<p>كيف نُعد أبناءنا الذكور لمرحلة البلوغ؟</p>
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أيام قليلة تحدثتُ عن موضوع مرحلة البلوغ في استشارة خاصة، ولأن الأسئلة حوله كثرت من الآباء والأمهات، أحببت أن أفرده اليوم بشرح مبسط ووافٍ، لكونه مرحلة حساسة ومفصلية في حياة أبنائنا، تحتاج منا إلى استعداد مبكر وتوجيه حكيم.
أهمية التهيئة النفسية المبكرة
مرحلة البلوغ ليست حدثًا مفاجئًا، بل هي انتقال طبيعي في النمو النفسي والانفعالي (Psychological and Emotional Development) والنمو الجسدي (Physical Growth). هنا تتشكل الهوية الذكورية (Gender Identity) ويزداد وعي الابن بجسده وانفعالاته.
لذلك من المهم أن نبدأ بالحديث مع الابن قبل ظهور العلامات الجسدية، ليشعر بالأمان ولا يفاجأ بالتغيرات.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾.. وهذه الآية الكريمة تؤكد ضرورة التربية على العفة والوعي منذ وقت مبكر.
- والدور الأكبر هنا غالبًا ما يقع على الأب.. فعليه أن يشرح لابنه بلطف ما سيحدث من تغيرات مثل: خشونة الصوت، نمو الشعر في أماكن مختلفة، وزيادة الطول والكتلة العضلية، إضافة إلى الاحتلام.
أما الأم فيكون دورها داعمًا، مع ترك التفاصيل الخاصة بالأبناء الذكور للأب غالبًا، حال الوجود الفعال للأب في حياتهم الأسرية، حفاظًا على التوازن النفسي الأسري.
ويجب ربط هذه التغيرات بسنّة الله في خلقه، وأنها دليل على النضج والاستعداد لتحمل المسؤولية.
نأتي معكم للنقطة المحورية الأهم في هذا الأمر، ألا وهي "النظافة الشخصية والاعتناء بالجسد" والتي ينبغي التركيز عليها مبكرًا:
- تعليم الابن الاغتسال الصحيح عند الجنابة، مستدلين بحديث النبي ﷺ: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا".
- كذلك الاهتمام الدوري بالاستحمام، واستخدام مزيلات العرق الآمنة، والعناية بنظافة الأسنان.
- تشجيع الابن على تغيير الملابس الداخلية يوميًّا.
- وكذلك شرح أهمية قص الأظافر وحلق العانة وتحت الإبط بانتظام، اقتداءً بالسنة النبوية.
- مع التوعية بعدم مشاركة الأدوات الشخصية مع الآخرين.
كل هذا يدخل ضمن Self-care Skills أي مهارات الاعتناء بالذات، والتي تُعتبر جزءًا أساسيًّا من التربية الاستقلالية.
* وهناك أمر مهم يجب أن أحدثكم عنه، وهو الخاص بالتغيرات الانفعالية والتعامل مع المشاعر في هذه المرحلة:
حيث يكثر القلق والارتباك، وأحيانًا الميل للعزلة أو التوتر. هنا يحتاج الابن إلى حوار مفتوح، يُسمع فيه صوته بلا سخرية ولا تخويف.
كما أن التدريب على Emotional Regulation أو (تنظيم الانفعالات) يساعده على التحكم في مشاعره والتعبير عنها بطريقة صحية. ونؤكد له دومًا على معنى حديث رسول الله ﷺ: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
* وهنا يتبلور الدور التربوي للأب والأم:
- الأب: هو القدوة العملية في النظافة، السلوك المنضبط، وغرس الرجولة بمعناها القيمي (المسؤولية، الصدق، القوة المقترنة بالرحمة).
- الأم: هي الحاضنة العاطفية، تمنحه الطمأنينة، وتشجعه على الحوار والفضفضة.
هذا التوازن بين الوالدين يعزز Secure Attachment الارتباط الآمن الذي يمنع الانحرافات أو الانجراف وراء مصادر خارجية مضللة.
نصائح عملية
والآن أهدي إليكم نصائح عملية للأسرة:
1- بدء الحوار مع الابن قبل عامه 11 أو 12، بلغة تناسب عمره.
2- تجنب أسلوب الترهيب أو إشعاره بالذنب تجاه جسده.
3- تعزيز مفهوم الحياء باعتباره فضيلة، وليس خجلًا مَرضيًا يعيقه عن الفهم.
4- تنظيم وقته بين الدراسة، الرياضة، والهوايات؛ لأن النشاط البدني يخفف من التوتر الهرموني.
5- تربية الابن على مراقبة الله عز وجل، كما علمنا الحبيب محمد ﷺ: "اعبُدِ اللهَ كأنَّك تراه، فإنْ لم تكُنْ تراه فإنَّه يراك"؛ فالتربية الإيمانية هي الحصن الحقيقي.
* همسة أخيرة لجميع الأباء والأمهات:
إعداد الأبناء لمرحلة البلوغ ليس ترفًا تربويًا، بل واجب شرعي ونفسي وأسري.
الحوار الصادق، التوجيه العملي في النظافة، والدعم العاطفي؛ كل ذلك يجعل الابن يعبر هذه المرحلة بسلام، ويشعر أن والديه سندٌ له لا قيدٌ عليه.
قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا … على ما كان عوَّده أبوه
فليكن تعويدكم لهم بالرفق، بالحكمة، وبالعلم الصحيح. ولا تنسوا الدعاء لهم بالهداية والبركة وصلاح الأحوال.
أسأل الله تعالى أن أكون كفيت ووفيت وأفادت حضراتكم فيما يخص إعداد أبنائكم الذكور (بارك الله لكم فيهم) لمرحلة البلوغ. وأسألكم الدعاء لي ولأبنائي بالخير.