أنا داعية إسلامي أواجه أثناء محاضراتي شبهة تُثار بشكل متكرر، وهي أن الإسلام يدعو إلى العنف والحروب، ويُستدل على ذلك ببعض الآيات القرآنية مثل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}، فكيف يمكنني الرد على هذه الشبهة بأسلوب مقنع يعتمد على الأدلة الشرعية والعقلية مع توضيح الصورة الصحيحة للإسلام؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام الهُداة، الرحمة المهداة، والنعمة المُسداة، وبعد:
فمرحبا بك أخي الداعية الكريم، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل، والسعي والبذل، وأن يجعلنا سببًا لمن اهتدى من عباده، اللهم آمين.
ثم إني أمتدح فيك أخي الكريم تلك الغيرة على دينك، وبحثك عن آلية الرد على مثل تلك الشبهات، واسمح لي أن أوجّه لنفسي أولا ثم إليك ثانيًا ثم إلى كل دعاتنا ثالثًا تلك النصائح حول هذه الشبهة خاصة، وذلك على النحو التالي:
أولا: ضرورة فهم الشبهة ودراستها بعمق: فقبل الرد، ينبغي فهم الشبهة جيدًا، مع مراعاة سياقها التاريخي والاجتماعي، والآيات التي يُستدل بها، فالآية المذكورة وردت في سياق محدد مرتبط بمعاهدات نقضها بعض المشركين في عهد النبي ﷺ.
ثانيًا: النظر في سياق النصوص القرآنية: إن الإسلام -أخي الكريم- يدعو إلى السلام كأصل عام، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}. وأما الآيات الواردة في القرآن الكريم، والمتعلقة بالقتال -كصورة من صور الجهاد ونوع من أنواعه الكثيرة- تنظم حق الدفاع المشروع ولا تدعو للعنف العشوائي، فقد أكّد القرآن دائما على مبدأ العدالة، قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا} وقد كان القتال في الإسلام كالردّ على اعتداءات أو تهديدات مباشرة.
ثالثًا: مراعاة الظروف التاريخية التي وردت فيها تلك الآيات ومثيلاتها، كآية السيف في سورة التوبة (آية 5) نزلت في سياق خاص وهو نقض المشركين للعهد في زمن كانت فيه الحروب أمراً شائعًا، والتعامل مع النصوص دون فهم سياقها يؤدي إلى إساءة الفهم.
رابعًا: عرض نماذج من السيرة النبوية: انظر إلى تعامل النبي ﷺ مع أعدائه، فقد كان قائمًا على الرحمة، مثل عفوه عن أهل مكة بعد فتحها، وكان أحق له أن ينتقم ممن طردوه وشتموه وآذوه وقتلوا أصحابه وصادروا أموالهم، إلا أنه عفا عنهم وسموا حينها بالطلقاء. وتلك هي رسالة الإسلام، التي هي في جوهرها دعوة إلى الرحمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
خامسًا: دحض الصورة السلبية النمطية والعمل على إزاحتها من الأذهان بحكمة وأدلة عقلية وواقعية معاصرة، تفهمها العقول، فها هم المسلمون يعيشون في مختلف الدول ويساهمون في التنمية؛ ما ينفي فكرة أن الإسلام دين عنف، أما ما ينسب إلى بعض الجماعات المتطرفة والأفكار الشاذة فذاك أمر لا يُمثِّل الإسلام بحال من الأحوال.
وتلك روشتة عملية وتطبيقية لحُسن الردّ على مثل تلك الشبهات:
1. الأسلوب الهادئ والحوار العقلي: استخدم المنطق، واسأل من يثير الشبهة: هل كل النصوص تُفهم دون سياقها؟ واستشهد بآيات وأحاديث تدل على الرحمة والعدل.
2. استخدام الأدلة التاريخية والعلمية: بحيث تقوم بتبيين كيف كانت الشريعة الإسلامية سببًا في استقرار المجتمعات عبر العصور.
3. التفاعل الإيجابي: وذلك من خلال طرح أسئلة تُثير التفكير مثل: "هل العدل يتطلب رد العدوان أم السكوت عليه؟".
4. كون الرد بالحكمة والموعظة الحسنة، مع التركيز على تقديم الإسلام كرسالة رحمة وسلام. احرص على تمثيل الإسلام بسلوكك وأخلاقك، فالقدوة الحسنة أبلغ رد على الشبهات.
وأسأل الله تعالى -ختامًا- أن يستخدمنا وإياكم في مرضاته، وأن يرزقنا وجماهير المسلمين والبشرية وعيًا إيجابيًّا حقيقيًّا بصحة الإسلام ووسطيته. وأشكرك ختامًا -مرة أخرى- على غيرتك الراقية، وتقبل الله مسعانا جميعًا لخدمة دينه والذود عنه والدفاع عن شريعته.