مشكلتي تكمن في أنني أصلي الوقت حاضر، ولكني لست خاشعة في الصلاة. أحاول أن أكون خاشعة ولكن يتملكني الشيطان في الصلاة، وكنت مداومة على قراءة القرآن، ولكني تركته وأحيانا أرجع للقراءة. أتوب كثيرا إلى الله، ولكني أعود لما أفعله، وكل ما أفعله هو مشاهدة المسلسلات والأفلام. أحيانا أشعر بالموت، فأسارع إلى التوبة إلى الله، وأقول لن أعود إلى مشاهدة المسلسلات والأفلام وسوف أقرأ القرآن وأتعبد كثيرا، ولكن حين يزول هذا الشعور أعود لما كنت عليه وأهمل في الصلاة وقراءة القرآن، ولكني أفعل ذلك مرارا، لدرجة أنى قلت لن يقبل الله توبتي، فماذا أفعل؟؟. إن هذا سبب لي مشاكل نفسية كثيرة، ماذا أفعل لكي أثبت على طاعة الله، ولكي يرضى عنى؟؟ علما بأني عندي طفلة أريد تربيتها تربية دينية سليمة، فكيف أربيها على الدين وأنا لم أثبت على طاعة الله؟ وهل مشاهدة التلفزيون حرام أم حلال؟
أختي الكريمة، السلام عليكم ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا لمساعدتك وإزالة همك إن شاء الله، وبعد...
فإن رسالتك تنم عن خير عظيم تحملينه بين جوانحك، ورغبة كبيرة في عمل الخير والطاعة، ولا أدل على ذلك من هذا القلق الذي تعيشينه، لإحساسك بالتقصير في حق المولى عز وجل، والخشية منه سبحانه، وهكذا المؤمن دائما كما أخبر ابن مسعود رضي الله عنه: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا» (رواه البخاري).
والإنسان من طبيعته التقلب بين التذكر والنسيان واليقظة والغفلة، ولقد قال عز وجل عن أبينا آدم عليه السلام – وهو النبي الأول الذي خلقه الله بيديه وأسجد له ملائكته -: ﴿ولَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ (طه: 115).
وقال صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (رواه أحمد والترمذي بسند حسن).
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن منسوب الإيمان في قلب العبد يزيد وينقص، وبيّن أنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والمؤمن لا شك يشعر بمستوى إيمانه وصعوده وهبوطه، كما هو الحال معك أختي الكريمة.
ومن الصعب أن يظل المؤمن على حال ارتفاع الإيمان وزيادته طوال وقته وفترات عمره المختلفة، فعن حنظلة الأسيدي -رضي الله عنه، وكان أحد كُتَّاب رسول ﷺ قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله ﷺ يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله ﷺ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ﷺ فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة في فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرات. (رواه مسلم).
وأنا يا أختي الكريمة لا أسوق لك هذه النصوص لكي أهوِّن من شأن الفتور والغفلة التي تعتريك من حين لآخر وتشتكين منها، ولكن لكي أطمئنك وأحثك على عدم الوقوف كثيرًا أمام هذه المشاعر والاستسلام لها، ولكن التعامل معها على أنها شيء طبيعي، ومرحلة عابرة تعترينا من حين لآخر ثم نفيق منها ونعود أدراجنا إلى الطاعة من جديد.
إن المسلم يجب عليه أن يتعهد إيمانه دائمًا، ويفتش في قلبه دائمًا، ويعمل على تنقيته مما قد يضعف الإيمان، وهو حال قيامه بهذا ومكابدته نقص إيمانه وعمله على زيادته، إنما هو في جهاد وعدَ الله سبحانه وتعالى القائمين به الهداية والتوفيق، حيث قال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69).
وما أنصحك به أختي، لتحصيل الخشوع وحلاوة الطاعة والثبات عليها، هو الآتي:
1- المداومة على جهاد نفسك، وتعهد مستوى إيمانك ومراقبته، ولا يمنعنك عن الصلاة والذكر والقراءة والاستماع، عدم شعورك بالخشوع، أو أن يكون تأثيرها وقتيًّا، بل اعملي على أن يطول هذا الوقت مرة بعد مرة، ويزيد تأثرك مرة بعد مرة، فيندحر الشيطان الذي يحاول أن يصرفك عن الطاعة لعدم تأثرك بها وابتعادك عنها لفترة.
2- التهيؤ السليم للعبادة وتفريغ النفس من الملهيات والشواغل قبل القيام بها، سواء كانت صلاة أو قراءة للقرآن، أو غيرها؛ فالقلب الذي تغلب عليه الشهوة من الصعب حضوره في الطاعة وتأثره بها.
3- تكلف الخشوع إن لم تجديه، ومكابدته مرة بعد مرة حتى يصير أصلاً وعادة فيك، وتحري الإخلاص في ذلك.
4- الحرص على الطاعة قبل وبعد العبادة يُسهم كثيرًا في تحصيل الخشوع؛ فالطاعة تخلف الطاعة وإقبال القلب على الله، والمعصية تورث المعصية وتقسي القلب والعياذ بالله.
5- التزام الرفقة الصالحة، التي تعين الإنسان على دينه وتحفظ عليه إيمانه؛ فالصحبة لها دور كبير في زيادة الإيمان، والشعور بطمأنينة القلب، والخشوع في العبادات، حيث تذكر الإنسان إذا نسي، وتعينه إذا ذكر، وتنشطه إذا كسل وفتر، مصداقًا لقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف: 28)، وحتى لا نكون ممن قال الله عز وجل فيهم: ﴿ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولاً﴾ (الفرقان: 27-29).
والأقربون أولى بالمعروف، وفي هذا الإطار يمكنك التعاون مع زوجك وأهل بيتك على البر والتقوى، فتشتركون في عمل الطاعات وتذكرون بعضكم بعضا بها، وفي هذا الخير الكثير والثواب الجزيل، واستنزال لرحمات الله عز وجل على هذا البيت.
6- إياك من اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل، وانبذي وساوس الشيطان لك بأن الله لن يتقبل توبتك، كيف هذا وهو سبحانه القائل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر: 53)، وغيرها من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي لا يتسع المقام لذكرها، وكلها تؤكد على أن باب التوبة مفتوح للعبد دائما ما لم يغرغر وما لم تطلع الشمس من مغربها.
7- قبل كل شيء وبعد كل شيء، توجهي إلى الله عز وجل بالدعاء دائمًا أن يرزقك الخشوع وحلاوة الإيمان، والثبات على الطاعة، فهو حسبك سبحانه، فالجئي لبابه ولوذي بجنابه.
أما بالنسبة لمشاهدة التلفزيون عمومًا، وما يقدمه من برامج ومسلسلات، فلا نستطيع –أختي الكريمة– أن نقطع فيها بحكم عام، فالتلفزيون هو مجرد وسيلة، يمكن استخدامها في الحلال أو في الحرام، كالكوب الذي يمكن ملؤه بأي مشروب، سواء كان حلالًا أو حرامًا.
فما يقدمه التلفزيون حلاله حلال وحرامه حرام، فإن قدَّم محتوى نافعًا نظيفًا، خاليًا من العري والإسفاف وسائر المحرمات، وكانت مشاهدته لا تضيع واجبًا، أو تلهي عن فريضة، فهو حلال، فإن كان خلاف ذلك فهو حرام، والحلال بيِّن والحرام بيِّن.
غير أني أوصيك بعدم الإكثار من المباح حتى لا يجرك للحرام، وليكن كل شيء في حياتك يغلب عليه الاعتدال والتوازن.
في النهاية أختي الكريمة، أسأل الله -عز وجل- أن يرزقك طاعته، ويثبتك عليها، وأن يبارك لك في طفلتك، وينبتها نباتًا حسنًا، وأن يأجرك على نيتك في تربيتها، ويجعلها ذخرًا لك في الدنيا والآخرة، وتابعينا بأخبارك.