أجر من حبسه العذر عن أداء فريضة الحج

- لعلكم تعرفون ما يحدث في هذه الأيام من حرمان قطاع كبير من كبار السن وغيرهم من أداء هذه الفريضة الغالية المحببة إلى نفس كل مسلم، ونحن أحيانا نشعر أن الله ليس راضيا عنا فلو كان راضيا عنا لقبلنا ووفقنا لأداء هذه الفريضة ناهيك عما نلاقيه من سخرية وهمز ولمز من الآخرين بسبب عدم توفيقنا لأداء هذه الفريضة، فما موقف الإسلام من هذه المسألة ؟؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن ولاه، وبعد:

نبشر الذين منعهتم الأعذار من أداء هذه الفريضة الغالية أن لهم الأجر غير منقوص، وإن لم تسقط عنهم الفريضة إن وجدوا فرصة أخرى لأدائها.

ونحمد الله تعالى أن جعل في قلوب كثير من المسلمين حب هذه الطاعة؛ فعلى الرغم مما يلاقونه من مشقة، وما يتكلفونه من مال وجهد، وتعب ونصب، فقد أشربت قلوبهم حب المناسك، ورؤية الكعبة، والطواف والسعي، والوقوف بعرفة، وسائر المناسك.

نبشر الذين منعهتم الأعذار من أداء هذه الفريضة الغالية أن لهم الأجر غير منقوص، وإن لم تسقط عنهم الفريضة إن وجدوا فرصة أخرى لأدائها.

ولعل هذا ببركة دعاء خليل الرحمن إبراهيم ـ عليه السلام ـ عندما امتثل لأمر الله تعالى، ونادى بالحج، وبلغ عنه الله تعالى يقول الله تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (الحج : 27).

ولكن سؤالك يحمل كثيرًا من القضايا الشرعية التي ينبغي أن نقف عندها، ومن أهمها:

أولا: تدخل ولي الأمر في منع الحج عن فئة معينة

جمهور الفقهاء يرون أن الحج واجب على الفور إذا تمكن المكلف من أدائه، في حين يرى فقهاء الشافعية أن الحج لا يجب على الفور، وإنما يجب على التراخي . وهذا يعني أن المسلم لا يأثم إذا أخر أداء الحج مع الاستطاعة، وإن كان الأرجح أن الحج واجب على الفور، غير أن ولي الأمر له الحق في التدخل في تحديد عدد الحجاج حسب الفئات العمرية، أو حسب الصحة وتحمل مشاق الحج وغير ذلك.

ولكن على ولي الأمر أن يكون متأكدًا يقينًا، أو بغلبة الظن على الأقل من الخطر الذي يلحق الحاج أو من حوله بسبب هذا المرض، وأن يكون هذا المنع يشمل كافة التجمعات، فلا يعقل بحال أن يسمح بهذه التجمعات لمشاهدة المباريات الرياضية، والحفلات السينمائية، وإحياء موالد مشايخ الطرق الصوفية، ثم يأتي المنع في الجمع والجماعات ، والعمرة والحج!!

إن هذه التصرفات وغيرها تولد نوعًا من عدم الثقة بين الراعي والرعية، حتى ولو كان قصد أولي الأمر حسنًا، ونيتهم طيبة، لكن عندما يرى المسلم أن كل الحياة تسير كما هي قبل ظهور المرض وبعده، فلا أزمة المواصلات وتكدس الناس قد حل، ولا التجمعات الأخرى سواء كانت مباحة، أو محرمة قد منعت، ولم يتحدث الناس إلا عن التجمعات الناشئة من أداء السنن والفرائض الشرعية، فأنى لهم الثقة!!

وعلى أية حال، فسواء التزم ولي الأمر بهذه الضوابط أو لم يلتزم بها فلا إثم على عموم الناس؛ لأن الخروج إلى الحج، أو الدخول للحرم مسئولية الحكومات وليست الأفراد، وعلينا أن نغلب حسن الظن .

ثانيًا: هل المنع دليل على غضب الله؟

ليس المنع ـ دائما ـ يكون دليلاً على عدم القبول، أو الغضب من الله تعالى؛ فكم من أناس ذهبوا إلى الحج بنية الفساد، والإفساد ووصل إلى أرض الحرم، فمنهم من ذهب ليسرق، ومنهم من ذهب ليفسد أو يخرب الحرم، ولم يمنعه الله من الوصول إلى الحرم، ولعل قول الله تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الحج: 25) يؤكد على أن بعض الناس سيلحدون بظلم في هذا المكان المقدس.

فنؤكد للسائل الكريم أن هذا المنع لا يعبر بالضرورة على غضب الله تعالى، كما لا يعبر تيسير الحج بالضرورة على قبول الله تعالى، فهذا سر، وغيب لا يعلمه أحد إلا الله تعالى.

ثالثًا: إظهار الشماتة فيمن لم يوفق للحج هذا العام

أما إظهار الشماتة فيمن حالت الأعذار بينه وبين الحج هذا العام، فإن دل على شيء فإنما يدل الجهل من الشامت، فقد مُنع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبه الكرام من العمرة عام الحديبية، منعهم المشركون في مكة، وكان من الممكن أن تتدخل قدرة الله فتهزم المشركين، أو يعمهم الله بعذاب من عنده، ويمكّن المسلمين ومعهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطواف بالبيت، ولا شك أنه أكرم خلق الله على الله تعالى، وسمّى الله ـ عز وجل ـ الرجوع دون طواف بعد عقد صلح الحديبية فتحًا مبينًا، وسمّى سورة من سور القرآن الكريم بسورة الفتح، ويعني به هذا الصلح الذي رجع المسلمون دون أن يعتمروا.

فهل يستطيع عاقل أن يقول إن هذا المنع كان بسبب معصية المسلمين، أو بسبب غضب الله عليهم!!

أخيرًا: إنما الأعمال بالنيات

ونبشر الذين منعوا وكانت نياتهم خالصة لله رب العالمين، أن فضل الله أوسع مما يتصورون، وأكبر مما يتخيلون، ولعل الله كتب لهم أجر حجة وعمرة تامة تامة، فقد روى البخاري بسنده عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة،  فقال: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟! قال وهم بالمدينة! حبسهم العذر.

فعلى الرغم من مشقة السفر، وطول الطريق، في غزوة تبوك التي سمّاها الله تعالى ساعة العسرة، فقد كتب الله أجرها لأناس مكثوا في المدينة، ما حملوا سلاحًا، ولا واجهوا عدوًا لأنهم لم يتخلفوا كسلاً، ولا نفاقًا ولكن حبسهم العذر.

ونحن نقول لكل من نوى حج بيت الله  الحرام، وحبسه العذر سيكتب الله لك الأجر بفضله وكرمه مرة بنيتك هذه، والمرة الثانية بفعلك لاحقًا عندما تزول الأعذار إن شاء الله تعالى.

والله تعالى أعلى وأعلم.