هل أنا حقًّا زوجة حقودة؟

<p>أنا سيدة متزوجة منذ خمسة عشر عاما.. علاقتي بزوجي فاترة جدا فهو قليل الكلام معي وردوده قصيرة وجافة.. أنا أسكن في بيت العائلة ويسكن فوقنا أخ زوجي الصغير المتزوج منذ عامين وهو لا يتوقف عن إبداء مشاعره لزوجته أمامنا فهو يقبل يدها ويشتري لها الحلوى ويخرجها بشكل دوري للنزهة وأسمع صوت ضحكاتهم الصاخب طيلة الوقت وكل هذا أفكر وأقارن بين حالي وحالها فأنا لست مهملة ولست مقصرة في شيء.</p> <p>ومنذ حوالي شهر واجهت زوجي بما أشعر به وقلت له لماذا لا تتعلم من أخيك؟ فما كان منه إلا أن قال لي كلمات أوجعتني وقال لي يا &quot;حاجة&quot; أنت ست كبيرة عيب عليك مشاعر الغل والحسد ديه، ولم يكتف بذلك ففي مساء اليوم عندما جمعتنا جلسة عائلية مع الجميع قال لأخيه يا ابني خف رومانسية فيه ناس غيرانة وبتحسدكم وهو يرمقني بنظرات مستهزئة.</p> <p>ومن وقتها ووجدت أخو زوجي وسلفتي يكتبون منشورات إهانة مستترة عن &quot;الناس اللي بتبص في حياتهم&quot; الناس الحقودة الحسودة، فما كان مني الا ان اخذت اولادي وخرجت غاضبة لبيت أهلي وزوجي لم يسأل عني طيلة هذا الشهر.</p> <p>وعلمت من ناس حاولوا التدخل للإصلاح أنه قال لهم أنا لم أطردها، كما خرجت وحدها تعود وحدها، وأبي يقول لي انه على استعداد أن يعيدني، ولكنني خائفة من العودة ومن المواجهة ومن نظرات الشماتة والاستهزاء ومن وضعي في زواية المرأة الحسودة وأشعر أن الحد الأدنى من حقوقي أن يأتي هو بنفسه لإعادتي الحد الأدنى الذي يجعلني أشعر أن لديه رغبة في.. أنا حائرة ومتعبة ولست أدري ماذا أفعل؟</p>

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقع الشبكة الإلكترونية للاستشارات..

 

غاليتي، ثمة فارق شاسع بين الحسد والغبطة؛ فالحسد هو تمني زوال النعمة وهو ما لم تفكري فيه، وإنما أنت كنت تتمني أن تحصلي على نفس النعمة مع بقائها في العائلة الأخرى أيضًا، وهذا ما يطلق عليه العلماء الغبطة، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ بلفظ الحسد على سبيل المجاز، أي الحسد المحمود أو الغبطة (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)، وفي رواية: (ورجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار).

 

وكان عليك أن توضحي ذلك في الجلسة العائلية بعد كلام زوجك مباشرة، كما لو قلت يعلم الله مشاعري الطيبة نحوكما.. ربي يبارك حياتكما.. أنا فقط كنت أشجع زوجي أن يقتدي بأخيه لا أكثر، ثم كان عليك تجاهل أي منشورات جاءت على خلفية هذا الحديث وكانت ستتوقف تلقائيًّا، لكنك قمت بتصعيد الأمور حتى وصل الأمر لخروجك من بيتك غاضبة وهذا أشعل الموقف وأبرز الكلام السام الذي قيل في تلك الجلسة العائلية.

 

بالإضافة إلى أن خيار الخروج من المنزل هو خيار الضرورة القصوى، حتى أن المرأة لا تخرج من بيتها حتى لو طلقها الزوج ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾، والضرورة القصوى يعني أن الزوجة لم تعد آمنة في البيت. أما ما حدث من زوجك فهو من قبيل المناوشات التي كان بإمكانك السيطرة عليها..

 

لا أريد أن أكثر من العتاب فما حدث قد حدث بالفعل ولا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، ولا تظني أنني لا أشعر بألمك وحرقة قلبك، ولكن ما قمت به من تصعيد جعل الأجواء أشد التهابًا، وها أنت الآن في مأزق تريدين العودة وأسرتك تريد لك العودة وزوجك في حالة من العناد والإصرار ألا يقدم تنازلا.

 

بوابات الشيطان

 

تسألينني في نهاية رسالتك أليس من حقي أن أشعر أنني مرغوبة؟ وأقول لك بكل ثقة بلى من حقك -يا سيدتي- ولكن زوجك عاجز عن التعبير بالكلمات، ولعله يظن ذلك تقليلاً من رجولته أو لعله يظن أنه تجاوز عمريًّا مرحلة الكلمات أو لعله لا يجيد أصلا التعبير بالكلام، ولا يعني هذا أنه لا يحبك ولا يرغبك بل هو ككثير من الرجال الذين يرون أن تحمل المسئولية تجاه الأسرة هو نموذج الحب العملي، أما الكلمات والحلوى وهذه الأمور فهي للشباب الصغير المدلل.

 

ولعله كان يرى في كلماته في الجلسة العائلية لونًا من ألوان المزاح الخشن، ولم يكن يتوقع أن تقومي بتصعيد الأمور حد أن تغادري البيت غاضبة، لذلك فهو يعاند معك حتى لا تتساهلي بالخروج مع كل مشادة أو اختلاف وجهات النظر.

 

أنا لا أدافع عنه مطلقًا، لكنني أشرح لك مبرراته ومنطلقاته، ولا أريد للشيطان أن يظل يوسوس في عقلك أنه لا يحبك ولا يريدك لذلك لا يريد أن يأتي ويأخذك (إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمَهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا، ويجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه، فيُدْنِيه منه، ويقولُ: نعم أنتَ).

 

لذلك أدعوك -أختي الغالية- أن تغلقي بوابات الشيطان التي يتسلل منها لقلبك وعقلك، وأن تنظري لمشكلتك مع زوجك من زاوية أخرى للنظر وتقدري جهده في تحمل المسئوليات المالية للعائلة في وقت يقف العالم كله على بوابة كساد اقتصادي كبير، وأن تعتبري أن هذه هي لغته الأساسية في التعبير عن الحب، فهو لا يجيد التعبير بالكلمات أو الهدايا ولكنه يجيد الاعتناء بعائلته.

 

وبإمكانك أنت أن تحركي تلك الحياة الفاترة التي تعيشون فيها ليس عن طريقة نقده أو مقارنته بأخيه فهي طريقة جارحة للغاية، وتصوري لو أنه هو من قام بمقارنتك بأختك أو زوجة أخيه.. حتى الأطفال -أختي الكريمة- يشعرون بالإهانة عندما تتم مقارنتهم بالأطفال الآخرين ومن ثم تصبح النتيجة لغير صالحهم.

 

لذلك توقفي فورا عن عقد هذه المقارنات.. جربي العكس أن تمدحيه على سلوك جيد قام به أو حتى على عمله الشاق لمصلحة أسرته.. جربي أن تقولي له بصدق أنا أشعر بك وأنت تنظرين في عينيه وتضغطين على كفه أو كتفه. جربي أن تقولي له إنه يبدو عليك الإرهاق لذلك خططت لسهرة عائلية لمشاهدة دراما مضحكة وستجدين الضحكات تتسلل بشكل عفوي بينكم.

 

أختي الغالية، أنت مضغوطة وزوجك مضغوط والنقد يفجر الضغوط ولا يعالجها فاحذريه.

 

أربع نصائح

 

أختي الكريمة، أنت لست بحاجة لكلماته حتى تشعري بقيمة نفسك، فأنت ينبغي أن يكون لديك تقدير ذاتي عال، وكل سلوك لك لا بد أن يدلل على هذا التقدير.. امتدحي نفسك بلطف وأنت تقولين أنا بفضل الله كذا وكذا.. امتدحي طهيك.. ذوقك في تنظيم منزلك.. نمطك في اللبس.. طريقة تصفيف شعرك.. لا تنتظري منه تعليقًا أو تأكيدًا، فقط اكتفي بإرسال الرسالة لعقله الباطن (بل ولعقلك الباطن أنت أيضًا).

 

وكما تشيدين به أشيدي بنفسك وبأسرتك.. انظري لما تمتلكينه من نعم كثيرة، واحمدي الله تعالى عليها وتجاهلي ما تشعرين أنه ينقصك، فلا توجد حياة كاملة أبدًا، وعلاقة زوجية فاترة يمكن تحريك المياه الراكدة فيها خير من حياة زوجية مليئة بالمشاحنات التي تجعلها على صفيح ساخن دائما.

 

أختي الغالية، سأقدم لك أربع نصائح رئيسية سوف تساعدك إن شاء الله تعالى على تجاوز هذه الأزمة:

 

1. أكثري من الدعاء ألا يجعل الله في قلبك غلا للذين آمنوا وأن يجعلك سليمة القلب دائما وأن يبعد عن قلبك نزغات الشيطان، وادعي أن يصلح الله ما بينك وبين زوجك وأن يهدي قلبه ويرققه وأن يجملك في عينيه ويجمله في عينيك، وادعي أيضًا لأخيه وزوجته بالبركة وأن يصلح الله ما بينك وبينهم.. هذا الدعاء هو سلاحك –غاليتي- في معركة القلوب وأهم أداة تصلح حياتك فاعتني بها وتعلمي آداب الدعاء المستجاب.

 

2. تحدثي مع زوجك عبر منصات التواصل أو هاتفيه واطمئني عليه وتابعيه بأخبار الأولاد.. حاولي ان تقومي بتذويب الجليد الذي يهدد علاقتكما، وهذه المحاولات قد تدفعه ليأتي ويأخذك من بيت عائلتك. أما لو أصر أن تعودي وحدك فاجعلي والدك يعيدك وسجلي موقفًا كونك قريبة حريصة على عائلتك وعلى لمّ الشمل، ولا تنسي تقديرك الذاتي العالي هو ما سيجعل من هذه الخطوة أمرًا يتم بسلاسة.

 

3. تجاهلي ما حدث في آخر جلسة عائلية وتعاملي بشكل طبيعي، فأنت لم تخطئي في شيء، ومن ثم فليس عليك الشعور بالعار.

 

4. مزيد من الاهتمام بمظهرك وتغيير لنمط ملابسك وشعرك وتفاصيل أمورك الأنثوية مع ابتسامة ناعمة رائقة قد تذهب بكثير من الفتور في علاقتك بزوجك.. مزيج الجمال والثقة لا يقاوم ويذهب بكثير من الضغوط التي تجعل الحياة الزوجية تشبه الوتر المشدود.

 

وتذكري لا للعتاب.. لا لطلب كلمات المدح.. لا للحديث الدائم عن المسئوليات والالتزامات التي ينبغي أن تشغل حيزًا ضيقا ومحدودًا من حياتك الزوجية.

 

وتذكري –غاليتي- أنك في حالة جهاد للحفاظ على استقرار عائلتك في وقت أصبحت معدلات الطلاق جنونية والتشجيع على الطلاق أحدث الصيحات.. أنت في حرب مع شياطين الإنس والجن، فلا تستهيني بدورك في هذه الحرب. أصلح الله حياتك وأسعد قلبك، وتابعيني بأخبارك.