السلام عليكم، قرأت ردكم على سؤال الكاتبة التي عادت لله في الاستشارة التي كان عنوانها: (كاتبة تائبة.. تبعات الماضي وآفاق المستقبل) وكان ردّا رائعًا ووافيًا في نفس الوقت، جزاكم الله خيرًا عليه.. لكن أردت فقط أن أعرف الحد الفاصل بين الحلال والحرام في الكتابة.. أعلم أن الشعر والأدب مثل الكلام العادي، طيبه طيب وقبيحه قبيح.. لكن هل من يكتب الشعر أو النثر الذي يتكلم عما يصيب النفس الإنسانية من حزن أو تذبذب في المشاعر أو قهر أو خلافه هل هو حرام؟ وهل الشعر الذي يتكلم عن ظلم عاطفي أو شعر الغزل العفيف (بالرغم من أنني لا أكتبه الآن) هل هو يدخل في دائرة الحرام ؟ وهل مجرد قراءته لكُتَّاب آخرين توقعني في شبهة ما أو في إثم ؟ وفن القصة أيضًا، قرأت في بعض كتب التراث أن القَصَّ مكروه فيما ينفع، وقد كان السلف ينتقدون القصاصين، فهل هذه حقيقة فعلاً ؟؟ آسفة جدّا لتشعب سؤالي، لكني أعتقد أن هذه الاستشارة مهمة جدّا بالنسبة لي ولمن يكتب.. جزاكم الله خيرًا.
الأخت الكريمة، مرحبًا بك دائمًا ..
ربما تأخذ أسئلتك في هذه الاستشارة طابع الأسئلة الفقهية، التي تحتاج إلى إجابة من نوع: يجوز أو لا يجوز .. حلال، أو حرام.
ولكني أحب قبل أن أحيلك إلى الفتاوى التي تتناول مثل هذه الموضوعات، أن أُقرّر وأؤكد قاعدةً مهمة، وهي أن الإسلامَ كدين خاتم ارتضاه الله -عز وجل- للبشر، اختُصَّ بشريعةٍ شاملة متكاملة، لا تغطي نُسُك الإنسان مع ربه فقط، وإنما تغطي حياته كلها من الميلاد إلى الممات ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 162).
وهي برغم هذا الشمول، إلا أنها في بعض الجوانب لا تتعرض لبعض التفاصيل الدقيقة في حياتنا بحيث تغطيها كاملة، وإنما ترسم خطوطًا عريضة، تضع مبادئ عامة، لتُعرَض عليها تفاصيل القضايا المختلفة، وما يُستَجَد من أنشطة وفعاليات في حياة البشر، فتحكُم عليها وتنظمها وتوجهها من خلال تلك المبادئ والخطوط، وهذا ما يعطيها صفة الصلاحية لكل زمان ومكان، أو ما يُطلِقُ عليه البعض المرونة والتجدُّد.
وإن الشريعة عندما تتدخل لتُنظِّم وتوجِّه الإبداعات البشرية في أي مجال، فليس هذا من مُنطَلق كَبْت الحريات، وخَنْق الإبداع، كما يحاول أن يصوِّر البعض، وإنما من منطلق حفظ الكُليَّات الخمس التي لا تستقيم الحياة بالتهاون في حفظ أيٍّ منها، وهي: (الدِّين، والنَّفْس، والعِرْض، والعَقْل والمال).
ولا شكَّ أن النشاط الأدبي بجميع فروعه وألوانه – من شِعْر، ونثْر، ورواية، وقِصَّة، ومسرحية، ومقال... إلخ – لا شك أن له علاقة وثيقة ببعض هذه الكليات إن لم تكن كلها، لذا فمن الطبيعي أن يكون للإسلام فيه كلمة.
وكما قلتُ، فإنَّ شريعة الإسلام قد وضعت لهذا النشاط خطوطًا عريضة تحكمه، وتندرج تحتها الأحكام التي تخص كل لون منه.
ولقد لخَّصت في سؤالك أختنا الكريمة الإجابة، حيث قلت: «أعلم أن الشعر والأدب مثل الكلام العادي، طيبه طيب وقبيحه قبيح»، وهذه الجُملة هي الفَلَك الذي دارت فيه أقوال العلماء والفقهاء في حكمهم على النشاط الأدبي، ومحاولتهم وضع الحد الفاصل بين الحلال والحرام فيه.
وعلى أية حال، فما نستطيع أن نستخلصه من تلك الفتاوى ومن أقوال العلماء، أن الشريعة في حُكمها على الأعمال الأدبية تناولت ثلاثة محاور، هي:
الهدف من كتابة أي عمل، والموضوع الذي يتناوله العمل، والألفاظ والمفردات المستخدمة في بناء العمل.
وأستطيع أن أقول استخلاصًا من تلك الفتاوى: إن كل من يُمسِكُ قلمًا ويشرَعُ في الكتابة، عليه –في رأيي– أن يسأل نفسه عشرة أسئلة قبل أن يخُطَّ حَرْفًا، ويجيب عنها بصدق، هذه الأسئلة هي:
1- ما الهدف من هذا الكلام الذي سأكتبه؟
2- هل هذا الهدف لله -عز وجل- وفي مرضاته؟
3- هل فيما سأكتب مصلحة وخير للإسلام أو المسلمين أو الناس عمومًا؟
4- هل سأضيف جديدًا، أم أني أكتب لمجرد الكتابة؟
5- هل ما سأكتبه مناسب للوقت وللزمان وللمكان وللمتلقِّي؟
6- ما المآلات المحتملة لهذا الكلام، وما النتائج المترتبة عليه؟
7- هل اخترت ألفاظي ومفرداتي جيدًا وتأدبت فيها بأدب الإسلام؟
8- هل أنا مستعد لاعتبار أن رأيي صواب يحتمل الخطأ؟
9- هل أملك سعة الصدر لتقبل أي نقد يوجه لما أكتبه؟
10- هل عندي الشجاعة للتراجع عما كتبته إن تبين لي خطؤه؟
وبالإجابة على تلك الأسئلة يستطيع الكاتب أن يعرف حُكْم ما سيكتبه، أيًّا كان لونه، كما أننا نستطيع أن نطبق تلك الأحكام وهذه الأسئلة على أي لون من ألوان الإبداع الفني والثقافي، وليس الكتابة فقط.
أختي الكريمة، أرجو أن نكون قد استطعنا إفادتك، ومرحبًا بك وبرسائلك دائمًا.