بين ضغوط الحياة وواجبات الدين.. 5 خطوات لتحقيق التوازن المطلوب

السلام عليكم، مع الأسف الشديد، أشعر أن حياتي مليئة بالضغوط والهموم، وكلما حاولت أن أتقرب من الله أشعر بالعجز والتقصير. كيف أوازن بين مواجهة أعباء الحياة والقيام بواجباتي الدينية؟ وهل ما أمر به علامة على غضب الله عليَّ؟

أخي الكريم، مرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، وأسأله سبحانه أن يعينك على ما أنت فيه، وأن يرزقك راحة النفس وسلامة القلب، وبعد...

فما تشعر به هو شعور يمر به كثير من الناس في زماننا، بسبب تعقيد الحياة وكثرة الأعباء وتزاحم المسؤوليات والواجبات؛ لكن من المهم أن تعلم أن هذا الشعور ليس بالضرورة علامة على غضب الله؛ بل قد يكون ابتلاءً لرفع درجاتك أو تطهيرًا لروحك.

إن الله –تعالى- يبتلي عباده ليتقربوا إليه، لا ليعذبهم، قال الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍۢ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (البقرة: 155).

واعلم أخي أن الحياة الدنيا –بشكل عام- هي دار اختبار، وليست دار جزاء؛ لذا ليست فيها راحة بالمعنى المجرد، قال الله تعالى: {لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ} (البلد: 4)، أي في تعب ومشقة، اختبارًا له، لينال الثواب العظيم في الآخرة.

وأنقل عن أحد العلماء قوله: «هذه هي الدنيا مجبولة على الكدر والتعب، والشدة والنصب، فلا تجد فيها مرتاحًا، فهي إن أضحكت أبكت، وإن حَلَت أوحلَت، وإن كسَت أوكَسَت، وإن أينعت نَعَت، وإن أعطت استردّت، وإن صفت تكدّرت».

لذا، إدراك هذه الحقيقة يجعلنا نتقبل الأعباء والمسؤوليات والأكدار كجزء من رحلتنا نحو الآخرة.

كذلك أخي، ليس كل ما تمر به من ضغوط وعقبات في الحياة علامة على غضب الله، فقد تكون رحمة من الله لتقريبك إليه أو تكفيرًا عن ذنوبك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ« (رواه البخاري). والوصب هو الألم بأنواعه.

لذلك، تعامل مع هذه الضغوط كفرصة لتطهير نفسك ورفع درجاتك عند الله.

وبالنسبة لأعباء ومسؤوليات الدنيا ومزاحمتها للطاعات الأخرى، فأطمئنك بأن الإسلام دين الوسطية، ولا يطلب منك فوق طاقتك. قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا} (البقرة: 286). وأرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى التوازن في حياتنا، وقد أقر سلمان -رضي الله عنه- على قوله لأخيه أبي الدرداء: «إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ» (رواه البخاري). فخصص وقتًا للعمل، ووقتًا للراحة، ووقتًا للعبادة، ولا تُحمِّل نفسك ما لا تطيق.

ولكي توازن بين المتطلبات الدنيوية والعبادات المحضة لله عز وجل، أنصحك بالتالي:

1- المحافظة على العبادات الأساسية:

فلا تحمل نفسك فوق طاقتك. ركِّز على الصلاة في وقتها، ولو اقتصرت على الفرائض فقط في الأوقات الصعبة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَدِّدُوا وقارِبُوا، واعْلَمُوا أنْ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وأنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ أدْوَمُها وإنْ قَلَّ» (رواه البخاري ومسلم).

2- ذكر الله في كل وقت:

الذكر عبادة خفيفة؛ لكنها عظيمة الأثر. قال الله تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرًۭا كَثِيرًۭا} (الأحزاب: 41). ففي أثناء عملك أو وقت فراغك، استثمر الوقت في الاستغفار أو التسبيح والتحميد والتهليل.

3- قراءة ولو قدرًا يسيرًا من القرآن يوميًّا:

فلا يشترط أن تقرأ جزءًا كاملًا، فلو التزمت بقدر يسير يوميًّا بنيّة التدبر والتقرب من الله، فهذا عمل عظيم. قال الله تعالى: {فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ} (المزمل: 20).

4- الدعاء واللجوء إلى الله:

الدعاء باب عظيم للتقرب من الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدُّعاءُ هو العبادةُ، ثمَّ قرأ: {وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ}» (رواه الترمذي)، فادعُ الله بثقة ويقين، وكن على يقين بأن الله يسمعك، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۭۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة: 186).

5- الصبر والرضا:

فالصبر هو مفتاحك للتعامل مع الهموم والضغوط. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٍۢ} (الزمر: 10)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له» (رواه مسلم).

وختامًا –أخي الكريم- فما تمر به أحسبه -بإذن الله- ليس غضبًا من الله، بل هو اختبار ورحمة. فثبِّت قلبك بذكر الله، وأحسن الظن به، وخذ بالأسباب مع المحافظة على التوازن بين مسؤولياتك وعبادتك. واعلم أن الله يحبك ويريد لك الخير.

وفقك الله وأعانك، ويسَّر لك، وتابعنا بأخبارك.