السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعمل بإحدى المدارس ومعي عدد من الزملاء الكرام نتكلم سويا في موضوعات متعددة، خاصة فيما له علاقة بوضع الأمة الإسلامية، غير أنه يعلو نبرات الزملاء اليأس والتشاؤم والحزن والأسى والأسف على ما يقع للمسلمين في أماكن عديدة عبر العالم، فضلا عن الظروف التي يمر بها الكثيرون من الجوع، القلق، الاضطراب ومن الشدائد، ولذا أرجو أن توجهوا إليّ بوسائل عملية ممكنة لنفسي وغيري، حول بث الأمل وزرع اليقين في نفوس هؤلاء الأصدقاء وفي نفسي أولا قبلهم؛ عسى الله سبحانه وتعالى أن يفتح لنا باب الأمل وأن يصرف عنا شر اليأس، وشكر الله لكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي السائل الكريم، نرحب بكم عبر بوابة الاستشارات، وأسأل الله -تعالى- أن يشرح صدوركم، ويزرع في قلوبكم الأمل والتفاؤل، وأن يجعلكم سببًا من أسباب بث الخير فيمن حولكم.
واعلم أيها المعلّم الكريم بأن مواجهة اليأس تحتاج إلى وعي، وحكمة، وعمل، ولذا اسمح لي أن أُقدّم إليك بعض الوسائل العملية التي يمكن أن تساعدك على بذر الأمل وزراعة اليقين في القلوب التي تحيط بك:
أولًا: التذكير بالجانب الإيماني، ويتمثّل ذلك في تعزيز الثقة بالله سبحانه وتعالى، وأن تذكّر نفسك وزملاءك دائمًا بأن الله هو المدبّر الحكيم، وأنه سبحانه قادر على تغيير الأحوال مهما كانت شديدة، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 6)، وقال عزّ وجلّ: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (البقرة: 216)
كما ينبغي التركيز على مفهوم البلاء كابتلاء واختبار؛ فالمِحن جزء من سنن الله في الحياة، وهي وسيلة لتطهير النفوس ورفع الدرجات، كما يمكن استذكار الحديث القرآني عن وعد الله بالنصر، ويمكنك أن تذكّرهم بأن الإسلام مرّ بفترات أشد صعوبة من الآن، ومع ذلك انتصر؛ لأن أهله تمسكوا بدينهم وسعوا إلى التغيير.
فأين الذين هجّروا المسلمين من مكة؟ وأين المرتدّون؟ وأين الذين اقتحموا المسجد الأقصى زمنًا وأين الصليبيون؟ وأين هؤلاء المغول الذين حرّقوا ودمّروا وأفسدوا؟ وأين القوة المزعوم لها أنها لا تُقهر؟
ثانيًا: التحول من الشكوى إلى العمل؛ فبدلا من نبرات التيئيس والتشكّي الدائم من السواد والظلام، لا بد من إضاءة شمعة وإنارة السبيل للآخرين، فيمكنك العمل على تحفيزهم نحو أن يكونوا جزءًا من الحل، فبدلًا من التركيز على المشكلات، شجّع زملاءك على التفكير في طرق عملية للمساهمة في التغيير ولو كان بسيطًا، من خلال التبرع للمحتاجين، ودعم الجمعيات الخيرية التي تساعد المسلمين حول العالم، فضلا عن نشر الوعي والدعوة بالحكمة، وابدأ بالمحيط القريب، وتذكّر بأن الإصلاح يبدأ من الداخل، ثم الأسرة، ثم المجتمع. فالأمة تحتاج إلى أجيال مؤمنة متماسكة، ودوركم كبير في تربية هذا الجيل، والرائد لا يكذب أهله.
ثالثًا: نشر قصص النجاح والأمل، من خلال ذكر النماذج المشرقة:
شارك أصدقاءك وزملاءك قصصًا عن شخصيات أو دول استطاعت النهوض بعد معاناة كبيرة، فهذا يخفف من الشعور بالعجز، مثل قصة صلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس بعد فترات عصيبة مرت بها الأمة، وقُطُز الذي استطاع بالتربية الإيمانية دحر التتار والمغول، بل ودخل عدد منهم في الإسلام.
ولا بأس بعقد مجالس إقراء علمية لقراءة سير الأنبياء والصالحين؛ فقصص الأنبياء مليئة بالأمل والعمل رغم شدة الابتلاءات، مثل صبر سيدنا نوح على قومه وسيدنا يوسف في محنته، وأنصح هنا بقراءة سورة نبي الله يوسف؛ كوسيلة لانتظار الفَرَج ورفع الكرب؛ فما من محنة في سورة يوسف وردت إلا وتولّد منها منحة عظيمة، حتى انتقل يوسف من الجُبّ إلى المُلك، وبالمناسبة لمّا سُجن يوسف ظلمًا، وحوّل العنابر بالسجن إلى منابر، لم يرسل الله ملائكة -مثلا- لتدمير الجدران؛ بل سرى طيف من الله للملك في منامه، ورأى رؤيا، عجز الجميع عن تأويلها -مع خبراتهم- ولم يفسّرها إلا يوسف، وخرج مُمكّنًا بقدرة من يقول للشيء كُن فيكون؛ فقراءة ذلك يولّد اليقين.
رابعًا: خلق بيئة إيجابية؛ فالإنسان ابن بيئته، فاحرص على الحديث عن النعم بدل الشكاوى، حاول توجيه الحديث نحو النعم التي منَّ الله بها علينا، مثل الصحة والأمان، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (إبراهيم: 34).. والتعاون في أعمال الخير؛ كأن تقترح تنظيم فعاليات خيرية أو مبادرات بسيطة داخل المدرسة، مثل جمع تبرعات أو مساعدة الطلاب المحتاجين.
خامسًا: التزود بالطاقة الروحية؛ فالجانب الروحي مهم في بناء الأمل، والمداومة على الأذكار والدعاء؛ فالدعاء مفتاح الفرج، وبه تزداد القلوب يقينًا وأملًا، وذكّر زملاءك أخي الكريم بالدعوات المأثورة: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال".
ونصيحة لك ولغيرك: احرص على إحاطة نفسك بزملاء إيجابيين، فهم يؤثرون في النفوس أكثر من الكلمات، والمرء على دين خليله، فلو سلّمت نفسك لليائسين فلن يكون إلا اليأس.
سادسًا: رفع مستوى الوعي بالمستقبل، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الحديث عن العمل طويل المدى واستشعار أنّ التغيير الكبير يبدأ بخطوات صغيرة، وأن علينا جميعًا بذل الجهد مهما بدا بسيطًا.
ونصيحة للمعلمين والمعلمات: ازرعوا في نفوس طلابكم التفاؤل:
دوركم كمعلّمين ليس فقط تعليم المناهج؛ بل غرس القيم الإيجابية في نفوس الجيل الجديد ليكون أمل المستقبل.
وأخيرًا: استبشروا بالخير، وبدلوا الكلمات السلبية بالإيجابية؛ فمن قال هلك الناس فهو أهلكهم، ولا يقولن أحدكم خبثت نفسي.. هكذا علمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تنسَ أن تبث في زملائك والبيئة المحيطة بك روح الاستبشار بأن النصر قريب، وأن الله لا يخلف وعده.
كن أنت القدوة بالابتسام والكلمة الطيبة، فهذه الأمور الصغيرة تصنع فرقًا كبيرًا.
نسأل الله أن يشرح صدوركم، ويبدد اليأس عن قلوبكم، ويجعل أعمالكم نورًا للآخرين وهداية للمسترشدين، وتحياتي لك ولزملائك، وأيقنوا بأن الأمل عقيدة وعبادة ودين وطاعة وواجب وضرورة، ولا تيأسوا من روح الله ورحماته ونصره لعباده، والله وليّ الصالحين والمصلحين.