فقدت طعم الحياة بفقدان جدي!!

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته</p> <p>أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عامًا، أود أن أستشير حضرتكِ في أمر يؤرقني منذ سنوات. فقد كنتُ متعلّقة بجدّي من جهة أمي تعلقًا شديدًا؛ إذ تولّى تربيتي منذ أن كنت طفلة صغيرة بعد وفاة والدتي، وكان نعمَ الأب والصديق والقدوة. كان حنونًا عليَّ بشكل يفوق الوصف، يرافقني في كل خطوة، ويهتم بدراستي وتفاصيل حياتي، حتى إنني كنتُ أشعر أنه عالمي الآمن<span dir="LTR">.</span></p> <p>عندما التحقتُ بالجامعة في عامي الأول، توفي جدّي فجأة، ومنذ ذلك اليوم وأنا أشعر بمرارة العيش بدونه. رغم أنني تخرّجت من الجامعة، إلا أنّ حياتي لم تعد كما كانت؛ أشعر وكأنني هرمتُ باكرًا، وأنني فقدتُ طعم الفرح. أعيش في حالة من الحزن العميق والفراغ العاطفي، وكأنّ الزمن توقّف بي عند يوم وفاته<span dir="LTR">.</span></p> <p>سؤالي هو: كيف أتعافى من هذا الشعور العميق بالفقدان؟ وكيف أستعيد قدرتي على الحياة والأمل بعد رحيل إنسان كان يمثل لي كل شيء؟</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ابنتي العزيزة،

 

أتفهم مشاعركِ تمامًا، وأقدّر عمق الألم الذي عشتهِ بفقدان جدٍّ كان لكِ بمثابة الأب والمربّي والصديق.

 

إن الارتباط العاطفي العميق الذي نشأ بينك وبينه أمر طبيعي جدًّا، بل هو انعكاس لاحتياجاتك النفسية والاجتماعية التي أشبعها بحنانه ورعايته، رحمة الله عليه.

 

الفقدان غير المعالج

 

أحب أن أوضّح لكِ أن الحزن الذي تشعرين به بعد سنوات من رحيله هو جزء من ما يُعرف في علم النفس التربوي الأسري بعملية الفقدان غير المعالج (Unresolved Grief)، حيث يتوقف الإنسان عند لحظة الصدمة ولا يُكمل مراحل التكيف مع الواقع الجديد. وهذا ما يفسر شعوركِ بأنك هرمتِ أو عجزتِ عن الاستمتاع بالحياة؛ لأنه ببساطة لم تكتمل لديكِ دورة التقبل والاندماج من جديد في مسار الحياة.

 

ديننا الحنيف، يا بنيتي، علّمنا أن الموت حق، وأن الفقدان جزء من سُنّة الله في خلقه، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾.. وقال سبحانه: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.. وحتما نحن إلى الله راجعون.. وهذه الآيات تُرسّخ مفهوم "التقبل الإيماني"،  وهو من أهم عوامل التكيف النفسي التي تعين الفرد على تجاوز الحزن.

 

دعيني حبيبتي أذكّركِ أن جدكِ –رحمه الله– لم يكن يريد لكِ أن تعيشي أسيرة للحزن، بل أن تكملي طريقكِ بما زرعه فيكِ من القيم، وكأن رسالته التربوية ما زالت مستمرة من خلالكِ. هذا يُسمى في علم النفس التربوي الاستمرارية الرمزية (Symbolic Continuity)؛ أي أن نستبقي أثر الأحبة الراحلين في حياتنا عبر القيم التي تركوها، لا عبر الجمود في الحزن عليهم.

 

استعادة العافية

 

ابنتي الكريمة، لتستعيدي عافيتكِ النفسية، أوصيكِ بخطوات عملية:

 

1- إعادة البناء النفسي: خصّصي وقتًا لتكتبي ذكرياتكِ معه في دفتر خاص، ليس لتغذي الحزن، بل لتُفرغي ما بداخلكِ وتحولي هذه الذكريات إلى مصدر إلهام وقوة فتستلهمي من مواقفه الرائعة دعمًا وتربية أكثر لك..

 

2- تنمية الدعم الاجتماعي (Social Support): لا تعيشي معزولة في مشاعركِ، بل شاركي قصتك مع صديقة أمينة أو أخصائية نفسية؛ فالتعبير عن المشاعر جزء من عملية الشفاء.

 

3- إدارة المشاعر (Emotion Regulation) بإيجابية: اعلمي أن الحزن طاقة تحتاج إلى توجيه؛ مارسي أنشطة نافعة، تطوعًا أو هوايات، تتيح لكِ إعادة توظيف هذه الطاقة بشكل إيجابي.

 

4- الاستثمار في الدعم الروحي: اجعلي لجدك نصيبًا دائمًا من الدعاء والصدقة الجارية، واجعلى لنفسك وردًا من القرآن الكريم مع أداء العبادات والاستزادة من النوافل، فهذا يقربك من الله تعالى، ويربطكِ بذكرى جدك بروحٍ متجددة، ويعطيكِ شعورًا بالطمأنينة والسلام النفسي، وهو أساس الصحة النفسية الإيجابية.

 

5- إعادة صياغة الهوية مع امتداد الرسالة الإيجابية: بمعنى أنه من الجيد أن تتذكّري أنكِ لم تفقدي حياتكِ بموته، بل لديكِ أدوار جديدة ورسالة خاصة بكِ، وقد آن الأوان لتنتقلي من كونكِ "الحفيدة التي فقدت جدها" إلى "الإنسانة التي تحمل رسالته وتضيف عليها".

 

 * وهمسة أخيرة:

 

ابنتي الحبيبة، لا تسمحي للحزن أن يحجب عنكِ نور الحياة.

 

كوني على يقين أن مشاعركِ طبيعية، وأنكِ قادرة –بإذن الله تعالى– على التحول من حالة الحزن المُقعِد والمجزع، إلى حالة النضج العاطفي، حيث يصبح الفقد جزءًا من نضجكِ، لا عقبة أمام حياتكِ.

 

روابط ذات صلة:

كرهت الدنيا بعد وفاة توأمي!!!

أعاني بعد فقد أولادي من الصبر المُر وكلام الناس الأَمَرّ