أنا رجل سني 42 عامًا، فكرة الموت تطاردني ودائمًا أشعر بأن عمري قصير، خاصة إني مصاب بعدة أمراض مزمنة. لدي زوجة وأولاد أخشى عليهم، كما أشعر أني لم أقدم أعمالا صالحة تكفيني للنجاة يوم القيامة. أرجوكم انصحوني ماذا أفعل تجاه هذا الشعور. وجزاكم الله خيرا.
أخي الكريم، أسأل الله أن يشرح صدرك، ويطمئن قلبك، ويكتب لنا ولك حسن الخاتمة، وبعد...
فما تشعر به من قلق تجاه الموت والمسؤولية أمام الله، أمر طيب يدل على حياة قلبك ويقظة ضميرك وخوفك من التقصير في جنب الله، وهذا شعور محمود إذا قادك إلى العمل والاجتهاد، وليس القنوط أو الهم المبالغ فيه.
كما أن الخوف من الموت والتفكير في الحساب هو علامة إيمان، فهو ينبع من قلب يعظِّم أمر الله ويخشى التقصير. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (الملك: 12).
إلا أن هذا الخوف ينبغي أن يصحبه رجاء في رحمة الله -عز وجل- وعفوه، فقد دخل النَّبي صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ، فقالَ: «كيفَ تجدُكَ؟» قالَ: واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: «لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ» (رواه الترمذي).
أخي الكريم، إن الموت حق، وكلنا سنرحل في وقت معلوم عند الله، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ (آل عمران: 185). وقد استأثر –سبحانه- بعلم وقت موت العباد، لحثهم على العمل والاجتهاد وعدم اليأس والقنوط، فقال: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ (لقمان: 34).
فقدوم الموت أمر مفروغ منه؛ لكن المهم هو أن نُحسن الاستعداد له ولما بعده. وإياك أن يخدعك الشيطان ويقول لك: «فاتك كثير»؛ فالله كريم يقبل القليل من عبده ويكثره، فثق بربك، وأحسن الظن به، فهو الذي يقول في الحديث القدسي: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» (رواه البخاري).
وهو يبشرنا بعظم مغفرته وتجاوزه، فيقول في القرآن الكريم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزمر: 53).
فيا أخي العزيز، إن الله قريب منك، يسمع همسك ويعلم مخاوفك، فاجعل كل يوم في حياتك فرصة للعودة إليه. عش بالأمل وحسن الظن، وتوكل عليه.
وأنصحك بالآتي، عسى الله أن ينفعك بما أقول:
1- عزِّز وقوِّ علاقتك بالله:
ووسائل ذلك كثيرة، منها:
- تأدية الفرائض المختلفة على أكمل وجه، من صلاة وصيام وزكاة وحج.
- الإكثار من السنن والنوافل، كالسنن الراتبة المصاحبة للصلوات، وقيام الليل، والصدقة، وصيام النوافل، والاعتمار... إلخ.
وحبذا لو تترك لك صدقة جارية تزيدك من حسناتك وتثقل ميزانك بعد الموت، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فاحرص على أن يكون لك شيء من هذه الأعمال.
- الذكر الدائم لله، من أذكار الأوقات والأحوال المختلفة، مع الاستغفار.
- الدعاء: الجأ إلى الله، واطلب منه الثبات والطمأنينة وحسن الخاتمة، فقل –على سبيل المثال-: «اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك».
2- اهتم بصحتك الجسدية والنفسية:
فهذا أمر ضروري، ومطلب شرعي. راجع طبيبك بانتظام، واتبع نمط حياة صحيًّا قدر الإمكان. وخذ خطوات لتحسين نوعية حياتك، سواء كان ذلك من خلال التغذية، أو الرياضة، أو تقليل التوتر، واستبدل بفكرة الخوف فكرة الأمل.
3- اهتم بعائلتك:
أخي، حبك لعائلتك وخوفك عليهم هو عبادة عظيمة، ومسؤولية كبرى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» (متفق عليه).
واجعل وصيتك لهم هي طاعة الله، وكن قدوة لهم في العمل الصالح، فأعمالك الصالحة ستثمر فيهم حتى بعد رحيلك. كذلك حاول أن تقضي وقتًا طيبًا مع زوجتك وأولادك، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، مع تقوى الله عز وجل، والقول السديد في كل موقف، فهذا أفضل ميراث تتركه لهم، كما يقول جل وعلا: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ (النساء: 9).
4- تعلَّم وعلِّم:
حاول تعلُّم شيء جديد ينفعك وينفع الآخرين. قد تكون مهارة ما، أو علمًا تستطيع نشره، أو أي أعمال تطوعية لخدمة الناس، فهي باب عظيم للأجر وتخفيف الهم.
وختامًا –أخي الكريم- اعلم أنك في معية الله ما دمت حريصًا على طاعته وتسعى لتقديم الخير. فلا تدع الأفكار السلبية تسيطر عليك. عش يومك وكأنه آخر يوم، لكن ليس بخوف وقلق، بل بسعي واجتهاد وحب لما تقدمه، ورجاء في رحمة الله وعفوه.
أسأل الله أن يطمئن قلبك، ويبارك في عمرك، ويجعل حياتك مليئة بالبركة، ويرزقك وإيانا حُسن الخاتمة.