تعدد الزوجات: بين إباحة الشرع وحظر القانون

ماذا يفعل المسلم الذي يحتاج إلى التعدد ويعيش في بلد تجرم هذا الفعل قانونا ؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

ففي هذه المسألة لسنا بصدد الكلام حول مشروعية التعدد وعدم مشروعيته، فالتعدد على الرأي الراجح تدور معه الأحكام الخمس كما هو الحال في أصل الزواج، فقد يكون واجبًا، أو مندوبًا أو محرمًا أو مكروهًا حسب حال الزوج، وحال الزوجة.

ولكننا في هذه المسألة نتناول مشكلة أفرزتها الازدواجية التي يعيشها المسلم بين تعارض أحكام القوانين الوضعية في البلاد المسلمة مع أحكام الشريعة الإسلامية، أو التعارض بين القانون والشريعة في البلاد غير الإسلامية.

فقليل من البلاد المسلمة، وجل أو كل البلاد غير الإسلامية تجرم تعدد الزوجات، وترتب على من فعل هذا عقوبة قد تصل في بعض الحالات إلى السجن، أو التغريم، وربما إلى الطرد من البلد الذي يجرم التعدد الشرعي المنضبط، ويبيح في نفس الوقت أن يعاشر الرجل أكثر من امرأة، والمرأة أكثر من رجل دون أي ضابط من شرع أو قانون.

أو كما يقول أحد الفقهاء المعاصرين يحرمون الحليلات، ويحلون الخليلات.

فماذا يفعل المسلم الذي يرغب في التعدد في مثل هذه البلاد؟!

نستطيع أن نفرق هنا بين حالتين:

 أولا: حالة المسلم الذي يعيش في بلد مسلم وأغلبية سكانه من المسلمين، ثم يجرم ولي الأمر التعدد ويرتب عليه العقوبات، بحجة أن لولي الأمر حق في منع المباح.

والواقع أن هذه مغالطة مفضوحة، وحجة واهية، ومن يفعل ذلك لا ينظر إلى حكم الشرع بقدر ما ينظر إلى قبلته الحقيقية وهي الغرب فيقتفي أثرهم، ويأخذ بثقافاتهم وقوانينهم حلوها ومرها.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله- في كتابه: مركز المرأة في الحياة الإسلامية:

إن الذي أعطاه الشرع لولي الأمر: هو حق تقييد بعض المباحات لمصلحة راجحة، في بعض الأوقات، أو بعض الأحوال، أو لبعض الناس، لا أن يمنعها منعًا عامًّا مطلقًا مؤبدًا؛ لأن المنع المطلق المؤبد أشبه بالتحريم الذي هو من حق الله تعالى، وهو الذي أنكره القرآن على أهل الكتاب الذين "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ" (التوبة: 31)، وقد جاء الحديث مفسرًا للآية: "إنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم" رواه الترمذي. أ. هـ.

وفي هذه ـ أي حالة المسلم في البلاد المسلمة ـ لا سمع ولا طاعة لولي الأمر الذي يريد منع المباح، وإباحة المحرم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعلى هذا الشعب المسلم اللجوء إلى القضاء لانتزاع حقه، إن كان القضاء في هذا البلد قويًّا يستطيع أن يقول للحاكم أخطأت ويرده إلى صوابه، وعلى العلماء وأفراد الرعية أن يتعاونوا ويتحدوا للوقوف في وجه هذا الظالم المستبد حتى يفيق من غفلته، ويعود إلى صوابه ورشده، ....

وإن لم يستطيعوا تغيير هذا الواقع يجوز لمن يحتاج إلى الزواج منهم أن يتزوج مع إعطاء كافة الضمانات للزوجين حتى لا يتنكر أحدهما للآخر فتضيع الحقوق بسبب عدم التوثيق وبالتالي عدم اعتراف الدولة بهذا الزواج وما يترتب عليه من أحكام.

ثانيًا: حالة المسلم الذي يعيش في بلاد الغرب أو الشرق غير المسلم، الذي يجرم الزواج الثاني، ويعاقب عليه، والمسلم في هذه البلاد عليه أن يلتزم بقوانين البلد الذي يعيش فيه ما دام لن يرتكب أمرًا محرمًا مجمعًا عليه؛ لأن عدم التوثيق ستترتب عليه من أضرار تلحق بكلا الزوجين، من أهمها الحقوق المتبادلة بين الزوجين، كحق الزوجة في النفقة، ومؤخر الصداق، وحقها في نسب الأولاد إلى أبيهم، وحق الزوج في نسب أولاده من زوجته، وحقه في معاشرة الزوجة، وغير ذلك.

وكثير من هذه الدول تعترف بهذه الحقوق وتوثق هذه العلاقة وتعترف بالنسب إن لم يسم المسلم هذه العلاقة زواجًا، ولكنه يسميها أي شيء آخر سوى الزواج.

ويمكن عند الحاجة الاستفادة من هذه القوانين وعقد الزواج بأركانه وشروطه في أحد المراكز الإسلامية، أو في حضور بعض المسلمين دون التوثيق في الجهات الرسمية، وهذا يحدث عند الضرورة أو الحاجة الشديدة التي تنزل منزلة الضرورة، مع مراعاة الضوابط اللازمة لضمان الحقوق.

والله تعالى أعلى وأعلم