أعاني من أخواتي الداعيات.. قد يكون العيب فيك

بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أود أن أعرض لكم ما أواجه من صعوبات في طريق الدعوة إلى الله وأثق بأني سأجد بإذن الله من يرشدني إلى الصواب. أنا فتاة تخرجت في الكلية، ومارست العمل الدعوي مع مجموعة من الأخوات في البداية، لكن حدثت لي مشاكل، فرأيت من الحكمة أن أبتعد قليلا حتى تهدأ الأمور، وكما قالت إحدى الأخوات فالداعية كالسمكة إذا فقدت الوسط الدعوي تفقد الماء الذي هو أساس حياتها. حاولت الرجوع للعمل الدعوي، ولكن هذه المرة مع مجموعة أخرى من الأخوات يجمعنا حب هذا الدين، ومنَّ الله علي أن أكون المحرك لهذه المجموعة، لكن واجهتني صعوبات في العمل، وهي أننا نبدأ في عمل ثم ننقطع (في بعض المشاريع)، لنا اجتماع شهري نضع مخططات للأعمال الدعوية، والآن أصبح لهموم الدنيا أو للانتقادات الجارحة، أمتثل قول الله عز وجل: {فبما رحمة من الله لنت لهم}، لكن نفسي تطاوعني مرة وأنهزم أمامها مرات. أعمالنا توسعت نوعا ما، وأصبحت هناك وجوه جديدة تحضر اجتماعتنا (وأخشى أن تتأثر بما يحدث بيننا من الانتقادات). أفكر أحيانا أن أوسع العمل مع مجموعات أخرى جديدة؛ لأنني أشعر أنني وصلت لطريق مسدود مع المجموعات السابقة. لكن يؤلمني أن هذه المجموعة مبدعة ومميزة في الأعمال الدعوية، أحبهم وألتمس العذر لهم لكن أحيانا يطفح الكيل، لاأعرف ماذا أفعل؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بك أختي آسيا على صفحة الاستشارات الدعوية على موقع إسلام أون لاين، ونسأل الله تعالى أن يبارك في هذا الموقع وفي جهود القائمين عليه الذين جعلوه قبلة لمن أراد الحصول على شهادة الماجستير في أمور الحياة كما تفضلت، وأن يجعلنا أهلا للالتحاق بركب الدعاة إلى الله تعالى، وأن يرزقنا الإخلاص في النية والبركة في العمل والسداد في القول.

بداية أختي، هيا بنا بداية نتصارح بأن العمل الجماعي التنظيمي رغم أنه ضرورة لا تنكر في الساحة الدعوية؛ فإنه لا يخلو من بعض الأمور والهنات التي قد يكون لها تأثيرها على الفرد والدعوة.

فما معنى أن يصل الداعية إلى حالة يفكر فيها أن يترك الدعوة ويبتعد عنها، رغم إيمانه بفرضية الدعوة الشرعية وضرورتها الاجتماعية؟!

وما معنى أن يجتمع قوم على طاعة الله والتنسيق للدعوة إليه وتبليغ مهمة الرسل؛ فتتحول لقاءاتهم إلى انتقادات جارحة؟!

لا بد أن ندرك أن الدعوة إلى الله حب؛ فالحب هو الركن الركين الذي تجتمع عليه قلوب الدعاة وتتلاقى عليه أرواحهم؛ فإذا فُقد هذا الركن أصبحت هذه الدعوة وظيفة روتينية تفقد ما يملؤها من حرارة الوحي وروح السماء؛ فتتحول إلى عمل أرضي هش سرعان ما تتنازعه أعاصير الاختلاف ورياح الانتقادات الجارحة!!.

أختي تعالي بداية نحدد معالم مشكلتك ومراحلها؛ فنجد أنها على النحو التالي:

  • مارست الدعوة بعد تخرجك مع مؤسسة دعوية ثم حدثت بعض المشاكل فرأيت أنه من الحكمة أن تبتعدي قليلا.
  • لم تستطيعي تحمل البعد عن الدعوة فبدأت مع مجموعة أخرى من الأخوات اللاتي يجمعك بهن حب هذا الدين والعمل له، وكنت أنت المحرك الفعلي لهن.
  • ظهرت بعض المشاكل مع المجموعة الجديدة مثل الانقطاع عن بعض الأعمال، وواجهتكن مصاعب في اللقاء بسبب هموم الأمة أو الانتقادات الجارحة.
  • أعمالكن توسعت ودخلت معكن وجوه جديدة، وتخشين أن يتأثرن بما يحدث بينكن من انتقادات.
  • تشعرين بأنك وصلت لطريق مسدود مع هذه المجموعة وتفكرين في توسيع العمل مع مجموعات أخرى، ولكن يؤلمك أن المجموعة التي معك أصبحت مبدعة ومتميزة.

وبإعادة النظر في معالم استشارتك نجد بعض التناقضات الواضحة التي تحتاج منك إلى التوقف وإعادة النظر في موقفك من هؤلاء الأخوات؛ فكيف تكنَّ قد جمعكن حب هذا الدين والعمل له، ثم تصلن إلى طريق مسدود بسبب التناقش في أمور الدعوة؟!

ثم كيف تكونين قد وصلت بهؤلاء الأخوات إلى أن يصبحن مبدعات ومتميزات وتفكرين أن تتركيهن لمجرد الخلاف في وجهات النظر؟!

أختاه إن من الأدواء التي يقع فيها بعض الدعاة أنه يريد ممن معه في الحقل الدعوي أن يكونوا نسخة منه! فيأتمرون بأمره هو فقط وينتهون بنهيه! وإن حدث أن أعمل بعضهم عقله وذاتيته التفكيرية الخاصة فإنه يعرض نفسه للاتهام بالتمرد والخروج على قواعد الدعوة!

اسمحي لي أن أكون أكثر صراحة معك وأخبرك بتخوفي أن تكوني من هذه النوعية من الدعاة؛ فأنت مررت بالعمل مع أكثر من مجموعة دعوية وكانت تواجهك نفس المشاكل تقريبا في كل مرة، وتريدين أن تجربي العمل مع مجموعة أخرى، رغم أنك المحرك الفعلي لهذه المجموعة، وإزاء هذا الأمر فإنني أرى أن موقفك واحد من اثنين:

أولهما أن تكون نظرتك مثالية أكثر من اللازم للأخوات؛ فأي خطأ أو سوء تفاهم منهن ترينه بمجهر مكبر وتعدينه جرما لا يغتفر.

الأمر الآخر أن المشكلة فيك أنت دون أن تشعري؛ فأنت القاسم المشترك بين هذه المجموعات مع وجود نفس المشكلات.

وفي كلتا الحالتين فالأمر يحتاج منك إلى أن تقفي مع نفسك، وتحددي موضع الداء حتى يسهل عليك تناول الدواء المناسب؛ فإذا كانت المشكلة في نظرتك المثالية للأمور فحاولي تغييرها، واعلمي أنك تتعاملين مع بشر وأن كل البشر معرضون للخطأ وسوء التفاهم، وحاولي في هذه الحالة أن تتقبلي أخواتك بهفواتهن وليكن همك هو تقويم هذه الأمور وتوجيهها لما فيه خير الدعوة، ولا تنسي أيضا أن ما ترينه أنت خطأ ربما يكون أمرا عاديا ومقبولا ولكنك تحملين الأمور ما لا ينبغي.

وإذا كانت المشكلة فيك أنت بأنك كنت السبب في هذه المشكلات فعليك التعرف على أخطائك بنفسك عن طريق رصد أسباب هذه المشكلات ودورك فيها ومحاولة علاجها، ويمكن الاستعانة بمن تثقين فيها من أخواتك بأن تدلك على هذه العيوب؛ فغالبا لا نرى الخطأ من أنفسنا كما يراه الآخرون فينا.

أختي أرجو أن تعذريني إن كنت قسوت عليك وحملتك من الأمر الكثير؛ ذلك لما رأيته منك من همة ورغبة في الإصلاح، وأنا لا أنفي الخطأ عن الآخرين إن كان هناك خطأ أصلا.

فمن الطبيعي أن الناس مختلفون والشخصيات متباينة ووجهات النظر متنوعة، وأرى أن هذا شيء إيجابي وليس كما ترينه أنت تجريحا وانتقادات جارحة، ما دامت تعرض في جو من الحب والإخلاص والتجرد عن حظوظ النفس.

ولنا في رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام –رضوان الله عليهم- خير مثل وقدوة في الاختلاف وتطبيق مبادئ الشورى بصورتها الصحيحة التي تجعل من التنوع والاختلاف عامل ثراء وبناء.

فالإسلام دين الفطرة والواقعية، راعى الاختلاف وتنوع وجهات النظر فجعل من الشورى علاجا ناجعا وحلا لكثير من المشكلات التي قد تنتج عن ذلك.

فهذا هو الرسول الكريم حينما أراد الخروج لملاقاء الأعداء في غزوة أحد وجد أكثر من وجهة نظر؛ فقوم يريدون الخروج لملاقاة العدو على حدود المدينة وآخرون يرون البقاء في المدينة والتحصن بها وكان الرسول مؤيدا لهذا الرأي، ولكنه رغم أنه المؤيد من ربه لجأ إلى الشورى وكانت الشورى في جانب الرأي الآخر؛ فأنفذ الشورى وخرج بالجيش.. هكذا دون انتقادات جارحة أو تغير في القلوب أو تأثير على رصيد الحب الذي يعين على تجاوز كل الخلافات.

ما أحوج الدعاة إلى الرجوع لهذا الهدي النبوي لتلمس العلاج لأدوائهم وإيجاد حلول لمشكلاتهم.

أختي أشد على يديك أن تستمري في رعاية حديقتك الغناء التي شاركت في غرسها حتى بدأت تؤتي أكلها؛ فاصبري على بعض الأشواك التي تقابلك، وثقي أنك تستطيعين التغلب عليها بإذن الله بسلاح الحب في الله والتماس الأعذار واستيعاب وجهات النظر المختلفة؛ فما دامت النفوس متجردة ووجهتها خالصة لله تعالى فليكن اجتماعهم على الحب فيه وتفرقهم على الحب فيه.

أنصحك أختي أن يتوجه اهتمامكن هذه الفترة إلى إصلاح ما بينكن وتقوية روبط الأخوة والحب في الله بينكن، واكتساب مهارات الاختلاف وآدابه؛ حتى لو أدى ذلك إلى توقف بعض الأعمال الدعوية الأخرى؛ فدعوة ناتجة عن خلافات ونفوس متشاحنة ستظهر للناس شائهة شائنة. فكيف تدعون الناس إلى التحاب في الله وأنتن تشكون من الانتقادات الجارحة؟ وكيف تدعون الناس لآداب الاختلاف وأنتن تعانين من ذلك؟!

وفي نهاية حديثي لك أختي ألخص العلاج في بعض الكبسولات السريعة؛ مثل الحب في الله، واتهام النفس والتماس الأعذار للآخرين، والتجرد وإخلاص الوجهة لله، ومراعاة طبيعة النفوس وما فطرها الله عليه من اختلاف وتنوع، والصبر على التعامل معها.

وأسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الفهم والتبليغ عنه، وتابعينا بأخبارك وأخبار أخواتك.