كرهت الدنيا بعد وفاة توأمي!!!

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،</p> <p>أنا شاب أبلغ من العمر ٢٤ عامًا، كنتُ أعيش مع أخي التوأم حياةً مليئة بالحب والمساندة، كنا نتشارك كل شيء منذ طفولتنا وحتى شبابنا؛ نفس المدرسة، نفس الأصدقاء، نفس الاهتمامات. قبل ثلاث سنوات توفّي أخي التوأم فجأة، ومنذ ذلك اليوم أشعر أن حياتي توقفت. فقدتُ طعْم الدنيا وكرهتُ كل شيء حولي، حتى نفسي.</p> <p>لم أعد أستطيع الاستمتاع بما كنتُ أحبه، ولا التواصل مع الناس كما كنت. أشعر بفراغ هائل في قلبي لا يملؤه أحد، وأحيانًا أشعر أني أعيش بلا معنى أو هدف، وأن الحياة بعده بلا قيمة. أحاول أن أبدو قويًّا أمام أهلي وأصدقائي، لكن بداخلي ألم كبير، وحنين لا ينتهي، ورفض للحياة كما هي الآن<span dir="LTR">.</span></p> <p>صرتُ سريع الغضب، قليل الصبر، أتهرب من المناسبات الاجتماعية، وأحيانًا أشعر بالكآبة الشديدة وأفكّر أنني لن أستطيع أن أكمل حياتي هكذا. هل ما أشعر به طبيعي بعد فقد أخي التوأم؟ وهل هذه مشاعر حزن أم اكتئاب؟ وكيف أستطيع أن أعيش من دونه؟ وهل هناك خطوات أو برامج تساعدني على التعافي من هذا الألم والعودة للحياة بشكل صحي؟</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

ابنى الحبيب، رحم الله أخاك التوأم رحمةً واسعة، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وربط على قلبك بالصبر والسكينة.

 

أزمة التوافق مع الفقد

 

أول ما أود أن أقوله لك: إن حزنك عميق ومفهوم جدًّا، فما بين التوائم من ارتباط يفوق الوصف، وقد أشار علماء النفس إلى أن التوأم يعيش حالة من الارتباط الوجداني العميق (Deep Emotional Bonding)  منذ الميلاد، وهذا يجعل الفقد أكثر قسوة وأشد أثرًا.

 

لكن يا بني، هناك فرق دقيق بين الحزن الطبيعي الذي هو استجابة فطرية للفقد، وبين الحزن المعقّد أو المستمر، الذي يستمر لسنوات ويؤثر سلبًا على الوظائف اليومية وعلى الرغبة في الحياة.

 

ما تصفه من كره للدنيا، فقدان المعنى، والعزوف عن العلاقات الاجتماعية، يدخل فى دائرة ما يسميه علماء النفس أزمة التوافق مع الفقد (Adjustment Disorder with Bereavement).

 

وأحب أن أوضح لك بعض النقاط:

 

1- الحزن سنة كونية: وحتى لا تكون بدون جزع، فقال الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.. فالبكاء والحنين والفقد كلها مشاعر إنسانية مشروعة لا تتنافى مع الصبر، وقد بكى النبي ﷺ عند موت ابنه إبراهيم وقال: «إِنَّ الْعَيْنَ لتَدْمَعُ وَإِنَّ الْقَلْبَ ليَحْزَنُ، وإنا علي فراقم يا إبراهيم لمحزونون، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا».

 

2- هناك مؤشر على الحاجة إلى الدعم: استمرار حزنك لثلاث سنوات دون أن تهدأ المشاعر أو يعود الاتزان النفسي يشير إلى أنك تحتاج إلى إعادة بناء المعنى (Meaning Reconstruction)، أي أن تعيد صياغة حياتك وأهدافك مع قبول غياب أخيك، لا أن تتوقف حياتك عند فقده.

 

خطوات للتعافي

 

* وإليك خطوات عملية للتعافي بإذن الله تعالى:

 

- التعبير عن المشاعر (Emotional Expression): لا تكبت دموعك ولا غضبك، بل اكتب عن أخيك، تحدّث عنه مع من تثق، واسمح لنفسك أن تُخرج مشاعرك.

 

- الدعم الاجتماعي (Social Support): شارك مشاعرك مع العائلة أو صديق مقرّب، فالانطواء يزيد الألم.

 

- الأنشطة الخيرية: اجعل لأخيك عملًا خيريًّا أو صدقة جارية، فهذا يظهر ارتباطك به بما تقدمه له من حسنات ورحمة بعد انقطاع عمله من الدنيا، بدل الكبت والألم فقط.. يقول ﷺ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». فأخوك انتقل إلى رحمة الله، وأفضل ما تهديه له هو الدعاء والعمل الصالح.

 

- ومن الضروري جدًّا إعادة الانخراط فى الحياة: ضع لنفسك أهدافًا صغيرة تعيد لك الشعور بالإنجاز والجدوى. ابحث عن عمل في تخصصك ومجالك وانهمك فيه بإتقان وشارك مجتمعه.

 

- طلب المساعدة المتخصصة: إن استمر الوضع لعدة شهور أخرى، فوجب الاستعانة باستشاري نفسي، فقد يساعدك على تجاوز هذه المرحلة .

 

* وهناك أيضًا علامات للتقدّم نحو الشفاء.. فستدرك أنك بدأت تتعافى حين تستطيع أن تتذكر أخاك بحب وامتنان أكثر من الألم، وحين تستطيع أن تبني أهدافك المستقبلية وتواصل حياتك مع الاحتفاظ بذكراه في قلبك.

 

 * همسة أخيرة:

 

يا بني، لا تنظر إلى نفسك وكأنك "ضعيف" أو "مريض"، بل أنت إنسان فقد نصف روحه تقريبًا، وهذا يحتاج وقتًا وصبرًا وإرادة. واعلم أن التعافي رحلة وليست لحظة، تبدأ بخطوة صغيرة نحو الله، وخطوة أخرى نحو نفسك، وثالثة نحو الناس من حولك.

 

أسأل الله أن يعوّض قلبك طمأنينة، وأن يجمعك بأخيك في الفردوس الأعلى، حيث لا فراق بعده.

 

روابط ذات صلة:

أعاني بعد فقد أولادي من الصبر المُر وكلام الناس الأَمَرّ

أُم مكلومة.. كيف يكون حوار الداعية بلسمًا لجراحها؟