<p>السلام عليكم ورحمة الله.. أنا زوجة لي ثلاث شهور وأنا امرأة عاملة وتربيت في بيت فيه أم عاملة مدبرة تشارك أبي في مصروفات البيت لكن النصائح التي اقرئها على الشبكة العنكبوتية تشكك في صحة هذا التوجه وخلاصة ما قرأته أن التوفير للزوج سينتهي بإهماله لي وعدم تقديره لأنني أرضى بأقل شيء بينما من تطلب يتم اعتبارها مدللة تستحق وأن الرجال لا يريدون إلا المرأة المدللة وكثير من القصص تنتهي بأن الزوجة تنفق راتبها كله في البيت والزوج يوفر ليتزوج في نهاية المطاف بمالها زوجة أخرى مدللة وأنا أشعر بالحيرة فأي الطريقين أسلك؟</p>
ابنتي الغالية، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك بوابة الاستشارات الإلكترونية.
في البداية مبارك لك الزواج –غاليتي- فبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير، وأريد أن أخبرك أنني سعيدة جدًّا بسؤالك، فليس كل ما تتم قراءته على الشبكة العنكبوتية مناسب لنا، كما أن القصص الحياتية التي نسمعها أو نقرؤها ليست قصتنا الخاصة، فهناك تفاصيل صغيرة دقيقة في كل قصة تصنع ملامحها الخاصة، فأنت لست تلك التي تقرئين عنها وقصتك ليست قصتها، وأنت لست والدتك وأيضا قصتك تختلف عنها..
نعم نحن نحاول التأمل نأخذ العظات والدروس بوجه عام، لكن تنزيل هذا على حياتنا الخاصة مسألة فيها نظر؛ لذلك أنا سعدت بسؤالك خاصة وأنت ما زلت في سنة أولى زواج أو مرحلة وضع القواعد.
ماذا يريد الرجل؟
ابنتي الكريمة، هناك سؤال بالغ الأهمية في إجابته مفتاح حل المعادلة بين الدلال والتدبير ألا وهو: لماذا يتزوج الرجل؟ ما هي أهدافه الأساسية من الزواج التي لو افتقدها يعاني من التوتر والقلق ويشعر أنه لم يتزوج بعد أو أن زواجه لم يحقق له الإشباع؟
أريدك أن تجيبي: ..................................................
الهدف الأساسي يا ابنتي هو السكن (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
والسكن يعني مجموعة من الأشياء التي تجعله يسكن ويهدأ ويأوي إلى هذه الزوجة، وهذا لن يحدث إلا إذا شعر أنه تزوج أنثى حقيقية تستطيع إشباعه.. جميلة إذا نظر إليها.. رقيقة إذا استمع لها.. مطيعة إذا طلب منها.. هادئة وقت غضبه.. لطيفة في مجلسها.. مرحة (فرفوشة) رغم أنف الضغوط.. تحمل نظرة إيجابية للحياة.. تقدره وتمتدحه وتذكره بالخير.. داعمة وقت الحاجة.
مدللة أم مدبرة؟
عودة لسؤالك -ابنتي الكريمة- وبتنزيله على ما يحتاجه الرجل سنجد أنه بحاجة لإشباع الأساسيات والفروض أولا ثم تأتي الكماليات والنوافل، بمعنى أنه يريد أنثى جميلة تجيد الاهتمام بنفسها رقيقة في تعاملاتها تشبع احتياجه الأساسي والملح للعفاف، هذا احتياج أساسي يشترك فيه جميع الرجال، فإذا لم يتم إشباعه بطريقة جيدة جدًّا ولكن تم دعمه ماليًّا بشكل يزيل عنه أي ضغط وتدبير شئون منزله على أكمل وجه وبر عائلته و.. و.. فتكون المرأة كمن استيقظ طيلة الليل يصلي القيام حتى بلغ به التعب مبلغه فنام ولم يصلِ فريضة الفجر.
فالزوج يشكر هذا كله ولكن حاجته الأساسية لم تشبع فيبدأ في التفكير في الزواج الثاني، وهنا نجد الزوجة في حالة من الصدمة، فكيف بعد كل ما بذلت وضحيت وأعطيت وصبرت يفكر على هذا النحو الأناني المستغل؟! وتبدأ دائرة النقد الشرس للرجال الذين لا يقنعون، والرجال الذين يحبون المرأة التي ترهقهم بالمصروفات العالية حتى لا يلتفت لغيرها، والأمر في حقيقته ليس كذلك، هو لا يبحث عمن تنفق وتطلب ولا يزهد فيمن تعطي وتصبر، هو يبحث عمن يجد لديها الإشباع والراحة حتى لو كانت تتدلل وتطلب، فهو يستطيع تحمل ضغوط العمل لكنه لا يستطيع تحمل هذه الحاجات العاطفية والجسدية غير المشبعة.
أما من تعطي وتمنح وتصبر لكنه لا يجد عندها هذا الإشباع فهو يحترمها ويقدرها، لكن من الوارد جدًّا أن يبحث عن غيرها.. والمسألة بالتأكيد ليست حدية.. ليست أبيض أو أسود فالاهتمام والإشباع درجات، فهناك من يعاني من إهمال بسيط يتحمله مقابل ما يلقاه من دعم واحتواء، وهناك من يعاني من إهمال شديد وعنيف لا تستقيم معه الحياة وبينهما درجات متفاوتة تفاوت البشر في الاهتمام وتفاوتهم في الاحتياجات.
خداع نفسي
نجد زوجة تقول إنها رغم عملها ومشاركتها في ميزانية العائلة واهتمامها الفائق بالبيت لا تقصر في حقوق الزوج، وتعني بذلك أنها لا ترفض العلاقة الحميمة أو أنها تضع بعض مستحضرات التجميل على وجهها ورغم ذلك ذهب يبحث عن أخرى، وقبل أن نسارع باتهامه بأنه رجل لا يرضى أقول لك إنها بالفعل تقوم بالسلوكيات الصحيحة وأنها شرعًا غير آثمة، لكنها في حقيقة الأمر تقوم بهذه الأشياء بفلسفة تشبه فلسفة الواجب عند كانط، إنها تفتقد روح الأنوثة الحقيقية أو ما يطلق عليه الطاقة الأنثوية، وهي أشياء غير محسوسة لكن أثرها لا يمكن تجاهله.
أنا لا أحكم عليها ولا أضعها في قفص الاتهام، أنا فقط أقدم محاولة للتفسير حتى تفهمي حقيقة ما يحدث؛ لأن ما تقرئينه على جروبات النساء من قصص في غالبه لا يتسم بالموضوعية.. ينقصه بعض التفاصيل.. فيه بعض الفجوات.
قريبًا حدثتني زوجة شديدة الجمال تشكو لي زوجها الذي تزوج عليها امرأة أقل منها بكثير على كافة المستويات اجتماعيًّا وثقافيًّا، وحتى على مستوى الشكل تزوج امرأة عادية جدًّا يراها الناس أقل من المتوسط ولديها عيوب جسدية واضحة.. بينما هي سيدة فائقة الجمال ذات قوام مثالي.. المشكلة أنه لا يعدل بينهما ويميل للزوجة الجديدة التي لا تعمل والتي تطلب منه الكثير من الطلبات.
وتساءلت الزوجة الأولى هل المشكلة أنني أعمل وأتحمل مصاريفي وأساعده ويراني الناس جميعًا امرأة قوية ناجحة؟
والحقيقة أن هذا لون من الخداع النفسي تقع فيه كثير من النساء لأنها لا تستطيع مواجهة الحقيقة، فالسيدة التي حدثتني مثلاً لم تفكر أن السبب أنها امرأة مضغوطة تعمل أكثر من 12 ساعة (هي ترى ذلك نجاحًا مهنيًّا) لم تفكر أنها حادة الطباع تتعامل معه بعصبية شديدة.. لم تفكر أنها دائمًا تشعره أنه أقل منها لأنه يحصل على دخل أقل منها وأنها تمتن عليه بمساعدته أحيانًا.. لم تفكر أنها شخصية تميل للاكتئاب ولديها نظرة أبعد ما تكون عن التفاؤل في الحياة، باختصار لديها نقص حاد في طاقة الأنوثة رغم جمال الصورة الظاهرية.
الخلاصة
ابنتي الكريمة، إجابتي عن سؤالك باختصار لأنك أنت الوحيدة التي تستطيع تنزيل ذلك على تفاصيل حياتها:
* اهتمامك بنفسك نفسيًّا وصحيًّا وجسديًّا واهتمامك بمظهرك وجمالك واهتمامك برفع طاقتك الأنثوية هو مفتاح النجاح في حياتك الزوجية، وأي نشاط أو عمل يحول دون ذلك أو يقلل منه يمثل علامة خطر بقدر تهديده لك.
* كونك امرأة عاملة لا يعني أن تكوني امرأة مضغوطة، حاولي إدارة وقتك وحياتك واجعلي بيتك وزوجك أولوية، وإياك والعمل الشاق بحجة تلبية احتياجات البيت والأسرة (إلا في أحوال استثنائية جدًّا كحالة عجز الزوج مثلاً).
* إذا كان زوجك لا يحتاج راتبك فاحتفظي به لنفسك فهو ذمتك المالية الخاصة.. تصدقي وادخري ودللي نفسك وقدمي له بين الحين والآخر هدايا رمزية، فليس مطلوبًا من المرأة أن تقدم هدايا ثمينة.
* إذا كان زوجك بحاجة لراتبك سواء لأنه فقير أو لأن أموره المادية على المحك فساعديه وادعميه، وتذكري كيف النبي ﷺ يذكر للسيدة خديجة أنها واسته بمالها، واحتسبي ما تنفقين كصدقة لك.. المهم ألا تخدعك هذه المساعدة المادية التي هي نافلة عن واجبك الأساسي نحوه الذي هو فريضة.
* إذا قدمت لزوجك مساعدة مادية بطيب نفس وفي حدود قدراتك، فإياك والمن والأذى فهذا يجرح رجولته بطريقة لا يمكنك تصورها.
* ليس معنى أن الظروف المادية محدودة ألا تطلبي وألا تتدللي على زوجك، لكن فقط راعي أحواله فلا تطلبي ما يعجزه ويشعره بالتقصير وفي الوقت ذاته لا تتجاهلي احتياجاتك وتشعريه أنك تستحقين الأقل.. معادلة حساسة بحاجة للذكاء الأنثوي حتى يتم التعامل معها بحكمة.
ابنتي الغالية، كوني مدللة وكوني مدبرة معًا وفي وحدة واحدة، وتوكلي على الله دائمًا واسأليه أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك.. أسعد الله قلبك وأصلح أحوالك، وتابعيني بأخبارك دائمًا.
روابط ذات صلة:
أوقفت حياتي للجميع.. فأين أنا منهم؟