أنا فتاة فكرت مؤخرًا في الالتزام، لكن عندي بعض المشاكل التي أتمنى أن تساعدوني على حلها. الحمد لله، أنا لم أقم بأي من العلاقات المحرمة، لكن عندما كنت أدرس في المرحلة الابتدائية كان عندي صديق أعتبره مثل أخي، لم أكن أتكلم معه كثيرا، فقط في بعض الأحيان كنا نتحدث عن الدراسة، واستمر في الدراسة معي إلى أن وصلنا إلى المرحلة الثانوية فأصبحت عائلتنا عائلة واحدة، فأمي أصبحت صديقة أمه، لكن بعد مرور بضعة أيام أخذ الفيسبوك الخاص بي من صديقتي دون علمي، وأضافني، وأخبرني بأن لا أتشاجر مع صديقتي لأنه هو من أصر على أن تعطيه حسابي. المهم صارحني بأنه يحبني، فانصدمت لأني أحسست بالغدر من قبله؛ لأني اعتبره مجرد أخ، تشاجرت معه كثيرًا، وبعد مرور يومين قال لي بأنه يحب فتاة أخرى، وأنه الآن بعدما صارحني يعتبرني مثل أخته، وأقام علاقة مع تلك الفتاة، وأعطاها بريدي، وأرسلت لي رسالة تشكرني، وتقول لي بأنه يحبها. في الحقيقة نبهته؛ لأن تلك العلاقة حرام، وقررت ألا أحادثه في الفيسبوك لأني كنت خائفة أن أغضب ربي، وصارحته بأني لا أريد الكلام معه؛ لأني أعتقد بأن الكلام معه خطأ، فقال لي إنه سأل أحد المشايخ وقال له بأن كلامي معه حلال؛ لأنه يتكلم معي في أمور عادية. في الحقيقة أحسست بأنه يكذب عليَّ، ومع ذلك كنت أحدثه وأنصحه، لكن بعد بضعة أيام أحسست بأني أتعلق به، وهو كذلك، وأصبح يحدثني في المدرسة كثيرًا، ويتحدث معي عن أمور الحب والغرام، لهذا سألت واكتشفت بأن كلامي معه حرااام لأنه ليس من محارمي. تعبت كثيرا، ولمت نفسي وأسرتي، وأحسست بالاشمئزاز من نفسي، وقلت لماذا عائلتي تتركه يذهب معي إلى المدرسة؟؟ في الحقيقة أحسست بأني أنافق ربي، لهذا أرسلت له رسالة وقلت له ابتعد عني، وقال لي: لا لن أبتعد عن أختي، قلت له أنت كاذب، فقال لي بأنه يعتبرني أخته، لكنه رفض أن يبتعد عني، لهذا قررت بأن أكتب له رسالة قاسية وأن أهدده وأن أكرهه فيَّ، فوافق على الابتعاد عني. لكن ما يقلقني هو أنه يدرس معي، ولا أستطيع النظر في وجهه، لهذا قررت أن أقطع صلتي به نهائيا، وهذا ما حصل. ومشكلتي الثانية في مدرستي، الفساد منتشر بكثرة، لدي صديقات كل همهن العلاقات والغيبة والنميمة والكلام الفارغ عما يسمى بالحب. لا أستطيع نصحهم لأنني إذا نصحتهم سأسمى بالإرهابية. لا أجد أي حل لأنني لا أستطيع الانتقال من مدرستي؛ لأن مدينتي صغيرة، وفيها مدرستان، ومدرستي هي الأفضل لأنها أقل فسادًا من المدرسة الأخرى. كيف لي أن ألتزم في وسط مليء بالمحرمات ولا أجد الدعم من أي أحد؟ أحس بنفسي وحيدة. ما أريده هو أن تعطوني بعض مقومات المسلم الملتزم، وأن تقولوا لي هل الذي فعلته مع ذلك الشاب الذي أعتبره أخي صحيح أم خطأ؟ ادعوا معي بالتوفيق والنجاح في دراستي، وبالزوج الصالح الذي أتمنى أن يكون عونًا لي في ديني. شكرا لكم وعذرًا على الإطالة.
ابنتي الكريمة، مرحبًا بك في موقعك، ونشكرك على هذه الثقة، ونحيي فيك هذه الروح وهذا الوعي، النادر وجودهما في بنات جيلك، وأسأل الله -عز وجل- أن يتم عليك نعمته، ويبارك لك، ويزيدك من فضله، وبعد...
فكما لاحظت من بياناتك التي أدخلتِها أنك في بداية مرحلة الشباب، وهي لا شك أجمل مراحل العمر، أطال الله عمرك وأحسن عملك، ورزقك تحقيق ما تحب.
ومرحلة الشباب على جمالها وتميزها، إلا أنها تتميز بعدة خصائص ينبغي للشاب والشابة التعرف عليها حتى لا تضيع تلك المرحلة فيما لا يفيد وفيما يعود عليهما بالضرر في حياتهما ومستقبلهما.
ومن هذه الخصائص والسمات لمرحلة الشباب قوة العاطفة، واشتعال الشهوة، وعدم استقرار المشاعر، وجنوحها، وتقلبها، وسرعة التأثر والتغير، وسطحيتها، مما يجعل الحكم عليها بالمصداقية أمرًا صعبًا، وإن كانت تبدو لصاحبها في وقتها صادقة وقوية.
ولا شك يا ابنتي أن الظاهرة التي أشرت إليها من تعلق الفتيان بالفتيات والعكس، وحرص كل من الجنسين على إقامة علاقة مع الآخر، وسيطرة هذا التفكير عليهما بحيث يشغل مساحة كبيرة من حياتهما قد تطغى على جوانب أخرى أهم؛ لا شك أنها مستفحلة بين شبابنا لحد مزعج، وأسباب ذلك كثيرة، منها ما ذكرت في رسالتك، إلى جانب أسباب أخرى كثيرة كتراجع قيمة الدين والخلق في حياتنا، وضعف التربية أو انعدامها أحيانًا، وسيطرة الماديات والشهوات على تفكير الكثير من البشر، والوهن الذي يدب في أوصال أبناء هذه الأمة فيذهب بهمم أبنائها واهتماماتهم إلى الحضيض.
إلا أننا حتى نكون من أهل الاعتدال والوسطية اللذين هما سمت ديننا الحنيف وعنوانه، أجدني مختلفًا معك في تسميتك للظاهرة بـ «الحب بين الجنسين»، فالحب بريء من هذه الممارسات الضالة والمنحرفة التي تمارس باسمه، والحب بين الجنسين في ذاته، أو الميل العاطفي نحو الجنس الآخر هو ترجمة وتعبير عن الفطرة التي وضعها الله عز وجل في نفوس بني البشر جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، والإسلام لا ينكر هذه المشاعر ولا يجرِّمها ولا يكبتها، ولكنه ينظِّمها ويوجهها توجيهًا عفيفًا طاهرًا، يحفظ طهارة القلوب والأرواح والأجساد والأنساب.
لا بد يا ابنتي من أن نقرر في نفوسنا وفي نفوس إخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا أن الإسلام هو دين الوسط في كل الأمور، وأن أحكامه وتقديراته ليست ولا ينبغي أن تكون ردود أفعالٍ للغير، فلا ينبغي أن يدعونا الانحلال الزائد عن الحد، والاختلاط غير المنضبط، إلى الانعزالية المفرطة، والتجاهل التام لوجود الجنس الآخر.
إن المشكلة الحقيقية هي في الفهم والسلوك، لا في وجود الجنسين والميل العاطفي بينهما، تلك الفطرة التي وضعها الله -عز وجل- في نفوس البشر ليحفظ بقاءهم، وليكون كل من الجنسين سكنًا للآخر وعونًا له على أداء مهمته في هذه الحياة.
لذا يجب أن تنظري إلى تجربتك مع هذا الشاب على أنها خبرة اكتسبتِها في حياتك، تتعلمين منها، وتضيفينها إلى رصيد خبراتك التي تمكنك من التعامل مع ما يستجد في حياتك من مواقف.
وأول ما يجب عليك فعله هو قطع علاقتك نهائيًّا بهذا الشاب الذي يبدو من تصرفاته أنه عابث وغير مسئول، فتوقفي فورًا عن مجاراته في هذا العبث وامتهان نفسك وكرامتك معه، وقومي بحذفه من قائمتك، ويفضل لو غيرت حسابك على «فيسبوك» ورقم هاتفك حتى لا يستطيع الوصول إليك.
وكما حذفته من قائمتك عليك أيضًا أن تحذفيه هو وكل ما يتعلق به من ذكريات من عقلك ومن حياتك كلها، غير آسفة عليه، فكل لحظة تقضينها معه على هذه الحال فيها خصم من دينك، ومن أخلاقك، ومن سمعتك، ومن عمرك. وأحسبك لا ترضين أن تكوني ألعوبة في يد عابث، يستنزف عواطفك ومشاعرك، ويضيع سمعتك وكرامتك، حتى إذا لم يبق لديك شيء يأخذه منك تحول عنك إلى غيرك.
واعلمي يا ابنتي أنه ليس هناك مشكلة أو عيب في تحرك القلب والمشاعر نحو إنسان من الجنس الآخر، ولكن المشكلة تكمن في شكل هذه العلاقة، وقدرة الإنسان على توجيهها في المسار الشرعي والصحيح.
فإذا كانت هناك علاقة تسير في المسار الصحيح، ولدى الطرفين رغبة في الارتباط الشرعي، فهذا خير ونعمة، ويجب أن تعرفي أن أصابع اليد الواحدة تختلف، فلا يجب عليك أن تحكمي على كل الرجال حكمك على هذا الشاب الذي حكيت عنه، فمن الرجال من هم ذوو خلق ودين، ويرغبون في الارتباط الشرعي الحلال، ويستحقونك وتستحقينهم.
فأقبلي على الحياة من جديد، والجئي إلى ربك سبحانه وتعالى، واطلبي منه التوفيق والهداية وانشراح الصدر، وغفران ما فات، واركني إلى أهل الدين والثقة، وانظري فيمن يشيرون عليك بهم ويرشحونهم إليك من طالبي الزواج، فإن جاءك من ترضين دينه وخلقه، وكان كفؤا لك، واستراح قلبك له، وانشرح صدرك للارتباط به، فلا تترددي في قبوله بعد الاستخارة والاستشارة، والله حسبك ووكيلك.
وأخيرًا -ابنتي الكريمة- أذكرك بقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق: 2، 3)، فكوني في معية الله عز وجل، يرزقك من حيث لا تحتسبين ولا تتوقعين، والزواج رزق من الله عز وجل، فاطلبيه منه بتقواه وطاعته، يرزقك رزقًا حسنًا، تقر به عينك، ويطمئن به قلبك، إنه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير.