بيع وشراء الرخص لمزاولة المهن

ما حكم بيع رخصة مزاولة المهن كمهنة الصيدلة والتحاليل الطبية وغيرها؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فلا يجوز للصيدلي أو الطبيب أو الاستشاري في مجال الهندسة أو غيرها أن يبيع هذه الشهادات دون أن يكون له دور بارز وواضح في الإشراف والمتابعة، والتقويم حتى يضمن سلامة الأرواح والأموال، من التلف أو الضياع، لقول الله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58).

ومن النوازل المعاصرة، والقضايا المستجدة في العصر الحالي مسألة بيع الرخص وشرائها لمزاولة المهن التي تشترطها القوانين المنظمة لهذه المهن، فظهر رجل الأعمال الذي يريد أن يستثمر ماله في بيع وشراء الأدوية، ولن يتمكن من هذا إلا إذا رخص المشروع باسم متخصص في الصيدلة، ويريد آخر أن يستثمر في مجال المستشفيات التي تعالج المرضى ولا يمكنه ذلك إلا عن طريق طبيب متخصص، وهذا يحدث في مجال البناء والمعمار، والمحاماة وغير ذلك من المهن.

فهل يجوز لمن حصل على هذا التخصص من الدولة أن يبيعه، أو يهبه بغير مقابل لمن يريد أن يستثمر ماله في مجال من هذه المجالات السابقة؟ وهل هذه الرخصة من الحقوق المالية التي يمكننا بيعها وشراءها؟

لا بد قبل الإجابة عن هذا السؤال أن نفهم حكمة المشرع القانوني الذي اشترط هذه الشروط لمزاولة هذه المهن، والظاهر أن السبب أو الحكمة هنا هو مقصد حماية النفس والمال الذي أتت الشريعة لحفظهما وجعلت لهما من النصوص القرآنية والنبوية ما يعمل على هذا الحفظ ويصونه.

فلأن صرف الدواء، أو وصفه لمريض معين يحتاج لمتخصص يجتهد وسعه في تشخيص الداء ووصف الدواء، فالخطأ في مثل هذه الأمور يؤدي إلى ضياع النفس، ولذلك جعل هذا للمتخصص، ووضعت القوانين واللوائح التي تمنحه هذه الرخصة وتحاسبه إذا اخطأ أو قصر في حفظ حياة المريض وماله.

ولأن البناء في العصر الحالي يحتاج إلى مهارة وخبرة عالية، وخاصة بعد التوسع والامتداد الرأسي للعمارات السكنية أو الإدارية أو التجارية أُعطي هذا الأمر لمتخصص حتى نحمي الأموال والأنفس من الضياع.

وعلى هذا فقس سائر الأعمال أو المهن.

ومن حق بل من واجبات ولي الأمر أو من يقوم مقامه أن يحدد المهن التي تحتاج إلى رخصة لمزاولتها، كما يحدد الضوابط والشروط الواجب توافرها فيمن يحصل على هذه الرخصة، ثم يقنن من العقوبات المناسبة والرادعة لمن يخالف هذا القانون، ويقوم بالمراقبة والمحاسبة لمن يخالف، فقد ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وجاء في حديث آخر قوله عليه الصلاة والسلام: "أيما طبيبُ تَطَببَ على قوم لا يعرف له تَطَبُبٌ قبل ذلك فأعنت فهو ضامن" رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. انظر صحيح سنن أبي داود.

ما يحدث في الواقع:

الذي يحدث في كثير من الحالات وبخاصة في الدول النامية أو المتنامية أن من يحصل على هذه الرخصة يعطيها في مقابل مادي محدد يصرف شهريًّا أو دفعة واحدة ثم تنقطع صلته بالعمل بعد ذلك، فلا يكون رقيبًا عليه، ولا متابعًا له، ولا مشاركًا بأدنى جهد، وبالتالي يكون عمله هذا أكل لأموال الناس بالباطل واحتيال على الشرع والقانون، واستهتار بأرواح وأموال الناس.

الصورة المشروعة:

أما المشروع في مسألة الرخص هو استئجار من يحمل هذه الرخصة للعمل عند صاحب المال براتب محدد، أو مشاركته لصاحب المال بنسبة معينة متفق عليها، على أن يكون حامل هذه الرخصة مسئولا مسئولية مباشرة عن هذا العمل وأن يبذل فيه كل الجهد حتى يخرج وفق المقاييس المعترف بها حسب قواعد وضوابط المهنة، ولا يجوز أن ينيب غيره في هذا العمل إلا تحت إشرافه ومسئوليته المباشرة.

والله تعالى أعلى وأعلم