زوجي يضربني .. اهربي منه إليه

أرجو من سيادتكم سرعة الرد على مشكلتي؛ لأنني في عذاب دائم.. مشكلتي تتلخص في زوجي؛ فهو دائم الإهانة لي، والضرب المبرح، ودائم الإهانة لي أمام أهله، وأمام أهلي، ودائم السب، ودائم الضرب فيّ. مع العلم بأن زوجي طيب القلب جدًّا، وعقله صغير، ولكن عندما يتعصب يظل يضربني بدون وعي، وأنني تعبت جدًّا، فأنا أعلى منه في المستوى التعليمي، وأيضًا الوظيفي، والكل يعرف هذا، سواء أهلي وأهله، مع العلم أنني لدي طفلة منه، وفي أوقات كثيرة في منتصف الليل يقول لي: "اتركي المنزل الآن" لكن عندما يجدني أنزل فعلا يتردد. فأنا تعبت من هذه المعاملة، فكرت في أكثر من مرة أن أطلب الطلاق وأتركه، ولكن هناك مشاكل، وهي أنني لا أرتاح في بيت أمي؛ لأن أخي متزوج ومعه أربعة أطفال، وأنني سأذهب عند إخوتي، فكل بيت فيه ما يكفيه وزيادة، فماذا أفعل؟.

سيدتي الفاضلة، مرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، وبعد..

فلقد شعرت من خلال كلمات رسالتك وتعبيراتك فيها أنك تحبين زوجك حبًّا جمًّا، بل تعشقينه، ورغم أني لا أؤيد أبدًا مبدأ ضرب الزوج لزوجته فإني أجدك تبالغين قليلاً في وصف ضرب زوجك له، وكأنه تزوجك ليضربك ويهينك، وهو شيء غير متصور إلا من إنسان مريض العقل والنفس، حيث تقولين إن زوجك (دائم) الإهانة لك والضرب المبرح، و(دائم) الإهانة لك أمام أهله وأمام أهلك و(دائم) السب و(دائم) الضرب!!!، فهل بقي وقت أو مجال لشيء آخر في حياتكما؟!

وما كشف عن حبك له رغم شكواك منه أنك تلتمسين له العذر (عقله صغير)، وترين فيه بعض المميزات وتستحضرينها (طيب القلب) وذلك أمر جيد منك تحمدين عليه، وبمثل هذا التفكير العاقل تتيسر الأمور، وتسير الحياة رغم صعوباتها.

وقبل أن أخبرك بما يجب عليك فعله، أحب أن أقرر أولاً أن ضرب الزوج لزوجته لا يباح إلا في حال نشوز الزوجة وعصيانها، واستنفاد كل وسائل الإصلاح معها، من عتاب ووعظ وهجر، ﴿واللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ﴾، وإن اضطر إليه الزوج بعد هذا كله، فإنه لا يكون مباحًا مطلقًا، ولكن بشروط بينها النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدة أحاديث لا يتسع المقام لذكرها، ولكن نخلص منها إلى أنه إذا اضطر الزوج لضرب زوجته فيجب أن يكون هذا الضرب غير مبرح، وبعيدًا عن الوجه، وألا يترك أثرًا في الجسم، وألا يستمر عليه إذا عادت الزوجة عن نشوزها وأطاعت زوجها في المعروف ﴿فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾.

ويجب أن يعرف الزوج أن إفراطه في استخدام الضرب معك ينفي السكن بينكما، ويهدم المودة والرحمة بينكما مع الوقت، وهما أساس العلاقة الزوجية، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.

كما أن الضرب إن كان له مفعول مع الزوجة، فإنه بتكراره يفقد أثره ومفعوله، وتعتاد عليه الزوجة، فلا تأبه به ولا بزوجها، ويفقد الزوج احترامها له مع الوقت، كما فقد هو احترامه لها، وهذا لو حدث فإن الحياة كلها تنهار، فلا قيمة لعلاقة بين زوجين لا احترام بينهما، هذا غير تأثيره النفسي الضار جدًّا على الأبناء، وعلى مستقبلهم.

هذه المفاهيم يجب أن تصل إلى زوجك، إما عن طريقك إن استطعت توصيلها بأسلوب يقبله، وإما عن طريق شخص من العائلة يحترمه ويقدره الزوج.

أما ما يمكن أن تقومي به سيدتي، فأحدده في النقاط التالية:

1- حاولي التعرف على ما يوصل زوجك لهذه الحالة، ويجعله يضربك، فبالتأكيد (دائما) يكون هناك سبب يدفعه لذلك، بصرف النظر عن اعتماده هذه الوسيلة للتعبير عن غضبه، فهذا عالجناه في السطور السابقة، ولكن ما عليك أنت فعله أن تتجني إغضابه وفعل ما يضايقه، وهذا من حقه عليك، وإن أحببت نقاشه في أمر ما فتخيري كلماتك وأسلوبك في الحوار معه بما يشعره باحترامك له، وتقبلك لكلامه، واستعدادك المبدئي لتنفيذ ما يراه إن لم يتقبل رأيك ويقتنع به.

واعلمي أن من أكثر ما يضايق الرجل من زوجته العناد، وتكرارها للخطأ الواحد، وعدم تعلمها من أخطائها وإصرارها عليها، فهذا يخرجه عن شعوره ويؤدي به إلى ارتكاب أفعال قد لا يقصدها ولا يريدها، ولكن الغضب مركب الشيطان إلى الإنسان.

2- إذا أخطأت فسارعي بالاعتذار لزوجك فور خطئك، وامتصاص غضبه، وعدم الرد عليه، وتطييب خاطره بالأساليب المختلفة التي يتقنها النساء جيدًا ويعرفنها، بحيث لا تتركي فرصة للغضب أن ينفجر والانفعالات أن تخرج، وفي هذا الوقت لا محل أبدًا للنقاش ولا للجدال، حتى لو كنت ترين أن الحق معك، ولكن هذا يأتي بعد أن يهدأ الزوج ويصفو.

3- إذا حدث وشعرت أن زوجك يهم بضربك، ولم تفلح محاولات التهدئة، فأظهري له المسكنة والضعف، وحاولي ترقيق قلبه من ناحيتك، ويحضرني في هذا المقام قصة سمعتها قديمًا، عن امرأة كان كلما ضربها زوجها أو همَّ بضربها قامت باحتضانه، ولاذت به، وتشبثت به وكأنها تفر منه إليه، فكان لفعلها هذا أثر في نفسه جعله يكف عن ضربها.

صدقيني أختي الكريمة، إن قوة المرأة مع زوجها تكمن في ضعفها، واعترافها بهذا الضعف يكسبها قوة ما بعدها قوة، ومكانة ما بعدها مكانة، واحترامًا ما بعده احترام، أما إن ابتغت المرأة في معاملتها مع زوجها ما يقويها غير هذا الطريق، فلن يزيدها هذا إلا مهانة واحتقارًا، ولن يزيد الحياة إلا اشتعالاً ودمارًا.

فإذا ضربك زوجك، فاحتمي به منه، وإذا طردك من البيت، فقولي له ليس لي غيرك أذهب إليه، وتأكدي أن مثل هذه الكلمات لها فعل السحر في نفس الرجل، ولا تستمعي لمن يشعل فيك نوازع الندية والعناد والانتقام والمعاملة بالمثل، بدعوى الكرامة، وغيرها من الدعاوى التي تخرب البيوت ولا تعمرها.

4- من رسالتك علمت أنك أعلى من زوجك في المستوى التعليمي، وأيضا الوظيفي، وقلت إن الكل يعرف هذا، ولمست في حديثك عن هذه النقطة نبرة استعلاء قد لا تكون مقصودة منك، لكن ذكرك لها يؤكد أنها تكمن بداخلك، وقد يكون هذا سببًا مباشرًا في ضرب زوجك الدائم لك، وكأنه يعوض بهذا الضرب نقصًا يستشعره في علاقته معك، ليثبت لنفسه أنه أقوى منك وأعلى رغم شهاداتك ووظيفتك، ربما، ويتأكد ذلك لو كنت تلمحين له من حين لآخر بينك وبينه أو أمام الناس بتفوقك هذا، مما يستفزه ويجعله يتربص لك ويضربك على أي خطأ مهما كان بسيطًا.

فحاولي أن تتناسي هذا الفارق العلمي والوظيفي بينك وبين زوجك، فهو رب البيت وسيده أولاً وأخيرًا، والرجل يحب أن تشعره زوجته بهذا، مهما كان تعليمه ومهما كانت وظيفته، وقد تزوجتِه وأنت تعرفين هذا وقبلتِه زوجًا لك وأبًا لأولادك على هذا الوضع، فلماذا تتذكرين هذا الفارق دائما وتشعرينه به؟!

5- انزعي من عقلك وتفكيرك فكرة طلب الطلاق، ولا تفتحي للشيطان أبوابًا، طالما كانت هناك فرصة للعلاج والاستدراك، خاصة وأنك تعترفين بأنك لا ولن تستريحي في بيت أمك، وهي لن تبقى لك طول العمر، وكل أخ من إخوتك عنده ما يكفيه من الهموم، وليس عنده من الوقت ولا الجهد ولا المال ولا الحنان والمشاعر ما يعطيه لك ولابنتك، إذن فليس لك إلا بيتك، وليس لك إلا زوجك الذي وصفته بطيبة القلب، وإن كان لديه بعض العيوب فيجب ألا تيأسي من إصلاحها وتغييرها، والتعايش مع ما يمكن التعايش معه، والتغافل عما يمكن التغافل عنه.

حاولي سيدتي أن تقومي بما أشرت به عليك، بهمة عالية، وثقة بالله عز وجل، وأكثري من الدعاء لله أن يهدي زوجك، ويقذف في قلبه الرحمة بك، وحاولا أن تجتمعا على طاعة، كصلاة ركعتين في جوف الليل، أو قراءة بضع آيات من القرآن، لعل الله -عز وجل- ينظر إليكما نظرة رحمة، فلا تشقيا بعدها أبدًا.