لماذا يوجد الشر في العالم؟ سؤال أطفالنا وإجابة العقل والإيمان

<p>يسألني ولدي: أبي، لماذا كثرت الحروب في العالم؟ لماذا يموت الأبرياء؟ لماذا الجوع والظلم والدمار؟ إذا كان الله سبحانه يحب الخير ويحب عباده فلماذا يسمح بوجود هذا الشر؟ لماذا لا يتوقف هذا كله إذا كان الله قادرًا عليه؟</p> <p>أسئلة بريئة صادقة يطرحها أولادي وبناتي، ولا أريد أن أرد عليها برد عاطفي ساذج، بل أريد جوابًا شرعيًّا علميًّا عقليًّا يليق بعظمة الله ويرد على شبهة الشر في العالم، ويطمئن قلوب الأطفال والكبار معًا.</p>

أيها الوالد الكريم المبارك، نرحب بك ابتداء، واسمح لي بأن أُعنصر رسالتي إليك -وإلى غيرك- من الآباء والأمهات، ولا بد ابتداء أن نعلم أن هذه الأسئلة مشروعة وفطرية، بل سألها الأنبياء من قبلنا حين رأوا ما يصعب فهمه.

 

فالأنبياء أنفسهم، كنوح وإبراهيم وموسى، سألوا الله عن الحكمة فيما يقع من أقدار. قال موسى عليه السلام لما رأى الخضر يقتل الغلام: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرً﴾ (الكهف: 74)، فدلّ هذا على أن الفهم لا يأتي دائمًا سريعًا، وأن العقول محدودة الإدراك، لكنّها تبحث عن نور الوحي والعقل معًا.

 

وهذا ردّ يسير يحتاج إلى تفاصيل في مقالات أخرى، لا شكّ أن صفحات الموقع والمجلة قد تعرضت لها، ومنها ما يأتي:

 

1) الشر لا يُنسب إلى الله تعالى ظلمًا، فأول ما نعلّمه لأطفالنا: أن الله خيرٌ محضٌ، حكيمٌ في كل ما يفعل، ولا يفعل شرًّا محضًا قط، كما قال النبي ﷺ في دعائه: «والشر ليس إليك» (رواه مسلم). فالله لا يظلم أحدًا، ولا يُدخل شرًا في هذا الكون إلا وفيه حكمة خفية أو مصلحة عظيمة، قد نعرفها وقد لا نعرفها.

 

2) وجود الشر لا يعني غياب الرحمة: وجود الظلم لا يعني أن الله راضٍ به، بل هو يأذن به لحكمة، ثم يحاسب عليه من فعله، تمامًا كما نسمح للطبيب أن يجرح جسمنا من أجل العلاج، كذلك يقدّر الله بعض الآلام المؤقتة لمقاصد عظيمة: لتمييز الصادق من الكاذب، والظالم من العادل، لتربية النفوس، وتطهير القلوب، ولإقامة العدل على المدى البعيد، ولو بعد حين.

 

3) لو لم يوجد الشر فهل كنا نُدرك قيمة الخير؟ تخيل أن العالم كله أبيض ناصع، هل نُدرك حينها جمال النور؟ لا، فالخير لا يُعرف إلا إذا وُجد ما يُقابله، فالشر في بعض حالاته يُبرز جمال الخير ويوقظ الغافلين، كما لا نُدرك قيمة الصحة إلا إذا ذقنا الألم، ولا قيمة الأمن إلا بعد أن نخاف.

 

4) الله يبتلي ليُهذّب لا ليعذّب: فالحروب والفتن جزء من الابتلاءات التي يمر بها البشر: ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا تُرجعون﴾ والابتلاء ليس علامة غضب، بل علامة اختبار وتمييز وتربية، كما يُجرى الامتحان للطلاب.

 

5) البشر هم سبب كثير من الشر: كثير من الشر في العالم ليس من الله، بل من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ (الروم: 41) فالحروب والتجويع والاستعمار والتدمير، من فعل البشر حين ابتعدوا عن هدي الله.

 

6) كل شر مؤقت والجزاء في الآخرة: إنّ الدنيا ليست الجنة، ولا دار عدل مطلق، بل دار اختبار، والعدالة الكاملة تنتظر الجميع في الآخرة، وهناك تُوزن كل الأعمال، وتُجبر كل المظالم: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 7-8).

 

7) كيف نشرح هذا للأطفال؟ قل لابنك: أتعرف لماذا نسمح للطبيب أن يعطيك حقنة مؤلمة؟ لأنه يريد لك الشفاء... والله تعالى أعظم حكمة ورحمة، فيسمح ببعض الشرور لتُخرج من الناس أفضل ما فيهم.. وتخيل لو أن كل الناس عاشوا في خير وسعادة دون أي مشكلة، هل سيتذكرون الله؟ هل سيشعرون بحاجة إليه؟

 

وقل له أيضًا: نحن لا نُحب الحروب، وندعو للسلام، لكن الله أعطى الناس حرية، ومن أساء استخدام حريته سيحاسبه، ونحن مأمورون أن نكون من صناع الخير لا الشر، ومن دُعاة العدل لا دعاة الفتنة.

 

وأخيرًا: فوجود الشر في العالم لا يعني غياب الخير، ولا يعني أن الله غير رحيم، بل هو امتحان، وتمييز، وتربية، وعدالة مؤجلة في الآخرة، وإن في كل شر منحة خفية، ومصلحة كبرى، قد نراها أو لا نراها الآن.

 

والأهم أن نعلّم أبناءنا أن الله لم يخلق الشر عبثًا، وأن الخير دائمًا في النهاية يغلب، وأن الإنسان مسؤول عن أفعاله، وأن الله لا يُحب الظالمين، ولكنه يُمهل ليُقيم الحجة ويُظهر الحكمة.