قبح شكلي حطمني وعزلني.. اكتشف جمالك الداخلي

السلام عليكم ، سأحاول الاختصار قدر المستطاع قد يخيل لفضيلتكم في الوهلة الأولى أن من يكتب إليكم صبي أو فتى تتقاذفه الأحلام الخيالية، بينما في حقيقة الأمر أن هذه الإشكالية حطمتني وقهرتني وحجزتني عن كل ما يمت للحياة بصلة وقد تجاوزت الأربعين، وتتمثل في معاناتي من القبح الشكلي (الحقيقي) وليس (المتوهم الاضطرابي) ويمكن تلخيص الأمر في كون رأسي كبير جدا إلى درجة الفظاعة والأطراف الأربعة طفولية تقريبا (هزيل الساعدين وأحمش الساقين) فحتى العمليات التجميلية لا تجدي نفعا في حالتي وإني أعلم أن لله الحكمة البالغة والعدل التام ولست ساخطا عليه في مقاديره وإني موقن بأن المخلوق القبيح بإضافته إلى خلق الله له نقول عنه حسن لأن ذلك يجري على مقتضى حكمته عز وجل، إلا أنني يئست من الحياة وكل ما فيها واستبعدت استبعادا شبه تام أن أجد امرأة تقبل بي كزوج ولو كانت أقل من المتوسط في جمالها، كما أضيف لفضيلتكم علما بأنني كثير الابتلاء دون تبرئة لنفسي مما اكتسبت عليها وفقدت كل ما أملك دنيويا تقريبا لكن لم يكن لكل ذلك مثقال قشة من التأثير في نفسي وصبري مقارنة مع ابتلاء القبح والدمامة وقد جربت منذ سنوات العلاج بشقيه السلوكي والدوائي فلم تزد أحوالي إلا سوءا على سوء فتوقفت عنه ،بل وانتهى الأمر بي إلى زيادة ظلمي لنفسي بقطعي لأرحامي وبرودة علاقتي مع والديا وكل الناس تقريبا ولم أعد أطيق أحدا إلا ما شذ وندر نتيجة تمكن الأمراض مني بكل أصنافها النفسية والعصبية وربما العقلية والانتهاء إلى الجنون قريبا إن لم يلطف الله بي ،بل ولسان حالي يقول يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا لا قدحا في الله بل خوفا مما سألاقيه به من حال الجزع وضعف الصبر وعدم إطاقة البلاء ... هل من تعقيب !؟؟ جزاكم الله خيرا

أخي الكريم عماد، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، وأدعو الله أن يخفف عنك، ويشرح صدرك، ويرزقك الطمأنينة، ويفتح لك أبواب الخير والصلاح، وبعد..

فأود –أولًا- أن أقول لك إن ما تمر به هو –لا شك- ابتلاء صعب، وأنت لا شك في حالة من الألم والمعاناة العميقة أقدِّرها تمامًا وأشعر بها وأحترمها.

ولكني –أخي الحبيب- أريد أن أذكِّرك بأن الإنسان ليس جسدًا فقط؛ بل هو –إلى جانب الجسد- مزيج من قلب وروح وفكر وخُلق، والجسد بالنسبة لهذا المزيج لا يعدو كونه مُجرد حلة أو وعاء أو أداة للقيام بالمهمات المطلوبة في الحياة.

بالطبع، لا شك في أن القبول بالواقع الذي يؤلمنا هو أمر صعب، وخصوصًا إذا كانت معاناتنا في أمر يتعلق بشكلنا الخارجي الذي قد لا نملك تغييره، ويؤثر على نفسيتنا بشكل عميق، لكن في الوقت ذاته، يجب أن نتذكر دائمًا أن الله -سبحانه وتعالى- قد جعل لكل إنسان ميزاته الخاصة به، التي عليه أن يستكشفها وينميها. والتاريخ يحفل قديمًا وحديثًا بنماذج لأناس ابتُلوا بعاهات جسدية، بل وحرموا من بعض الحواس، كالسمع والبصر، ولكنهم جاهدوا هذا وغالبوه، وتفوقوا على الأصحاء في كثير من العلوم والفنون ومجالات الحياة المختلفة، وبرزوا فيها وكانوا ذا شأن عظيم.

انظر –مثلًا- إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، الذي كان نحيفًا جدًّا، وروي أنه ذات مرة انكشفت ساقه أمام الناس، وكانت دقيقة هزيلة، فضحك بعض الحاضرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَتَضْحَكُونَ من دِقَّةِ ساقَيْهِ! والذي نفسي بيدِه لَهُمَا أَثْقَلُ في الميزانِ من جَبَلِ أُحُدٍ»!

وغيره كثير عبر الزمان والبلاد، من رجال ونساء، لا يتسع المقام لذكرهم، فابحث عن سِيَر هؤلاء وطالعها، وتعلم منهم المثابرة والصبر والمجاهدة، وكيفية اكتشاف موهبتك الداخلية وميزاتك الخفية.

أما الابتلاءات التي نمر بها فقد تكون أحيانًا مدخلًا لتعلم الصبر وتحقيق معنى العبودية لله عز وجل، كما يجب ألا ننسى أن الله لا يبتلي عبده إلا بابتلاء يعلم أنه قادر على تحمله وتجاوزه، فهو –سبحانه- لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وهو أرحم بنا من أنفسنا.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له» [رواه مسلم].

أعلم أن الحديث عن القبول بالذات ليس بالأمر السهل، لكن من المهم أن تعلم أن القيم الحقيقية التي تميز الشخص عن غيره ليست مرتبطة بالمظاهر؛ بل بما في قلبه وعقله وتعامله من إخلاص وحسن خلق.

إن الحياة مليئة بالتحديات، وكل شخص يواجه معاناته الخاصة، وبالتوكل على الله، والبحث عن السبل التي تعيننا على التكيف مع هذه التحديات، سواء من خلال الدعم النفسي، أو من خلال الأنشطة التي قد تساعد على تحسين حالتنا النفسية، أو ربما من خلال تنويع أشكال العبادة نستطيع التأقلم مع حياتنا وواقعنا، بل وتحقيق النجاحات.

إن الإنسان الذي يسعى لتحسين ذاته، سواء داخليًّا أو خارجيًّا، لا يُلام، ولكن الأهم أن يعرف كيف يوازن بين بذل الجهد في التحسين، وبين التسليم بما قسمه الله له.

لقد ذكرت في رسالتك أنك تشعر بأنك فقدت كل شيء تقريبًا في حياتك، بما في ذلك الرغبة في العيش؛ وأريدك أن تعلم أن هذه المشاعر لها احترامها، لكن مع ذلك، يجب أن نبحث في داخلنا عن معنى أعمق لهذه الحياة. إننا إذا تأملنا في حياة الأنبياء والرسل، فسنرى أن كثيرًا منهم قد مر بابتلاءات عظيمة. تأمل في معاناة سيدنا يوسف عليه السلام الذي كان في السجن، أو في معاناة سيدنا أيوب عليه السلام الذي صبر على المرض والفقد. ورغم كل هذه الابتلاءات، كانت لهم نهاية سعيدة، مع ما لهم من جزاء عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

إننا لا يمكننا أن نعلم ما قد يحمله لنا المستقبل من رحمة الله وفرجه. قد تكون اللحظة التي تشعر فيها باليأس هي اللحظة التي تسبق الفرج الكبير.

يقول عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [سورة البقرة: 155- 157].

ويقول جل شأنه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر: 10].

ويطمئنك نبيك صلى الله عليه وسلم، قائلًا: «إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ» [رواه الترمذي]، أي أن الابتلاء ليس بالضرورة أن يكون عقوبة، بل قد يكون دليلًا على حب الله لك، وهو اختبار منه سبحانه لزيادة الأجر ورفع الدرجات.

وفيما يتعلق بما وصفته بالقُبح الشكلي، فتذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم» [رواه مسلم]. وهذا الحديث يُظهر لنا أن القيم الحقيقية في الحياة ليست في الجمال الخارجي؛ بل في نقاء القلب وصدق النية. والمجتمع قد يُقيِّم الأشخاص بناءً على مظهرهم؛ لكن في النهاية، ما يبقى هو قلب الإنسان وأعماله.

وإذا كانت المشاعر التي تراودك تدفعك للشعور بالعزلة أو اليأس، فإن هذا ليس دليلاً على ضعفك؛ بل على إنسانيتك؛ لأن الجميع يمرون بمراحل صعبة، ولكنك تحتاج أن تحيط نفسك بأشخاص يدعمونك ويشجعونك، سواء كان ذلك من خلال أفراد العائلة، أو الأصدقاء، أو حتى المختصين في العلاج النفسي. الحذر هنا هو من أن تقطع كل الروابط الإنسانية؛ لأن العزلة قد تساهم في تغذية مشاعر اليأس والإحباط، كما أن الشخص الذي يبتعد عن الناس ويعيش في عزلة قد يفقد الكثير من الدعم الاجتماعي والعاطفي الذي يمكن أن يساعده في التغلب على مشكلاته.

وبالنسبة لعلاقتك مع والديك، فأنت في حاجة مُلحَّة لعودة التواصل معهما والاهتمام بهما وبرهما، وهذا ضروري وفرض عليك من الله لا ينبغي لك –إن أردت رحمته وثوابه- أن تهمله، يقول الله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعبُدوا إِلَّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا} [الإسراء: 23].

أخي الكريم، إن التغيير يبدأ من الداخل، وفي قلب كل واحد منا قدرة على تغيير مسار حياته حتى وإن كانت الظروف قاسية. وعندما يبدأ التغيير داخلك، ستجد أن الخارج يبدأ في التبدُّل أيضًا. فلا تقلل من شأن الجهود الصغيرة التي تبذلها، حتى لو لم تظهر النتائج فورًا.

إن ديننا يُشجِّعنا على التفاؤل والثقة بالله، فكما أن الابتلاء هو اختبار، فإن الفرج أيضًا هو وعد الله لعباده الصابرين.

وأخيرًا، فإن الحياة مليئة بالفرص، ورغم أن الألم الذي تعيشه الآن عميق، فإن الطريق مفتوح أمامك للبحث عن الأمل والتغيير. هناك دائمًا أمل في غد أفضل، وهذه المحنة التي تمر بها قد تكون بداية لفهم أعمق للذات، وللإيمان بأهمية الصبر والرضا. تذكر دائمًا أن الله معك في كل لحظة، وأنه يراك ويعلم ما في قلبك، ولن يتركك أبدًا.

أسأل الله أن يفرج عنك كربك، وأن يرزقك السكينة والصبر، وأن يفتح لك أبواب الراحة والطمأنينة.

وأنصحك بقراءة الاستشارة التالية:


- مشوه جسديًّا ومحطم معنويًّا.. الخلاص في «عينك»