الله يقبل عباده إذا صدقوا في توجههم إليه.

 

أسأل الله أن يجعل قلبك عامرًا بالإيمان، وروحك مطمئنة بذكره، وحياتك مباركة بطاعته.. وتابعنا بأخبارك.