أرفض الحجاب.. أزمة الأسر الملتزمة مع بعض المراهقات!!

أرجو أن تساعدونا في حل مشكلة ابنتي التى حيرتني أنا ووالدها وأوجعت قلوبنا.. ابنتنا في الصف الثالث الإعدادي، ارتدت الحجاب منذ سنة ونصف دون اقتناع، رغم محاولات الأسرة المتعددة لإقناعها به، علماً أن جميع أفراد الأسرة متدينون. تتميز الابنة بشخصية عنيدة للغاية، وهي ليست عاطفية ولا تستجيب لأي نوع من العقاب. قام والدها بضربها أكثر من مرة دون جدوى. تحضر دروسها أحياناً، وأحياناً أخرى ترفض ذلك بناءً على حالتها المزاجية. لجأت بابنتي إلى طبيبة متخصصة في تعديل السلوك، فشخّصتها بأنها تعاني من (اضطراب الشخصية الحدية)، ولكن طبيبة نفسية أخرى نفت هذا التشخيص. ابنتي لا تشعر بالخوف من أي نوع من العقاب مهما كان، ما يدفع الأسرة أحياناً إلى اللجوء إلى الضرب. لديها إصرار غريب على خلع الحجاب، رغم أنني منتقبة ووالدها ملتحٍ. تقضي معظم وقتها منعزلة في غرفتها مستخدمة الهاتف المحمول، وعندما تُعاقب بأخذ الهاتف منها، تظهر لديها رغبة قوية في المواجهة والتحدي مع جميع أفراد الأسرة. أحياناً أُظهر لها اهتماماً بها وأعاملها بحب وحنان، لكنها أُفاجأ بانقلاب تصرفاتها فجأة دون مبرر واضح، ما يزيد من شعور الأسرة بالحيرة والقلق، ما العمل؟

كان الله بعونكم، وجعل هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها ابنتكم تنقضي على خير، حيث إن مرحلة المراهقة تشبه القنبلة النفسية الموقوتة داخل كل أسرة لديها مراهق أومراهقة.

وقبل نصائحي وتوصياتى لكم، فسوف أشرح لكم عددًا من النقاط المهمة تتعلق بالأمور النفسية التي تمر بها ابنتكم، بشكل علمي مبسط، تساعدكم على فهم طبيعة المرحلة، لاجتياز تلك الأزمة بسلام بعون الله تعالى.

أولاً: الفهم النفسي للسلوكيات

1- غياب الاقتناع الداخلي:

الفتاة ارتدت الحجاب دون قناعة، ما جعلها تنظر إليه كإلزام خارجي لا يعكس رغبتها الداخلية، ووفق علم النفس، فأي سلوك يُفرض قسرًا دون إدراك قيمته الحقيقية يخلق مقاومة داخلية.

الحل هنا يكمن في فتح قنوات حوار غير مباشرة تساعدها على اكتشاف جمال الالتزام بالحجاب كقرار شخصي نابع من ذاتها.

٢- التمرد والعناد:

العناد الذي يظهر في سلوكياتها يشير إلى حاجة نفسية لإثبات الذات، وشعورها بالضغط أو القمع داخل الأسرة قد يؤدي إلى تصعيد التحدي، خاصة إذا شعرت بعدم التقدير أو الاستقلال.

والمطلوب هنا هو تخفيف الضغط ومحاولة فهم احتياجاتها ودوافعها بدلاً من التركيز على السيطرة المباشرة.

3- الانعزال والاعتماد على الهاتف:

الاستخدام المفرط للهاتف قد يكون محاولة للهروب من الواقع أو البحث عن مجتمع بديل يمنحها شعورًا بالقبول.

بدلاً من حرمانها من الهاتف كعقاب، يمكن تقديم بدائل جذابة مثل أنشطة ترفيهية أو اجتماعية تُشعرها بالمتعة والانتماء.

4- التقلبات المزاجية:

تقلبات الفتاة تشير إلى مرحلة المراهقة التي تتميز بتغيرات نفسية وهرمونية، وهذا يستدعي تقبل التغيرات المزاجية بصبر وحكمة دون مبالغة في ردود الفعل.

ثانيًا: إليكم هذه الحلول العملية التي قد تساعدكم على اجتياز هذه الأزمة على خير إن شاء الله تعالى:

1- التربية بالحوار :

- من الأفضل استبدال أسلوب العقاب بالحوار الهادئ الذي يحترم مشاعرها وآراءها.

- طرح أسئلة مفتوحة مثل: "ما الذي يعنيه الحجاب بالنسبة لك؟" أو "كيف يمكننا مساعدتك في الشعور براحة أكبر مع ارتدائك للحجاب؟".

2- تعزيز الاستقلالية لديها:

إشعارها بأن الحجاب ليس قيدًا بل هو خيار يعكس نضجها الروحي والشخصي.. كما يمكن تشجيعها على البحث وقراءة قصص نساء ناجحات ارتدين الحجاب كرمز للاعتزاز بهويتهن.

3- تغيير العلاقة مع الهاتف:

وذلك بوضع ضوابط إيجابية لاستخدام الهاتف بدلاً من حرمانها منه، مثل تحديد أوقات معينة لاستخدامه، مع توفير أنشطة أسرية ممتعة كبديل.

4- التواصل العاطفي أو(Emotional Bonding):

الحرص على تعزيز العلاقة معها من خلال الحب غير المشروط، بمعنى ضرورة إظهار الاهتمام الحقيقي بمشاعرها دون ربط ذلك بسلوكياتها.

5- القدوة الإيجابية أو(Positive Role Modeling):

التركيز على تقديم نموذج إيجابي عن الالتزام الديني من خلال أفعال الوالدين بدلاً من الكلمات، فدعوها ترى انعكاس الدين في الرحمة والحب داخل المنزل.

وأوصيكم بضرورة اتباع الآتي:

أولا: عدم الإكراه:

فيقول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.. فالحجاب عبادة تُقبل عن حب واقتناع، لا عن إجبار.

ثانيًا: الدعوة بالحكمة:

فلقد قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.. فمن المهم جدًّا أن الدعوة إلى الالتزام يجب أن تكون بحكمة وموعظة حسنة دون تشدد أو إيذاء بدني كالضرب مثلا أو غيره من الوسائل العنيفة.

ثالثًا: الرفق في التعامل:

حيث علمنا حبيبنا رسول الله ﷺ: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه".. فالرفق يا أحبتي هو أساس التربية الناجحة، خاصة مع المراهقين.

رابعًا: الاحتواء والتسامح:

فالنبي ﷺ كان يحتضن الشباب بأسلوب مليء بالرحمة والحب، كقصة الشاب الذي استأذن النبي ﷺ في فعل المعصية، فاستطاع النبي بحواره اللطيف أن يغير وجهة نظره دون لوم أو عنف.

كما أود أن أوجه هذه النصائح التالية للأم، والتي أتمنى أن تتبعها مع البنت:

1- إظهار التقدير لها: عبّري لها عن تقديرك لشخصيتها وذكائها، حتى إن كنت تختلفين مع تصرفاتها.

2- إشراكها في اتخاذ القرارات: امنحيها فرصة لإبداء رأيها في أمور تخص الأسرة لتعزيز شعورها بالانتماء.

3- أحييكِ لطلبك المساعدة من مختصين: فهذا اهتمام عملي يعمل على توجيهكم بشكل سليم، ثم لدعم الفتاة في فهم نفسها وتعزيز صورتها الذاتية.

 ▪مع العلم بأن:

تشخيص الحالة وفقًا لعلم النفس يجب أن يتم بعناية وبالاستناد إلى تفاصيل دقيقة ومعمّقة، ويتم عادة من خلال مختص نفسي بعد تقييم شامل..

ومع ذلك، وبناءً على الأعراض من المعطيات المذكورة، فإنني أرى أن سلوكيات الفتاة على الأرجح هنا قد تجمع بين عدة اضطرابات سلوكية أبرز اثنين منها:

1- الشخصية العنادية (Oppositional Defiant Personality):

حيث يبدو أن الفتاة تُظهر سلوكيات مقاومة للسلطة وتمردًا على القواعد، مثل عدم الالتزام بالدروس أو رفض العقاب. هذا يتماشى مع سمات العناد المتطرف، ولكن لا يكفي للتشخيص النهائي ما لم يُستوف عددًا من المعايير الإكلينيكية مثل:

- الجدال المستمر مع أفراد السلطة.

- تحدي القواعد بشكل متكرر.

- سلوكيات استفزازية بشكل متعمد.

2- اضطراب التحدي المعارض (Oppositional Defiant-Disorder) أوODD:

وقد يكون هذا هو التشخيص الأقرب لسلوكيات ابنتكم بناءً على معطياتكم من خلال المشكلة:

- كرفض القواعد.

- التحدي المستمر للوالدين أو أفراد الأسرة.

- السلوك العدواني اللفظي أو غير اللفظي.

كما أن وصف التحدي المعارض يشبه العنادية.. وعادةً ما يظهر هذا الاضطراب في المراهقة المبكرة، ويميل إلى الارتباط ببيئة أسرية شديدة الضغط.

بناءً أيضا على المعطيات، فالتشخيص الأقرب هو مزيج من:

1- اضطراب التحدي المعارض (ODD).

2- صراع هوية متعلق بالمرحلة العمرية والبيئة الدينية.

3- احتمال وجود تقلبات عاطفية مؤقتة مرتبطة بالمراهقة.

* وأخيرًا:

إذا استمرت الأعراض أو ازدادت حدتها، يوصى بمتابعة مستمرة مع مختص نفسي أو مستشار أسري لمزيد من التقييم والدعم.

* ولكن أحب أن أطمئنكم فغالبًا قد يكون كل ما سبق ذكره في المشكلة والحل، ما هو إلا جزء من مرحلة المراهقة دون أن يصل إلى مستوى اضطراب نفسي.

وهمسة أخيرة إليكم أحبتي في الله:

تذكروا أن بناء الشخصية المستقلة الواعية يحتاج إلى صبر وحب وحكمة، ومع الوقت ستثمر جهودكم وستلمسون التغير الإيجابي بإذن الله تعالى.

أسأل الله تعالى الهداية والصلاح والاستقامة لابنتم ولذرارينا جميعا وأبناء الأمة العربية والإسلامية.