حكم قراءة القرآن من المصحف بغير وضوء

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعاني من مشكلة صحية تتسبب في نقض وضوئي بسرعة كبيرة وهذه المشكلة تؤثر على صلاتي لسنن الصلاة وعلى قراءتي للقرآن من المصحف، لأني كلما سألت عن مس المصحف بلا وضوء قالوا الفقهاء الأربعة قالوا لا يجوز ويشترط الوضوء، فماذ أفعل؟ انقطعت عن قراءة القرآن بسبب ذلك، علما أنني اشتريت قفازين ليدي واستخدمتهما فترة أثناء القراءة من المصحف ولكن تركتهما، أنا لا أريد مبررات لتقصيري، ولكن هل من رأي شرعي بدليل يجيز قراءة القرآن من المصحف بلا وضوء، علما أنني لا أستمتع بقراءة القراءة من شاشة التليفون التي أجازوا القراة منه بلا وضوء؟</p>

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك شفاء لا يغادر سقمًا، وأن يرزقك الصبر والأجر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

أما مسألة القراء في المصحف بغير وضوء فلا يجيزها جمهور الفقهاء، ولكن أجازها بعضهم وهو الأنسب لحالتك، وإياك ثم إياك أن تترك قراءة القرآن بسبب عدم القدرة على الوضوء، فإن الضرورات تبيح المحظورات، والله سبحانه يريد بنا اليسر لا العسر، وما جعل علينا في الدين من حرج، وما دام في المسألة خلاف معتبر فيمكنك الأخذ بالأيسر لك.

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب فقه الطهارة:

 

ومما أوجبوا الوضوء له: مس المصحف. وقد روي هذا عن ابن عمر، والحسن، وعطاء، وطاوس، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد، وجمهور الفقهاء.

 

وقال داود وأهل الظاهر: يباح مسه. لأن النبي ﷺ كتب في كتابه إلى قيصر آية من القرآن في رسالة إليه، وهو يعلم أنه سيمس هذه الرسالة، ولكن هذا الدليل ليس بناهض؛ لأن الآية لا تُسمّى مصحفًا.

 

واستدل الجمهور بقوله تعالى: ﴿لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 79)، وبحديث عمرو بن حزم: "لا يمس القرآن إلا طاهر".

 

أما الآية، ففي الاستدلال بها ضعف، لأن الضمير في قوله (لا يمسه) يحتمل أن يعود على القرآن الكريم، أو على الكتاب المكنون، في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 77-79) والأرجح عودته إلى الكتاب المكنون ـ وهو اللوح المحفوظ ـ لأنه أقرب مذكور. وهنا يكون معنى (المطهرون): هم الملائكة الذين طهرهم الله تعالى وقدسهم وعصمهم من المعاصي ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6).

 

ومعنى النص: أن القرآن قد صانه الله في كتاب مكنون ومحفوظ عنده، لا يمسه ولا يصل إليه إلا الملائكة المطهرون المقربون، فلا يصل إليه الشياطين ﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ (الشعراء: 211، 212).

 

بقي الحديث، وهو الذي رواه عمرو بن حزم عن النبي ﷺ في الكتاب الذي كتبه له، لما وجّهه إلى اليمن، قال النووي: وإسناده ضعيف. رواه مالك في (الموطأ) مرسلا، ورواه البيهقي أيضا من رواية ابن عمر.

 

وقال الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام): الحديث معلول، وقال الصنعاني في (سبل السلام): كتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول. وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتابًا أصح من هذا الكتاب، فإن الصحابة والتابعين يرجعون إليه، ويدعون رأيهم، وقال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز، وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب.

 

قال: وفي الباب في (مجمع الزوائد) من حديث عبد الله بن عمر "لا يمس القرآن إلا طاهر" قال الهيثمي: رجاله موثقون.

 

قال: لكن يبقى النظر في المراد من (الطاهر) فإن لفظه مشترك: يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولا بد لحمله على معين من قرينة. وأما قوله تعالى: ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ (الواقعة: 79) فالأوضح: أن الضمير للكتاب المكنون، الذي سبق ذكره في صدر الآية، وأن (المطهرون) هم الملائكة.

 

وهناك قرينة تعين أحد معاني المشترك هنا، وهي: أن الطاهر هو المؤمن، بدليل الحديث الصحيح "إن المؤمن لا ينجس" وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (التوبة: 28)، ويكون معنى الحديث: ألا يمكن المشرك من مس القرآن. لأنه لا يمسه معظمًا له، ولا معترفًا به، بل ممتهنًا له، وبهذا يتفق مع النهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو، خشية أن تناله أيديهم. أي تناله بالإساءة والعدوان.

 

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

 

اختلف الفقهاء في حمل المصحف لمن أحدث حدثًا أصغر، على النحو التالي:

 

جمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله، وذهب إليه مالك والشافعي وأبو حنيفة في إحدى الروايتين.

 

وجوز بعض العلماء ذلك، وذهب إليه أبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه، كما جوزه داود بن علي.

 

وقد استثنى بعض المحرمين لحمل المصحف ومسه مع الحدث الأصغر- الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم، لحاجتهم إلى حفظ القرآن وتيسيره عليهم، على أن الصبي لو تطهر فطهارته ناقصة لعدم صحة النية منه، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن أما من أجل التعبد فلا بد من الطهارة.

 

هذا، وقراءة القرآن بدون مس للمصحف أو حمله جائزة لمن عليه حدث أصغر، وذلك باتفاق الفقهاء، وإن كان الأفضل الطهارة، وبخاصة إذا كان يقصد التعبد، فالعبادة مع الطهارة أكمل وأرجى للقبول. انتهى.

 

والله تعالى أعلى وأعلم