كيف أُوفِّق بين بيتي وعملي ودعوتي؟

<p>أنا امرأة عاملة، متزوجة، ولي أولاد، وأعمل في وظيفة يختلط فيها الرجال بالنساء. أحيانًا أشعر أنني مضغوطة بين مسؤولياتي الأسرية من زوج وأولاد وبيت، وبين عملي الذي يستهلك وقتي وجهدي، ثم أشعر بتقصير في جانب الدعوة إلى الله سواء مع زميلاتي أو حتى مع أولادي.</p> <p>أتساءل كثيرًا: كيف أوفّق بين كل هذه المسؤوليات؟ وهل يمكن أن أكون زوجة صالحة، وأُمًّا حاضنة، وموظفة ناجحة، وفي الوقت نفسه داعية لله؟ أرجو أن توجهوني إلى الطريق الصحيح.</p>

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فمرحبا بكِ أختي السائلة على صفحات موقعنا، وأسأل الله أن يبارك فيكِ وفي حرصكِ على السؤال، فإن مجرد إحساسكِ بالمسؤولية وطلبكِ للتوجيه دليل حياة قلبكِ ويقظة ضميركِ، وهذا بحد ذاته علامة خير.

 

أختي الكريمة، لا يخفى أن المرأة المسلمة مكلَّفة برسالة عظيمة: فهي زوجة، وأُم، وبنت، وعاملة، وهي كذلك داعية إلى الله بقولها وعملها وسمتها. وهذه التكاليف قد تتزاحم على قلبكِ، لكن الشرع الحنيف وضع ميزانًا عادلاً يريح قلبكِ إذا التزمتِ به، ومن هنا إليك الآتي:

 

بيتكِ هو أولوية دعوتكِ

 

إنّ الأسرة هي ميدانكِ الأول، وزوجكِ وأولادكِ أمانة في عنقكِ. قال الله تعالى: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ﴾ وقد قال النبي ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهلِه وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتِ زوجها ومسؤولة عن رعيتها»؛ فأولادكِ وزوجكِ أمانة، وهم جمهوركِ الأول في الدعوة، فإذا قصّرتِ معهم فلا يغني عنكِ نشاطكِ خارج البيت.

 

لا تعارض بين العمل والدعوة

 

اعلمي -يا غالية- أن عملكِ إذا التزمتِ فيه بالضوابط الشرعية يمكن أن يكون بابًا عظيمًا للدعوة. فأنتِ في مكانكِ سفيرة لدينكِ، ولسان حالكِ يقول: هذا هو الإسلام.. حياء ووقار وكفاءة وإتقان، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ﴾ فالدعوة ليست فقط بالكلمات، بل بالصبر على زميلة، وبالوقار أمام مدير، وبالجدية في الكلام، وبإتقان العمل الذي يراه الناس نموذجًا للمسلمة الملتزمة.

 

 قسِّمي الأوقات ولا تحمّلي نفسك فوق طاقتها

 

يقول الله عز وجل ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ فلا تحمّلي نفسكِ هموماً متراكمة، رتّبي حياتكِ، واجعلي لكل أمرٍ نصيبًا:

 

* فالبيت والأسرة: أولوية أُولى، فهي أصل رسالتكِ.

 

* وفي العمل: التزمي فيه بالجد والوقار.

 

* وأما في الدعوة: فاغتنمي الفرص الصغيرة (كلمة طيبة لولدكِ، تذكير بسيط لصديقتكِ، مشاركة قصيرة بنية الإصلاح).

 

 الدعوة بالقدوة قبل القول

 

أولادكِ يتعلمون من أفعالكِ أكثر من أقوالكِ، وزميلاتكِ يتأثرن بسمتكِ أكثر من محاضراتك، وقد قال النبي ﷺ: «استحيوا من الله حق الحياء»؛ فليكن حياؤكِ ووقاركِ أعظم خطاب دعوي في البيت والعمل.

 

 بعض الخطوات العملية

 

1) ابدئي يومكِ بالنية: اجعلي عملكِ عبادة، وخدمتكِ لبيتكِ قربة.

 

2) قسّمي وقتكِ: ساعة للأسرة، ساعة للعمل، ساعة لنفسكِ، ولا تغفلي عن حق الله.

 

3) ازرعي القيم في بيتكِ: قصة قبل النوم، آية على المائدة، ذكر في الطريق.

 

4) كوني قدوة في عملكِ: الحياء، الجدية، العفة، والإتقان أبلغ دعوة.

 

5) لا تنسي نفسكِ: جددي إيمانكِ بقراءة القرآن، وحافظي على صلاتكِ، واطلبي العلم ولو قليلاً.

 

6) اصبري واحتسبي: فكل جهدكِ في بيتكِ وعملكِ إذا احتسبتِه صار صدقة.

 

أختي الغالية، أبشري، فأنتِ لستِ عاجزة عن الجمع بين هذه الأدوار، بل إذا صدقتِ النية، أعانكِ الله وبارك في وقتكِ وجهدكِ، وندعو الله تعالى: اللهم يا معين المستعينين، أعِن أخواتنا العاملات على أداء رسالتهن في بيوتهن وأعمالهن، وبارك لهنّ في أوقاتهن وأعمارهن، وأصلح أزواجهن وأولادهن، واجعل بيوتهن عامرة بالإيمان، وأعمالهن زينة في الدنيا وذخرًا في الآخرة.