<p>هل حرم الربا في الإسلام فقط أم أن التحريم كان سابقا عن الإسلام حيث حرم في اليهودية والنصرانية؟ بل امتد حتى يشمل بعض النظم الوضعية؟</p>
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد أجمعت الشرائع السماوية وبعض النظم الوضعية على تحريم الربا؛ لأنه يمثل أبشع صور أكل أموال الناس بالباطل، ولذلك كان من أكبر الكبائر في الإسلام. أما الإسلام فما زالت نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة محفوظة بحفظ الله تعالى، ناطقة بأبلغ العبارات وأوضحها على حرمة الربا. أما الشرائع السماوية السابقة فعلى الرغم من التحريف والعبث الذي لحق بها على أيدي أبنائها فما زالت هناك نصوص تؤكد على تحريم الربا، وكذلك بعض النظم الوضعية القديمة والمعاصرة.
وقد نقل الباحثون عن أرسطو وأفلاطون وغيرهما تجريمهم للفوائد الربوية.
1- في اليهودية:
في العهد القديم نجد ثلاثة مواضع تتعرض لمادة القرض بالربا:
النص الأول ينهى اليهودي عن طلب فائدة القرض النقدي الممنوح إلى أحد أبناء دينه (أي إلى يهودي آخر): (إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك، فلا تكن له كالمرابي، لا تضعوا عليه ربا) (سفر الخروج – الإصحاح الثاني والعشرون – 25).
النص الثاني يتناول موضوع الفائدة بالتحريم مع إضافة بعض النقاط؛ فهو أكثر تفصيلاً: (إذا افتقر أخوك، وقصرت يده عنك؛ فأعضده غريبًا، أو مستوطنًا، فيعش معك، لا تأخذ منه ربًا ولا مرابحة، بل اخش إلهك، فيعش أخوك معك.. فضتك لا تعطها بالربا، وطعامك لا تعط بالمرابحة) (سفر اللاوين – الإصحاح الخامس والعشرون - 35–37).
أما النص الثالث فإنه يعود إلى بحث هذه المسألة بطريقة ذات طابع حقوقي أوضح من السابق: (لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة أو ربا طعام، أو ربا شيء ما مما يقرض بربا، للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا) (سفر التثنية – الإصحاح الثالث والعشرون – 19-20) مصرف التنمية الإسلامي د. رفيق المصري ص 89، 90 بتصرف.
وهذا التخصيص في النص الأخير من تحريف اليهود لكلام الله تعالى؛ لأن الله سبحانه وتعالى عندما حرّم الربا لم يفرق في المعاملة بين الأجنبي وغيره، لكنه من تحريف الكلم عن مواضعه الذي نعاه الله عليهم ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلا﴾ (النساء: 46).
2- في المسيحية:
(إن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم، فأي فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضًا يقرضون الخطاة، لكي يستردوا منهم المثل، بل أحبوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا، وأنتم لا ترجون شيئًا؛ فيكون أجركم عظيمًا) (إنجيل لوقا - الإصحاح السادس – 34-35).
وفي نفس الوقت الذي يعلم فيه المسيح أتباعه أن يقرضوا بتجرد، ينصحهم أيضًا بألا يعرضوا عمن يطلب منهم الاقتراض (من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده) (إنجيل متى - الإصحاح الخامس - 42).
3- في الإسلام:
- أما في الإسلام فالنصوص واضحة وخالدة لا يعتريها التحريف، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278، 279].
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ».
وعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ».
والله تعالى أعلى وأعلم.