طفلي المذعور.. كيف أعالجه؟!

من فضلك دكتورة.. ابني عمره خمس سنوات، كان طفلًا سعيدًا ومفعمًا بالحيوية، كان يلعب مع أصدقائه دون أي مشاكل، ولم يكن يعاني من أي مخاوف تُذكر، ولكن منذ عدة أشهر، لاحظت تغيرًا مفاجئًا في سلوكه، أصبح يخاف بشدة حد الذعر، من أشياء لم يكن يخاف منها من قبل، مثل الظلام، الأصوات العالية، وحتى أشياء بسيطة كظل شجرة يتحرك بفعل الرياح. بدأ الأمر عندما سمع صوت انفجار قوي أثناء إحدى زياراتنا لبيت أحد الأقارب، منذ ذلك اليوم، أصبح يصحو في منتصف الليل صارخًا، ويطلب أن أنام بجانبه، كلما حاولت تهدئته أو شرح أن ما يخيفه غير حقيقي، يزداد توتره ويبكي بشكل هستيري. الأمر لم يتوقف هنا، فقد أصبح يتجنب الخروج من المنزل، ويفضل البقاء بجانبي طوال الوقت، حتى في الحضانة، بدأت المعلمة تلاحظ أنه ينعزل عن زملائه ولا يشارك في الأنشطة كما كان يفعل سابقًا، أشعر بالحيرة والقلق، وأتساءل: هل هذا طبيعي في هذا العمر؟ وكيف أساعده على تجاوز هذه الحالة؟

عزيزتي،

كان الله بعونك وعون طفلك، فما يمر به حاليا يُعرف في علم النفس بالخوف المرضي أو القلق المفرط (Phobia) أو (Excessive Anxiety)، وهو حالة شائعة بين الأطفال، خاصة بعد التعرض لتجربة مقلقة أو مرعبة، دعيني أوضح لك الأسباب وكيفية التعامل مع هذا الأمر بحكمة:

أولا: ولتقدير الموقف لا بد من فهم طبيعة هذه المرحلة؛ ففي سن الخامسة يمر الطفل بمرحلة تُسمى "مرحلة ما قبل العمليات العقلية" (Preoperational Stage) في هذه المرحلة يعتمد الطفل على خياله لفهم العالم من حوله، مما يجعله عرضة للقلق والخوف بسبب عدم قدرته على التفرقة بين الواقع والخيال.

وما تعرض له طفلك من سماع دوي انفجار قد يكون السبب الأساسي وراء مخاوفه الحالية، مما جعله يُصاب بما يُسمى "اضطراب ما بعد الصدمة" (Post-Traumatic Stress Disorder - PTSD)، وهذا تمامًا ما حدث ويحدث يوميًّا مع أطفال غزة، كان الله بعونهم وحفظهم ونصرهم، اللهم أمين.

فالأعراض التي تصفينها غاليتي، مثل الصراخ الليلي وتجنب الأنشطة الاجتماعية تتماشى مع هذا الاضطراب.

ثانيًا: نأتي لأساليب العلاج المناسبة وكيفية تطبيقها.. والتي أتمني أن تتبعيها بدقة وأريحية معًا:

١- العلاج بالحديث أو الـ(Talk Therapy)

تحدثي مع طفلك بطريقة بسيطة تناسب عمره، ابدئي بمواجهته بمخاوفه وهو في حضنك، وهذا بسؤاله عن مخاوفه دون التقليل منها، قولي مثلًا: "أعلم أن الصوت الذي سمعته كان مخيفًا، هل يمكنك أن تخبرني كيف شعرت وقتها؟".

شجعيه على التعبير عن مشاعره من خلال اللعب أو الرسم، حيث تُعد هذه الطرق وسائل فعّالة للتعبير غير المباشر في هذا العمر.

٢- العلاج بالتعرض التدريجي أو ما يسمى (Gradual Exposure Therapy)

وهذا يعد بديلا عن تجنب المواقف التي تُثير خوفه، قومي بتعريضه لها تدريجيًّا وبطريقة آمنة. مثلًا:

- إذا كان يخاف من الظلام، ابدئي بترك مصباح صغير مضاء في غرفته.

بعد عدة أيام، قللي شدة الإضاءة تدريجيًّا حتى يعتاد النوم في الظلام.

٣- من الضرورى أن تستخدمي معه أسلوب الطمئنة الإيجابي أو (Positive Reinforcement) مثلا عندما يتجاوز موقفًا مخيفًا بنجاح، أثني عليه وامنحيه مكافأة بسيطة لتحفيزه...

- جربي أيضا معه تمارين الاسترخاء (Relaxation Techniques) مثل التنفس العميق، حيث يساعده على تقليل التوتر.

٤- العلاج باللعب(Play Therapy)

وفرّي له ألعابًا تُمكنه من محاكاة ما يخيفه بطريقة آمنة، مثلًا، استخدام دُمى أو قصص تتناول موضوعات مشابهة يمكن أن يُساعده على مواجهة مخاوفه.

ثالثًا: تعزيز الأمان النفسي مهم جدًّا.. فالأطفال بحاجة إلى شعور قوي بالأمان، قولي له عبارات تطمئنه، مثل: "أنا هنا دائمًا لحمايتك" أو "ما تخاف منه ليس حقيقيًّا ولن يؤذيك".

احرصي على أن تكوني قدوة له في التعامل مع المواقف المخيفة؛ فالأطفال يتعلمون من مراقبة والديهم.

رابعًا: مراقبة تطور الحالة أمر مهم وضروري.

إن شاء الله سيجتاز هذه المرحلة بسلام إن اتبعت النصائح العلاجية فلا تقلقي.. أما إذا- لا قدر الله - استمرت الأعراض لمدة تزيد عن 6 أشهر دون تحسن، يُفضل استشارة متخصص في الصحة النفسية للأطفال (Child Psychologist) فقد يحتاج الأمر إلى جلسات متخصصة أو تدخل علاجي أعمق.

وأود أن أضيف الآتي:

- علّمي طفلك الدعاء عند الخوف، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ".

- عززي ثقته بأن الله يحميه، وحفظيه الآية الكريمة: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}... كذلك آية الكرسي.

ختامًا ولتطمئني عزيزتي:

تذكري أن الخوف في هذه السن ليس ضعفًا، بل هو جزء طبيعي من نمو الطفل وتطوره.. وأنه بتوفير بيئة داعمة ومطمئنة له، سيستعيد طفلك ثقته بنفسه ويتغلب على مخاوفه تدريجيًّا إن شاء الله.

أسأل الله تعالي أن يحفظكم ويبارك لك في طفلك ويصبح رجلا سويًّا معافى.