أنا أُم، وقد أقدم ولدي على محاولة سرقة كفرات مع جنوط، وتم القبض عليه، وسجلت القضية على أنها شروع في سرقة، وتم التحقيق معه وسجن ثلاثة أيام، وحقق معه، وأخذت بصماته وتبهدل. مع أنه غير محتاج وموفرة له كل شيء، ويدرس في الجامعة، وطول عمره لم يمد يده على أي شيء، فبطاقتي الائتمانية يتصرف بها ولم أفقد ريالا واحدا، وأيضا والده يأتمنه على الصرف والشراء، ولم نفقد شيئا، ولكن معه صديق لم يقبل في الجامعة، ومعه على طول، ومشترك معه في محاولة السرقة. كيف أتعامل معه بعد خروجه؛ لأنه أرسل لي رسائل أنه آسف، ولكن عندما أراه لا يبدي أسفه، فنفسه كبيرة وشايف نفسه، مشكلته لا يعترف بخطئه ولا يتأسف؟؟.
سيدتي الكريمة، مرحبا بك، وأسأل الله أن يصلح ولدك، ويهديه إلى سبيل الرشاد، وبعد..
فبحسب ما ذكرت من معلومات في رسالتك، نجد أن دخل الأسرة (بفضل الله) ممتاز، وأن ولدك ليست لديه احتياجات مادية قد تدفعه إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، ولكن في اعتقادي أن ولدك لديه احتياجات أخرى يغفل عنها كثير من الآباء والأمهات للأسف، حين يظنون أن كل وظيفتهم في الحياة إنما تقتصر على توفير المال الكثير لأولادهم والإغداق عليهم بشتى أنواع المتع المادية من طعام وشراب وكساء وألعاب وتنزه... إلخ، وهم في المقابل غافلون عن احتياجات الأبناء النفسية والعاطفية والوجدانية، خاصة في مرحلة المراهقة والشباب، وهي تلك المرحلة التي يمر بها ابنك، حيث يحتاج الشاب من والديه في هذه المرحلة من عمره إلى توفير أجواء من الاستيعاب والتفهم والحوار والنقاش، تعزز فيه انتماءه لأسرته وارتباطه بها، وتغرس فيه القيم الفاضلة والأخلاق السوية، وتتابعه عليها.
ومن أهم متطلبات هذه المرحلة أيضًا التعرف على صداقات الأبناء ومعارفهم ومن يختلطون بهم ويعاشرونهم ويقضون معهم أوقاتًا طويلة، من زملاء دراسة أو جيران أو أصدقاء النوادي، وغيرهم، وذلك لأن الأبناء في هذه المرحلة يتأثرون بجماعة الرفاق أكثر من تأثرهم بالوالدين، حيث يجنحون في هذه المرحلة إلى الاستقلال عن الأسرة والبحث عن ذواتهم خارج حدودها، وهم في رحلة البحث هذه قد لا تكون عندهم البصيرة الكافية التي تجعلهم يميزون بين الصالح والفاسد والنافع والضار.
وهنا تبرز قيمة أن يكون هناك تواصل وحوار بين الآباء والأبناء، وأهمية إذابة الحواجز بين الشاب وأبيه والفتاة وأمها، فلا يكون عندهما حرج أو خوف من إعلام الوالدين بمشكلاتهما، وما يواجهانه من مواقف، وما يسمعانه من الرفاق، وما يعزمان على عمله.
أما إن اختفت هذه القيم وغابت هذه العلاقات بين الآباء والأبناء، فهنا تكون الطامة الكبرى، حيث يلجأ الأبناء إلى الرفاق الذين لا نضمن نوعياتهم من مثل ما وقع فيه ولدك، فيدفعونهم إلى الهاوية المهلكة.
على أية حال لن نبكي على اللين المسكوب، ولن نستغرق في جلد ذواتنا، فلن يفيد هذا شيئًا، وإنما ما عليك فعله الآن، أنت ووالده بالطبع، أن تحاولا استرجاع ولدكما إلى حظيرة البيت ودفء الأسرة، وإياكما أن تعنفاه أو تبالغا في عقابه، بل أشعراه بالحنان والعطف والحزن على حاله والخوف على مستقبله، وأن هذه كبوة عارضة لا بد أن ينهض منها، ويتعلم من دروسها، وينظر للمستقبل بمفاهيم مختلفة.
إلا أن ما يستدعي الحزم منكما هو قطع علاقة ابنكما بهذا الشاب الفاسد الذي أورد هذا المسلك المشين، ومراقبة علاقاته وصداقاته وتحذيره من رفاق السوء، ومحاولة خلق بيئة صالحة من حوله، كتعريفه على رفاق صالحين من معارف وأصدقاء الأسرة، ومحاولة إشغال وقته بممارسة هوايات مفيدة ونافعة، أو إشراكه في نادٍ رياضي يمارس فيها لعبة رياضية ما، يبذل فيها وقته وجهده، أو إلحاقه بدورات علمية أو لغوية أو دينية.
سيدتي الفاضلة، لاحظي أني أوجه خطابي لك ولزوجك سويًّا، فلن ينجح علاج ابنكما إن تولاه واحد منكما بمعزل عن الآخر. لا بد أن تشتركا سويًّا في إعادة ابنكما إلى حضنكما وإلى طريق الصلاح.
وأختم حديثي إليك بأهمية تقوية الوازع الديني في قلوب أبنائنا، وربطهم بالله عز وجل واستشعار مراقبته جل وعلا، وضرورة أن يرى الأبناء فينا القدوة العملية في هذا، من التزام بالعبادات في أوقاتها، وتعظيم لشعائر الله، وبغض للحرام واجتنابه، وتحرٍّ للحلال في كل شيء في حياتنا.
والقدوة الأخلاقية من الوالدين لازمة أيضا إلى جانب القدوة العبادية، فإن أردت أن يلتزم أولادك بسلوك أو بخلق معين فلا بد أن تكوني أنت ملتزمة به أولاً، وقد أشرتِ إلى إصرار ولدك على عدم اعترافه بالخطأ أمامك، وذلك لأنه ربما لم ير هذا السلوك منك أو من والده عندما تخطئان، فلو ربيتماه على فضيلة الاعتراف بالخطأ وأن هذا نوع من أنواع الشجاعة، وقمتم بإعطائه القدوة العملية في ذلك، لكان الأمر أيسر عليه عندما يخطئ.
هذا ولا تنسي سلاح الدعاء، فإنه أمضى سلاح، فداومي على الدعاء لربك أن يهدي أبناءك ويصلحهم، وأن يجعلهم الذرية الصالحة التي تقر بها عينك في الدنيا والآخرة.
وفقك الله ورعاك، ورزقك سعادة الدارين.