<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعمل مدرسًا للغة العربية، ابني في الصف السادس الابتدائي، يرفض أن أشرح له الدروس، ويحب أن يذهب للمدرسين الآخرين، علما أنه إذا جاء زملاؤه معه عندي يتقبل أن أشرح له معهم، أما وحده فلا.. فماذا أفعل لحل هذه الأمر؟ علما أنني لا أستخدم الضرب إطلاقا معه، ويضربه المدرسون الآخرون. وشكرا<span dir="LTR">.</span></p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
مرحبًا بك أيها الأب الفاضل والمربي الكريم، وبارك الله فيك وفي حرصك على تربية ابنك وتعليمه، وسعة صدرك في البحث عن حلول تربوية راقية دون اللجوء إلى العنف، وهذا في حد ذاته يدل على نُبلك وأصالة منهجك التربوي.
دعني أبدأ بردٍّ يتفهم مشاعرك كأب ومعلم، ثم إن شاء الله تعالى أتناول الأمر بمنهج نفسي وتربوي مفصل:
أولًا: لنتفهم مشاعر ابنك..
رفض الطفل لتلقِّي الشرح من والده، لا يعني بالضرورة رفضه لشخصية الأب أو تقليلاً من شأنه، بل هو سلوك طبيعي يُعبر غالبًا عن حاجة داخلية للاستقلالية، وعن خصوصية العلاقة العاطفية بين الأب والابن، وهي مختلفة تمامًا عن علاقة الطالب بالمعلم.
في علم النفس التربوي، يُعرف هذا النوع من السلوك ضمن ما يُسمى بـ "الخلط أو التداخل في الأدوار الأسرية" (Role Confusion between Parental and Instructional Figures)، حيث يَصعب على الطفل الفصل بين صورة الأب الحنون الداعم وصورة المعلم الموجّه، فيَميل إلى التعلم من خارج الأسرة لشعوره بمساحة من الحرية والانفصال الوجداني عن الضغوط المرتبطة بالمنزل.
ثانيًا: لماذا يقبل وجودك مع زملائه ويرفضك بمفرده؟
هنا تظهر بوضوح آلية نفسية مهمة عند الأطفال في هذه المرحلة، وهي الحاجة إلى الدافعية الاجتماعية (Social Motivation) فوجود الأقران يجعل الموقف التعليمي أقل توترًا، ويُضفي عليه طابعًا تفاعليًّا مرحًا، كما يشعر الطفل أنه ليس تحت المجهر أو محطّ تركيز الأب الكامل.
من جهة أخرى، قد يشعر الطفل أنه حين يكون بمفرده مع والده المعلم، فإن أي خطأ منه قد يُفسّر على أنه "فشل" في نيل رضا الأب، لا المعلم، فيزداد ضغط الأداء عليه دون أن يشعر.
ثالثًا: الإرشادات العملية:
وإليك بعض الإرشادات العملية التي أنصح بها في مثل هذه الحالة:
1- افصل بين دورك كأب ودورك كمعلم..
فلا تبدأ الشرح مباشرة من موقعك كـ "معلّم"، بل من موقعك كـ "أب متعاون"... قل له مثلًا: "أنا هنا عشان أساعدك زي ما أساعد أي طالب محتاج، مش علشان أحكم عليك أو أختبرك"، و"أنت عندى أهم من أي طالب، ولك في قلبي محبة خاصة، وبالتالي لك بالنسبة لي موقع مميز".
2- شاركه حرية الاختيار..
امنحه حرية جزئية، كأن تقول: "تحب تذاكر مع أصحابك وأنا أشرح؟ أو نبدأ بوقت قصير جدًّا سوا، ولو ما حبيتها نكمل مع المدرس اللي تحبّه؟"، وهذا يعزز ما يسمى Autonomy Support، أي دعم الاستقلالية والذاتية، وهو عامل مهم في بناء دافعية داخلية للتعلم.
3- حوّل جلسات المذاكرة إلى نشاط مرح..
اجعل جلسات الشرح أقرب إلى اللعب أو التحدي، خاصة في مادة اللغة العربية، باستخدام بطاقات، تمثيل أدوار، أو حتى سبورة صغيرة. وشاركه في التعلم التفاعلي، واجعل المذاكرة "لعبة جماعية" وليست "مهمة فردية".
4- أيضًا من الرائع أن تتقبّل مشاعره ولا تُشعره بالذنب..
أي لا بد من تجنّب العبارات التي توحي بالخيانة أو الإحباط، مثل: "أنا أستاذ ومع ذلك تروح لغيري؟"، بل قل له: "أنا فخور إنك حريص تتعلم حتى لو مع حد تاني، الأهم إنك تطوّر نفسك".
5- استثمر المواقف الجماعية..
فطالما أن ابنك يتقبلك في وجود أصدقائه، فاجعل هذا مدخلًا دائمًا. كما يمكنك حتى التنسيق مع أولياء الأمور الآخرين لعمل "مجموعات تعلم"، مما يمنحك دورًا فاعلًا كمرشد تربوي ضمن بيئة لا تضع ضغطًا على ابنك فقط.
في الحديث الشريف: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، وفي رواية: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه".. وقد أحسنت أيها الأب الفاضل في البعد عن الضرب، فهذا هو سبيل الأنبياء، وطريق المربين على الدروب السليمة الواعية.
وأخيرًا، لتعلم -أخي الكريم- أن ابنك في مرحلة حساسة يسعى فيها لاكتشاف ذاته وتثبيت استقلاله، فإذا شعر أنك تحترم هذا الاستقلال، فسوف يعود إليك طالبًا العلم والمشورة من تلقاء نفسه.
* همسة أخيرة لقلب الأب المعلم:
لا بأس أن يطلب ابنك العلم من غيرك، ما دام يعود إليك في الحب، والاحترام، والثقة.. فذلك هو النصر الحقيقي للأب والمعلم. وتذكر دائمًا أن التربية ليست منافسة، بل مرافقة.
بارك الله لك في ولدك، وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة.