حكم الاعتداء على الحقوق المعنوية خاصة إذا كانت هذه الحقوق لمحاربين

ما رأي الإسلام في الحقوق الأدبية والفكرية؟ وهل يتغير الحكم إذا كانت هذه الدولة محاربة للمسلمين؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فحقوق الطبع والنشر، وحقوق التأليف، والترجمة، ونحو ذلك من المنافع المعتبرة شرعًا، والعرف العام قد جرى على اعتبار حق المؤلف في تأليفه وإبداعه، فأقر التعويض عنه والجائزة عليه، ومن المعلوم أن العرف العام يعد مصدرًا من أدوات الاجتهاد إذا لم يتصادم مع نص شرعي، أو أصل عام في الشريعة الإسلامية، كما أن العرف له دخل كبير في مالية الأشياء، ولذلك فلا يجوز نسخ مؤلَّف أو برنامج إلا بعد استئذان أصحاب الحق في نشره وتوزيعه حتى وإن كان نسخ المؤلف أو البرنامج بغرض الاستخدام الشخصي وليس الاتجار، فحقوق التأليف مصونة شرعًا ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها.

أما إن كان أصحاب هذه الحقوق محاربين فلهم أحكام أخرى لأن الحرب تحل الدماء والأموال ولها أحكامها الخاصة.

وحول حماية الحقوق المعنوية والفكرية جاء قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي – بمكة المكرمة - وقد جاء قرار المجمع في هذا الموضوع على النحو التالي:

إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية:

هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها؟

وهل يجوز شرعًا الاعتياض عنها والتعاقد مع الناشرين عليها؟

وهل يجوز لأحد غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه على أنها مباحة لكل أحد، أو لا يجوز؟...

 وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي:

1- أن الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلفة من النسخ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلا الاستنساخ باليد، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتاب كبير ليخرج منه نسخة واحدة كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلف الأصلية معرضًا للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية فلم يكن نسخ الكتاب عدوانًا على المؤلف واستثمارًا من الناسخ لجهود غيره وعلمه، بل بالعكس كان خدمة له وشهرة لعلمه وجهوده.

2- أما بعد ظهور المطابع، فقد أصبح الأمر معكوسًا تمامًا، فقد يقضي المؤلف معظم عمره في تأليف كتاب نافع، وينشره ليبيعه فيأخذ شخص آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعًا أو تصويرًا، ويبيعه مزاحمًا مؤلفه ومنافسًا له، أو يوزعه مجانًا ليكسب بتوزيعه شهرة فيضيع تعب المؤلف وجهوده، ومثل ذلك يقال في المخترع. وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع حيث يرون أن جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان، ويتاجر بها منافسًا لهم من لم يبذل شيئًا مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار. فقد تغير الوضع بتغير الزمن وظهور المستجدات فيه، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار، مما يوجب نظرًا جديدًا يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقه. فيجب أن يُعتبر للمؤلف والمخترع حق فيما أَّلف أو ابتكر، وهذا الحق هو ملك له شرعًا لا يجوز لأحد أن يسطو عليه دون إذنه، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعًا، أو بدعة أو أي ضلالة تنافي شريعة الإسلام، وإلا فإنه حينئذ يجب إتلافه ولا يجوز نشره.

وكذلك ليس للناشر الذي يتفق معه المؤلف ولا لغيره تعديل شيء في مضمون الكتاب أو تغيير شيء دون موافقة المؤلف، وهذا الحق يورث عن صاحبه ويتقيد بما تقيده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظم هذا الحق وتحدده بعد وفاة صاحبه تنظيمًا وجمعًا بين حقه الخاص والحق العام؛ لأن كل مؤلف أو مخترع يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله.

أما المؤلف أو المخترع الذي يكون مستأجرًا من إحدى دور النشر ليؤلف لها كتابًا، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئًا لغاية ما، فإن ما ينتجه يكون من حق الجهة المستأجرة له، ويتبع في حقه الشروط المتفق عليها بينهما مما تقبله قواعد التعاقد.

وبمثل هذا أفتى مجمع الفقه الإسلامي والذي انعقد في دولة الكويت في دورته الخامسة في الفترة من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409/10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.

قرر:

أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.

ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقًّا ماليًّا.

ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها... انتهى.

ويقول الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه نظرات في الشريعة الإسلامية:

... والراجح: أن المنافع أموال، وهذا على قول الجمهور؛ لأن المنافع تعتبر أموالاً لما احتجوا به، وبدلالة الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي، وفيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا. قال صلى الله عليه وسلم: اذهب فقد أنكحتها بما معك من القرآن"، وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله: "باب التزويج على القرآن وبغير صداق"، وقال ابن حجر العسقلاني تعليقًا على ترجمة البخاري: "أي على تعليم القرآن صداق مالي" ثم قال ابن حجر بهذا الحديث، واستدل به على جواز جعل المنفعة صداقًا، ولو كان تعلم القرآن.

وبهذا الحديث النبوي الشريف وبغيره من الأدلة، قال الشافعية والظاهرية والزيدية بمالية المنافع، وكذلك قول الإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه محتجًا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن تعليم القرآن أو سورة منه منفعة معينة مباحة، فجاز جعلها مهرًا كتعليمها نحْوًا أو فقهًا، كذلك قال القائلون بجعل تعليم القرآن مهرًا للزوجة، أن يكون المهر تعليمها صناعة معينة أو يعلمها فقهًا أو لغة أو نحوًا أو غير ذلك من العلوم الشرعية أو العلوم المباحة.

هذا وقد جرى العرف على اعتبار النتاج الفكري، ومنه: وضع المصنفات والمؤلفات من المنافع ذات القيمة المالية، وبالتالي يكون للمؤلف حق مالي، وحق معنوي على مؤلفه.

حق معنوي: بنسبته إليه وانفراده بحق نشره وتوزيعه، وحق مالي: يتمثل بقابلية هذا النتاج الفكري للمعاوضة المادية، والعرف يصلح أن يكون مصدرًا من مصادر التشريع ما دام لم يخالف نصًّا شرعيًّا، ولا مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية، وهو هنا لم يخالف شيئًا من نصوص الشريعة الإسلامية ومبادئها، بل يمكن أن يقاس حق المؤلف المادي على نتاجه الفكري، على حق المعلم فيما يتقاضاه من عوض مادي على إلقائه المحاضرات العلمية والتدريسية، وكل الفرق أن المعلم يلقي دروسه وتعليمه شفاهة، والمؤلف يضع تعليمه في كتاب مطبوع يتداوله الناس فهو أولى بالعوض المادي من المعلم.

وما دام تبين كون حق المؤلف منفعة، وبالتالي يعتبر مالاً، والمال يصلح للمعاوضة، ويؤكد كونه مالاً تعامل الناس به واعتبارهم إياه من الحقوق المالية؛ فإنه يستطيع أن يتعاقد مع الناشر على طبع مؤلفه، والاتفاق معه على كيفية هذا الطبع، وعدد المطبوع ومقدار العوض الذي يستحقه، كما يجوز لولي الأمر أن يضع القواعد التنظيمية لهذا الحق، وكيفية حمايته، وليس في ذلك ما يخالف الشريعة الإسلامية.

والله تعالى أعلى وأعلم