أشك أن ابنتي مدخنة.. كيف أتصرف؟!

<p style="direction: rtl;">السلام عليكم يا دكتورة أميمة،</p> <p style="direction: rtl;">اسمحيلي، أنا أب وأحتاج رأيكِ وتوجيهكِ لأنّي حاسس بضياع ومحتار. عندي بنت عمرها ١٦ سنة، تدرس في الثانوي.</p> <p style="direction: rtl;">أنا منفصل عن أمها منذ فترة، وهي تقضي معظم وقتها مع أمها في البيت، وأنا أراها في أيام محددة بالعطلة أو آخر الأسبوع فقط. مؤخرًا عندي شعور قوي أنّها قد تكون مدخنة، ولا أدري كيف أواجه الموضوع وحدي ولا أريد أفسد علاقتي معها أو أغضب أمها بما يؤثر على حقوقي في رؤيتها.</p> <p style="direction: rtl;">تفاصيل الملاحَظات اللي خلتني أشتبه:</p> <p style="direction: rtl;">أحيانًا أشم رائحة دخان خفيفة على هدومها أو على وشاحها لما تزورني، خصوصًا بعد خروجها من البيت.</p> <p style="direction: rtl;">مرة لقيت ولاعة صغيرة داخل جيب جاكيت كانت عندي على الكرسي، ولما سألتها قالت إنها مش بتعرف عنها حاجة.</p> <p style="direction: rtl;">ابنتي صارت أكثر سرية مع الموبايل، وتطفيه لما ندخل عليها، وتخرج في مواعيد متأخرة مع صحبات قالت لي إنهن &quot;مجموعة جديدة&quot;.</p> <p style="direction: rtl;">درجاتها بدأت تنزل شوية في الترم الأخير، وهي أصبحت مُنعَزِلة ولا تشاركنا في كلامنا في البيت.</p> <p style="direction: rtl;">لما حاولت أسألها بطريقة هادية عن التدخين أو الصحبة، اتنرفزت عليا وقالت &quot;مش شغلك&quot; ورجعت غرفتها وقفلّت الباب.</p> <p style="direction: rtl;">محاولاتي السابقة وما صادفتني من تعقيدات:</p> <p style="direction: rtl;">حاولت أتكلم مع أمها عنها، لكنّها خففت الموضوع وقالت &quot;يمكن لان لها صديقات جديدة بس&quot;، وأنا خايف إن فتحت الموضوع بيني وبينها تقلب لنقاشات وخلافات لأننا منفصلين.</p> <p style="direction: rtl;">ما قدرتش أفتح الموضوع بقوة مع البنت خوفًا إني أفقد ثقتها وتنفصل العشرة بيننا.</p> <p style="direction: rtl;">أفكر أن أخبر المدرسة أو أستشير طبيب أو أخصائي، لكني لا أحب أكون مُتهور وأركض وراء أحكام قبل ما أتأكد.</p> <p style="direction: rtl;">مخاوفي الأساسية:</p> <p style="direction: rtl;">صحة بنتي أولًا (التأثيرات الصحية للتدخين)، وخوف من إدمان أو تصاعد السلوك لمخاطر أكبر.</p> <p style="direction: rtl;">فقدان الثقة والعلاقة بيني وبينها لو تصرفت بحزم مبالغ فيه.</p> <p style="direction: rtl;">عدم قدرتي على التنسيق مع أمها بسبب الانفصال.</p> <p style="direction: rtl;">عدم معرفتي كيف أفتح الحوار المناسب مع مراهقة في سن 16 دون أن أدخلها في موقف دفاعي.</p> <p style="direction: rtl;">أسئلتي للمستشارة أميمة:</p> <p style="direction: rtl;">حضرتك، كيف أتعامل مع الشك ده بطريقة تربوية صحيحة؟ إزاي أفتح موضوع التدخين معاها بحيث تسمعني ولا تقفل؟ وهل أشارك أمها أو أتعامل لوحدي؟ وهل أبلغ المدرسة أو أستنى حتى أتأكد؟ وهل فيه خطوات عملية أقدر أبدأ بيها اليوم لحماية صحتها والعلاقة معاها؟</p> <p style="direction: rtl;">أحتاج وصف واضح للموقف وطريقة فتح الحوار، لأنّي حابب أحمي بنتي وأعيد ثقتها فيّ، ومش عايز أكرر أخطاء قد تفصلنا أكثر.</p>

أخي الكريم،

 

أقدر حرصك على ابنتك، ولكن عليك أن تعي بأن المرحلة العمرية التي تمر بها ابنتك ــ المراهقة المتأخرة (Late Adolescence) ــ تُعَد من أكثر المراحل حساسية، حيث يسعى المراهقون فيها إلى اختبار الحدود، وإثبات الذات، واستقلالية القرار، وهي أيضًا فترة تتأثر فيها القرارات بالسياق الاجتماعي والأقران بشكل ملحوظ.

 

أولًا: لا بد من فهم الموقف نفسيًّا وتربويًّا:

 

السلوك المشتبه فيه (مثل وجود ولاعة أو رائحة دخان) قد يكون مؤشرًا، لكنه ليس دليلًا قطعيًّا. وفي علم النفس التربوي الأسري، ننصح بعدم إصدار أحكام مباشرة دون التحقق؛ لأن الحكم المسبق قد يُدخل المراهق في حالة Defensive Resistance أو (مقاومة دفاعية) تزيد من الإغلاق العاطفي.

 

المراهق في مثل هذا العمر يحتاج لوجود "مساحة آمنة" (Safe Space) للحوار، حتى يشعر أنه مسموع ومفهوم، لا مُدان أو مُستجوب.

 

والعلاقة الإيجابية مع الوالدين هي عامل وقاية ضد السلوكيات الخطرة، وهي ما يستحق أن تحافظ عليه قبل أي مواجهة مباشرة.

 

ثانيًا: خطوات عملية لفتح الحوار:

 

1- تهيئة الجو العاطفي..

 

اختر وقتًا هادئًا، بعيدًا عن لحظات الانفعال أو الشكوى.

 

اجلس معها في مكان غير رسمي (مثل أثناء المشي أو قيادة السيارة)؛ فالمحادثات الجانبية تخفف من التوتر.

 

2- استخدام أسلوب الفضول بدل الاتهام:

 

فبدلاً من "أنا متأكد أنك تدخنين"، استخدم "أنا لاحظت كذا وكذا، وحابب أفهم منك".

 

استخدم أيضًا عبارات تبدأ بـ "أنا أشعر"، بدلاً من "أنتِ فعلتِ" لتجنب لغة الاتهام.

 

مثال: "أنا قلقان على صحتك لما أشم ريحة الدخان"، بدل "أنتِ بتدخني".

 

3- كذلك إظهار التعاطف قبل النصيحة:

 

أظهر لها أنك تتفهم الضغوط الاجتماعية والرغبة في التجربة، مع التأكيد على أن محبتك وخوفك عليها هو سبب الحديث.

 

قال رسول الله ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». الرفق يفتح القلوب بينما العنف يغلقها.

 

٤- ولا تغفل التثقيف المشترك:

 

فبدلًا من إلقاء محاضرة، اقترح أن تبحثا معًا عن تأثير التدخين على الصحة، واجعلها هي التي تعرض بعض النتائج. هذا يمنحها إحساسًا بالاختيار.

 

٥- هذا مع الحفاظ على خط مفتوح مع الأم:

 

فرغم صعوبة التواصل بعد الانفصال، فإن (التربية التشاركية) هي الأساس في مثل هذه القضايا. شارك أمها بالمخاوف بأسلوب غير هجومي، واطلب تعاونها فقط لمصلحة البنت، حتى وإن كان التنسيق محدودًا.

 

ثالثًا: بخصوص المدرسة أو الطبيب:

 

لا تتسرع في إبلاغ المدرسة أو أي جهة خارجية قبل التأكد؛ لأن ذلك قد يضعها في موقف دفاعي ويؤثر على علاقتكما.

 

وإذا لاحظت دلائل قوية أو إقرارًا منها، يمكن استشارة مختص في سلوك المراهقين أو أخصائي نفسي تربوي.

 

رابعًا: كما يمكنك أن تبدأ من اليوم بالآتي:

 

١- إعادة بناء الثقة من خلال مشاركة أنشطة ممتعة معًا (وجبة، هواية، نزهة).

 

٢- زيادة حضورك في حياتها حتى في الأيام التي لا تراها فيها، عبر الرسائل أو الاتصالات القصيرة الحنونة.

 

٣- إظهار قدوة إيجابية في أسلوب الحياة الصحي والابتعاد عن التدخين؛ فالمراهق يتأثر بالفعل أكثر من القول.

 

٤- الدعاء لها بالهداية والصلاح؛ فالقلوب بين يدي الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾.

 

* همسة أخيرة:

 

هدفك الآن ليس فقط منع التدخين، بل الحفاظ على جسر التواصل والثقة الذي سيمكّنك لاحقًا من التأثير عليها إيجابًا.

 

الحوار الهادئ، والقدوة، والشراكة التربوية مع الأم، كلها عوامل ستساعدك على حماية ابنتك نفسيًّا وصحيًّا. واعلم أن التربية في المراهقة ليست معركة ضد السلوك، بل رحلة مرافقة نحو النضج.