لماذا هذا الحزن على "أبو عبيدة"؟

<p>لماذا أحدث خبر استشهاد المتحدث الإعلامي للمقاومة أبو عبيدة هذه الحالة من الحزن داخل الشارع الإسلامي؟ هل استطاع أبو عبيدة الوصول بمشروع المقاومة إلى وجدان الناس؟ وهل يحتاج مشروع المقاومة إلى الإعلام والفن لإيصال رسالته وقضيته ومظالمه للناس؟</p>

أخي الكريم، لا شك أن هناك حالة من الحزن تعم الشارع الإسلامي عقب الإعلان عن استشهاد "أبو عبيدة" الناطق العسكري لكتائب القسام، والذي كانت الجماهير المسلمة تنتظر سماع صوته ومشاهدته وهو يزف لها أنباء عمليات المقاومة، والإصرار على إكمال الطريق الصعب، فقد كان دومًا يبشر بالصمود والنصر.

 

إعلام المقاومة

 

لــــكن لهذا الحزن العميق في الشارع وجه آخر يجب الانتباه إليه، وهو أن إعلام المقاومة نجح في تبليغ رسالته للناس، ونجح أن يكون لسانًا صادقًا لمشروع المقاومة، رغم بساطة الأداء، وغياب أية حملات إعلامية مخططة، وغياب الخبراء الإعلاميين والنفسيين الذين يرسمون معالم تلك الحملات، وهذا ما ينبغي الانتباه إليه.

 

وقد أثارت عملية الاغتيال التي تعرض لها النطاق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" ضرورة الترابط بين الإعلام ومشروع المقاومة، وأن تكون هناك علاقة وثيقة بين الكلمة والبندقية، فلا نجاح وفعالية لمشروع المقاومة بدون إعلام يفصح عن غاياتها، ويفضح أهداف عدوها وفظائعه التي يرتكبها؛ لأنه إذا خفتت قوة الكلمة، فإن دوي الرصاص يكون ضجيجًا، ما لم يسانده إعلام يكون لسانه وترجمانه.

 

جاء في السيرة النبوية، أن المشركين عندما قاموا بهجاء النبي ﷺ، والإسلام والمسلمين، انبرى الشاعر "حسان بن ثابت" يرد على هجائهم، وفي السيرة النبوية، أن النبي ﷺ طلب من شعراء المسلمين أن يهجوا قريشًا وقال: "اهجوا قريشًا فإنه أشد عليها من رشق بالنبل"، فانبرى عدد من الشعراء لذلك، لكنهم لم يصلوا في الهجاء مبلغًا بعيدًا.

 

فلما دخل حسان بن ثابت قال: "قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه"، ثم أخرج حسان لسانه فجعل يحركه، وقال: "والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم"، أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.

 

 فقال رسول الله ﷺ: "لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبًا حتى يلخص لك نسبي"، فأتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله ﷺ: "والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين". فقال له ﷺ: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله".

 

وهناك مثال آخر على قوة الفن في دعم مشروع المقاومة، نجده في فيلم "جميلة بوحيرد" عام 1958 والذي جاء في قمة عنفوان الثورة الجزائرية، وقمة العنف الاستعماري الفرنسي ضد المقاومة، استطاع الفيلم إيصال صوت المقاومة للعالم، فكانت المظاهرات المنددة بالوحشية الفرنسية تخرج عقب مشاهدته لدعم المقاومة الجزائرية ورفض الاستعمار الفرنسي، حتى إن الفيلسوف الفرنسي "جون بول سارتر" قال عقب مشاهدته: "الفيلم جسد أمامي حجم الجُرم الذي ارتكبناه في حق الإنسانية.. إن هذه الممثلة الصغيرة الكبيرة أسقطت مِني الدموع وأنستني جنسيتي".

 

وهكذا فعل أبو عبيدة في الجماهير فقد استطاع أن يجسد حجم الصمود بكلماته القوية البسيطة الواضحة، وأن يبث روح التحدي في الأمة المسلمة، وأن يكشف عن إصرار المقاومة على إكمال طريقها.

 

تحيز وسائل الإعلام الغربي

 

والحقيقة أن تحيز وسائل الإعلام الغربي يعطي صورة مغايرة عن مشروع المقاومة أهدافًا واستراتيجيات وعمليات، ففيما يتعلق بغزة تشير أبحاث إعلامية إلى أن تحيز كثير من وسائل الإعلام الأمريكية إلى جانب الكيان الصهيوني فيما يرتكبه من فظائع وإبادة في غزة، أدى إلى انخفاض ثقة المواطن الأمريكي في تلك الوسائل بشكل مذهل، وهذا ما أكدته دراسة للباحثة "سارة فيشر" نشرت في أكتوبر 2024م من أن الثقة في وسائل الإعلام الأمريكية وصلت إلى أدنى مستوى في تاريخها.

 

هذا التراجع في الثقة في مصداقية الإعلام الأمريكي شجع على البحث في العبء الذي تشكله إسرائيل على الاقتصاد الأمريكي، حيث ذكرت التقارير أن إسرائيل تلقت أكثر من (300) مليار دولار من المساعدات الأمريكية، معظمها توجه إلى الجيش الإسرائيلي، وأنه منذ أحداث طوفان الأقصى في 7/10/2023م تلقت إسرائيل أكثر من (22) مليار دولار كمسعدات عسكرية.

 

ما يعنينا في التقارير السابقة هو أن قدرة الإعلام الغربي المتحيز لإسرائيل أصبحت غير قادرة على طمس الفظائع التي تجري في غزة، وأن الصورة التي تُنقل من غزة خاطبت الضمير الإنساني مباشرة بدون وسيط من هذا الإعلام الغربي المتحيز.

 

وفي ظل تلك الحالة البائسة، والفشل الإعلامي للكيان الصهيوني في ترويج دوافعه ومبرراته لما يرتكبه من جرائم في غزة، كان "أبو عبيدة" بصوته القوي المفعم بالأمل، يطل علينا بوجهه الملثم ليبث الأمل في النصر، ويؤكد قدرة المقاومة على تجاوز المحنة، وقدرتها على توجيه ضربات موجعة للعدو الصهيوني.

 

وقد اكتسبت كلمات "أبو عبيدة" القوة والمصداقية لأنها كانت مقرونة بالحقائق والوقائع والصورة التي لا تكذب، وبالشجاعة النادرة لأبناء المقاومة.

 

تشير دراسات غربية إلى أن الإعلام الغربي المتحيز لإسرائيل، كان يناضل من أجل تبرئة إسرائيل من الإبادة الجماعية في غزة، والحيلولة دون صكها بلقب الجاني، والزعم بأن الفلسطينيين لا تقتلهم آلة الحرب الإسرائيلية، وكأن الفلسطينيين يموتون نتيجة حرائق وحوادث طبيعية وقدرية.. لكن هذا الزيف لم يؤدِ وظيفته..

 

وهنا جاء أبو عبيدة ليبعث رسالة مختلفة إلى العالم، في إثبات الاتهامات بالإبادة الجماعية للكيان الصهيوني، ومن ناحية أخرى لم يعزف "أبو عبيدة" على وتر "الضحية الفلسطينية" التي تذبح بلا ثمن، ولكن عزف على وتر جديد هو وتر "البطولة والفداء والصمود"، ولعل هذا ما جعل الحزن على "أبو عبيدة" كبيرًا.