<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،</p> <p>أنا أب لولد وحيد، في السنة الثانية من المرحلة الثانوية، أي في سن المراهقة. لطالما حرصتُ وزوجتي على تربيته تربية صالحة، وغرس محبة الله ورسوله في قلبه، وكنت أعلمه الصلاة منذ الصغر، وكان -ولله الحمد- ملتزمًا بها<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكنني لاحظتُ في الآونة الأخيرة تغيرًا في سلوكه، فقد بدأ يتكاسل عن الصلاة بشكلٍ ملحوظٍ، وخاصةً صلاة الفجر.</p> <p>لقد جربتُ معه أساليب مختلفة، فمرةً أتحدث معه بهدوءٍ ومحبةٍ عن أهمية الصلاة وعن أجرها وعقوبة تركها، ومرة أخرى أُعاتبه وأُرفع صوتي عليه إذا تأخر عن الصلاة أو لم يصلِّها، خاصةً حين يخرج مع أصدقائه أو ينشغل بهاتفه<span dir="LTR">.</span></p> <p>أُدرك أن هذه المرحلة حساسة، وأخشى أن يكون أسلوبي في الضغط عليه أو إظهار غضبي سببًا في نفوره من الدين، فأنا لا أرغب في أن تتحول الصلاة بالنسبة له إلى مجرد أمرٍ يفعله خوفًا مني لا محبةً لله. وفي الوقت نفسه، لا أستطيع أن أُشاهد ابني يترك أمرًا بهذه الخطورة<span dir="LTR">.</span></p> <p>سؤالي لكم: ما هو المنهج الشرعي والتربوي الأنسب في التعامل مع ابني في هذه المرحلة؟</p> <p>وما هي النصائح العملية التي تُساعدني على إعادة ابني إلى الصلاة دون الضغط عليه وإجباره؟</p> <p><span dir="RTL">جزاكم الله خيرًا</span>.</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أيها الأب الفاضل، وأشكر لك ثقتك بنا وأسأل الله أن يبارك لك في ابنك، ويقر عينك بصلاحه، وأن يجعله قرة عين لك ولأمه في الدنيا والآخرة، وبعد...
فإن مرحلة المراهقة هي مرحلة حرجة وفارقة في حياة الإنسان؛ فهي مرحلة التغييرات الجسدية والنفسية، وبداية تكوين الشخصية المستقلة.
ابنك الآن -يا أخي- لم يعد ذلك الطفل الصغير الذي يأخذ كل شيء بالتلقين والأمر؛ بل أصبح شابًّا يكتشف ذاته ويبني عالمه الخاص. وإن سلوكه الذي تلاحظه قد لا يكون تمرُّدًا عليك ولا على تعاليم الدين؛ بل قد يكون تعبيرًا عن صراعات داخلية يمر بها، أو تأثرًا ببعض العوامل الخارجية، وما أكثرها في عصرنا!
لذلك -أخي الحبيب- يجب أن يكون أسلوب التعامل مع هذه المرحلة مزيجًا من الحكمة والرفق، بعيدًا عن أسلوب الضغط والشدة الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
يجب أن يكون هدفك هو أن يُصلي ولدك ويلتزم بالصلاة حبًّا في الله، وطاعةً له، ورغبة في نيل ثوابه، لا إرضاء لك، ولا خوفًا من عقابك، وهذا لا يتحقق إلا باللين والتوجيه اللطيف والإقناع.
وسائل تحفيز الولد على الصلاة
وإني في السطور التالية أقترح عليك بعض الوسائل التي تساعدك في تحفيز ولدك لإقامة الصلاة والالتزام بها.
1- القدوة الحسنة:
قبل أي نصيحة تقدمها لولدك، يجب أن تكون قدوة له. أن يراك ملتزمًا بإقامة الصلاة في أوقاتها، وبالخشوع المطلوب، وتقدمها على كل ما عداها. إن القدوة الصامتة أبلغ من مئات الكلمات. ورؤيته لك وأنت تقوم من نومك لتصلي الفجر في وقته مهما كنت متعبًا، وتترك ما في يدك عندما تسمع الأذان في بقية الصلوات، ستغرس في قلبه قيمة الصلاة وأهميتها.
2- الرفق واللين:
النبي ﷺ لم يكن في أمره ولا في نهيه فظًّا ولا غليظ القلب؛ بل كان رؤوفًا رحيمًا بأمته، يقول الله عز وجل: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [سورة آل عمران: 159]. إنّ الصوت المرتفع والعتاب القاسي قد يدفع الابن إلى العناد والنفور في هذه السن.
تجنب الأمر واللوم والعتاب المباشر، فبدلاً من أن تقول له: «لماذا لم تُصلِّ؟»، قل له: «ما رأيك أن نصلي معًا؟»، أو: «يمكنك استئناف ما تفعله بعد الصلاة» وهكذا.
3- الحوار والتفاهم:
اقترب منه عاطفيًّا، وافتح معه قنوات للحوار. اجلس معه، تحدَّث معه عن اهتماماته، وشاركه في هواياته. فعندما يشعر بحبك واهتمامك، ستكون نصائحك له أسهل وأسرع في القبول.
حاول أن تفهم عن طريق هذه الحوارات لماذا يتكاسل عن الصلاة، هل بسبب أصدقائه؟ أم بسبب انشغاله بالهاتف؟ أم بسبب ضغط الواجبات الدراسية؟ أم غير ذلك؟
ثم ناقش معه هذه الأسباب، وابحثا معًا عن حلول، ولا تبادر أنت، بل دعه هو يقترح أولًا، ثم أيده فيما يقول إن كان مناسبًا، أو ناقشه إن كان ما اقترحه يحتاج إلى تصويب.
4- أشعره بالحب غير المشروط:
أي أشعره بأنك تحبه بغض النظر عن أي شيء؛ حتى لو أخطأ. وبأن تصويبك لأخطائه، ونصحك له، هو من باب الحب، لا من باب التحكم والسيطرة، وأن عدم رضاك عنه أو ضيقك منه، هو من باب الخوف عليه وعلى علاقته بربه.
5- اربط الصلاة بحياته اليومية:
قل له: «إذا أردت النجاح في دراستك؛ بل في حياتك كلها، فالصلاة هي مفتاح كل خير؛ لأنها تُريح القلب، وتصفِّي الذهن، وتُقوِّي الذاكرة، وتجلب البركة في الوقت، وفوق كل ذلك تستجلب عون الله لك ورعايته إياك». عوِّده أن يضبط برنامجه اليومي على مواقيت الصلاة؛ بحيث تكون هي الثابت، وما عداها هو المتغير. وأن كل شيء يمكن تحريكه تقديمًا وتأخيرًا إلا الصلاة، وهذا طبعًا في الحال الطبيعية، وإن لم يكن هناك أي ظرف شرعي معتبر.
6- علِّمه فقه الصلاة وفلسفتها:
لا تحدِّث ولدك عن الصلاة كفريضة جامدة وواجب عليه أن يؤديه ليتخلص من عبئه! بل اجعلها في عينيه رحلة روحانية ولقاء فريدًا مع الله. علِّمه أن الصلاة ليست مجرد حركات تُؤدى، بل هي ملاذ من صخب الحياة ومحطة للراحة والطمأنينة.
علِّمه فقهها جيدًا، وصحح أداءه لها. اشرح له أن كل ركنٍ فيها له فلسفته ومعناه، من أول الوضوء قبلها وتكبيرة الإحرام في أولها، إلى التسليم في آخرها والأذكار بعدها. ماذا يعني القيام، وعلام يدل الركوع، وعن أي شيء يعبر السجود... إلخ.
اذكر له أن هذه الوقفة بين يدَي الله تعطي الإنسان قوةً وثباتًا، وأن كل ما يطلبه في دعائه خلال الصلاة هو مسموع ومجاب بإذن الله.
7- استثمر الهاتف:
كل المراهقين مرتبطون بهواتفهم، ويربطون حياتهم بها، فلماذا لا نستثمرها استثمارًا إيجابيًّا فيما يفيدهم ويعلمهم. يمكنك -مثلًا- أن ترسل له على هاتفه رسالة لطيفة قبل موعد الصلاة أو بعد الأذان، تذكره بالصلاة، من كلماتك أو بإرسال حديث نبوي عن فضل الصلاة، أو آية قرآنية، أو حتى دعاء.
أيضًا يمكنك استثمار هاتفه في أن تشارك معه محتوىً دينيًّا جذابًا ومؤثرًا، من حين لآخر، مع التنويع، حتى لا يمل ويضجر. وستجد كثيرًا من المقاطع القصيرة المؤثرة على الإنترنت، التي تتحدث عن الصلاة بأسلوب يجذبه ويناسب سنه.
8- أشرِكْ والدته:
تحدَّث مع والدته في شأنه دائمًا، وأشركها معك في تربيته وتوجيهه ونصحه، حتى تتعاونا بعد أن تتفقا على منهج واحد للتعامل معه، تجنُّبا للتناقض والتقاطع بينكما، ما يؤثر عليه بالسلب، والمراهقون أذكياء جدًّا في ملاحظة أي تناقض بين الوالدين واستغلاله للتفلت والتهرب من الواجبات. فاحرصا على أن يكون كلامكما معه موحدًا، وأن يكون هناك تنسيق بينكما في كل ما يخصه.
9- توفير صحبة صالحة:
يقول النبي ﷺ: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل» [رواه أبو داود]. نعم، إن سلوك الأقران حافز قوي، ودافع كبير، ويؤثر بعضهم في بعض بدرجة كبيرة. فحاول أن تقدم لولدك نماذج من الشباب الملتزم ممن في سنه، يجمعون بين التفوق الدراسي والالتزام الديني والخُلُقي، ولديهم اهتمامات مشتركة معه. ادعه للتعرُّف عليهم في مناسبة اجتماعية، أو في نشاط رياضي، أو غير ذلك من الأنشطة المتاحة، في المدرسة أو النادي أو المسجد. لا تفرض عليه صداقتهم فرضًا؛ بل افتح له الأبواب، واجعل لقاءهم طبيعيًّا وعفويًّا.
10- الدعاء:
وهو السلاح الأقوى لديك؛ لأن دعوة الوالد لولده مجابة. فادع له بالهداية والصلاح، واجعل على لسانك دائمًا دعاء إبراهيم -عليه السلام- الذي أثبته الله -عز وجل- في القرآن: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم: 40].
وختامًا، إياك أن تيأس أو تمل، وتتركه على حاله. فطريق التربية شاق ومليء بالتحديات والعقبات؛ لكن هذا واجبك الذي يجب أن تقوم به، والأمانة التي حمَّلك الله إياها ويجب أن تؤديها.
أوصيك بالصبر، والأخذ بالأسباب، وملازمة الدعاء، وأبشر بالخير، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. أسأل الله أن يُعينك ويُسدد خطاك ويُصلح لك ذريتك، وتابعنا بأخبارك.