برنامج عملي للإقلاع عن «العادة السرية»

مشكلتي هي بمنتهى البساطة: الاستمناء، وظني أن أي نوع من الإدمان لا بد وأن يخالطه شيء من الأفعال أو الأفكار التسلطية، وهذا من وجهه نظري ورأيي الخاص، وسأحدد بعض ما أطلبه منكم ببساطة: 1- عندما أقهر نفسي وشهوتي وأقدر أن أمنع نفسي من فعل هذه الفعلة لعدة أيام أصاب بأرق شديد، وأمنع بسببه من النوم، حتى أني أكون مجهداً جداً ولا أستطيع النوم بسبب الأرق، فهل هذا طبيعي؟ وما الحل؟ علما بأني أضطر إلى فعلها متعمدا لكي أستطيع النوم! 2- هل من برنامج عملي لعلاج مدمني العادة السرية؟؟؟. 3- أود أن أحيطكم علما بأني قد هلك جسمي جسديا وعقليا من هذه الفعلة، ولا تقولون لي (الشماعة التي ذابت) فبالفعل فأني منهك بدنيا وذهنيا لدرجة كبيرة، حتى أني لا أقوى على فعل شيء أنوي فعله، كأن أصلي التراويح كاملةً، أو أن أذهب إلى الكلية جميع المحاضرات بانتظام. فأنا محير بين أمرين، عندما أترك الاستمناء لبضعة أيام أصاب بالأرق ولا أستطيع النوم، وعندما أفعلها أنام ولا أستطيع الاستيقاظ، معادلة صعبة!! 4- كما أني أود أن أحيطكم علما بأن الاستمناء حرام شرعا، قطعا لا شك فيه، وليس كما تقولون إنه مخرج طبيعي للشهوة الجنسية، وأنها كانت تفعل منذ القدم، ولا ضرر في فعلها. وأستدل بذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ويقول: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول، والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامع المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه” رواه الطبراني. في النهاية أتقدم بخالص الشكر لكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

ولدي العزيز، مرحبا بك..

يبدو يا ولدي أن الحديث عن العادة السرية وملابساتها، ومناقشة ما يحيط بها من أفكار وتصورات وأحكام، مستمر معنا حتى قيام الساعة، مهما كتب الكتاب وحلل المحللون وقرر الخبراء، وقضى الفقهاء!.
على أية حال، بصرف النظر عن الخلاف الدائر حول الحكم الشرعي لممارسة العادة السرية، (وهو ما سأتعرض إليه في نهاية حديثي)، وبعيدًا أيضا عن الحديث حول مضارها (وهي مشهورة ومعروفة) فهناك اتفاق على أن ممارسة العادة السرية هو نوع من الإدمان يحتاج إلى علاج، وكأي نوع من الإدمان، فإن التخلص منه يحتاج إلى جهد وإرادة وعزيمة قوية وصادقة، وإلى التخلص من دوافع هذه الممارسة ومثيراتها، والتخلص أيضًا من مثبطات هذه العزيمة، من الأفكار الخيالية الخاطئة التي تكونت عبر الزمن والاعتياد.
ومن هذه الأفكار التي تكونت عندك: اعتقادك أنك (مضطر) لفعلها حتى تتخلص من الأرق وتنام!! وأنك لو امتنعت عن ممارستها فلن ترى عيناك النوم!! ولن أتحدث بلغة أهل الوعظ فأقول لك إن شيطانك هو الذي هيأ لك ذلك، وإن كان هذا مقبولاً، ولكن ما أعتقده أنك تعودت فترة من الزمن حين تأوي إلى فراشك ألا تنام إلا بعد أن تمارس العادة، كنوع من الروتين، حتى ارتبط استغراقك في النوم بممارستك لها، فصرت لا تستطيع النوم إلا بعد أن تقوم بها، وسامحني في التشبيه، كالطفل الذي لا يستطيع النوم إلا إذا التقم ثدي أمه أو زجاجة الحليب. وتعلم أننا نبذل مجهودا كبيرا مع الرضيع حتى نفطمه عن ثدي أمه، كذلك تحتاج أنت أيضا إلى مجهود مماثل لكي تفطم نفسك عن هذه العادة، عادة النوم بعد ممارسة العادة، وهذا الجهد يحتاج كما أشرت إلى صبر وقوة إرادة وعزيمة صادقة، ويساعدك في هذا استخدام بعض البدائل التي تقود عينيك إلى النوم، وتصرف ذهنك بعيدا عن هذه العادة، كالقراءة في كتاب، أو مشاهدة برنامج تلفزيوني مفيد، أو سماع الراديو... إلخ، كما حاول يا صديقي ألا تدخل إلى فراشك إلا بعد أن يكون النوم قد استبد بك، وبدأ النعاس يهاجم جفونك بالفعل.
وخلاصة البرنامج الذي تسأل عنه للإقلاع عن العادة يتلخص في:
1- الابتعاد تمامًا عن المثيرات والمهيجات الجنسية، بشتى أنواعها، ولا داعي للتفصيل فيها، فهي معروفة، مع استحضار نية غض البصر لنيل الثواب.
2- المحافظة على الصلوات في أوقاتها في جماعة في المسجد.
3- ملازمة الصحبة الصالحة وهجر رفاق السوء الذين يزينون المعاصي ويسوقونها إليك.
4- شغل الوقت، وبذل الجهد والطاقة في الأعمال المفيدة، وممارسة الرياضة، والهوايات النافعة بشتى صورها.
5- عدم الخلوة بالنفس لأوقات طويلة.
6- المداومة على قراءة القرآن، وحمل المصحف دائما.
7- المحافظة على أذكار الأحوال، وخاصة أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم.
8- المسارعة إلى الزواج، والسعي لتحصيل أسبابه، فهو أفضل الحلول وأنجعها.
9- الصيام، فإنه يثبط الشهوة، ويضيق مجاري الشيطان في النفس.
بقيت كلمة أخيرة، تعليقا على تقريرك في نهاية رسالتك أن الاستمناء حرام شرعا لا شك، وسوقك حديثا تستدل به على ذلك. وفي الحقيقة كي نكون منصفين يجب أن نقرر أنه لم يصح في هذا الباب (حرمة الاستمناء) حديث واحد، وإنما كل ما ورد فيه أحاديث واهية، منها الحديث الذي ذكرته، وهذا كلام المحدثين والمحققين وليس كلامي، وارجع إلى كتب التخريج إن أردت.
وخلاصة الحكم الشرعي في المسألة، كالتالي:
أولاً- اتفق العلماء على جواز الاستمناء إذا كان بيد الزوجة.
ثانيًا- اتفق العلماء على جواز الاستمناء إن تعرض الرجل لأي مؤثر وخشي معه الوقوع في الزنا.
ثالثًا- اتفق العلماء على تحريم الاستمناء إن كان بيد امرأة أجنبية.
رابعًا- اختلف العلماء فيما سوى الحالات السابقة على ثلاثة أقوال :
القول الأول: التحريم، وعليه جمهور العلماء. وهو رأي ابن تيمية رحمه الله.
القول الثاني: الكراهة، وهو قول ابن حزم ورواية عن الإمام أحمد .
القول الثالث: الإباحة للحاجة، وهو قول للحنفية ورواية عند الحنابلة .
ولكل قول أدلته المعتبرة، إذن فالأمر خلافي، ولا نستطيع أن نقطع فيه بحرمة، وكل حالة تقدَّر بقدرها، وهذه ميزة شريعتنا وفقهنا

حفظكم الله ورعاكم، ونسعد بدوام التواصل معك.