<p>مساء الخير يا دكتورة، أنا بنت عندي ١٤ سنة، ماما توفيت من كام سنة، وإحنا ٣ بنات وبابا هو اللي بيربّينا لوحده، وهو إنسان طيب بس شديد جدًّا، وصعب نتكلم معاه في أي حاجة، لأنه دايمًا عصبي وصوته عالي<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا عندي أخت أكبر مني عندها ١٧ سنة، مؤخرًا بدأت تصاحب واحدة من جيرانّا، كل الناس بتقول عنها إنها مش كويسة، وسمعتها مش حلوة، وفعلاً أنا شفتها كذا مرة بتتصرف تصرفات مش محترمة. بابا كان من زمان قايل لنا إننا مانتكلمش معاها ولا نزورها، بس أختي بقت تروح عندها من ورا بابا، ولما بكلمها تقولي: (أنا حرة.. وإنتي مالك؟)، وأنا بخاف من ربنا وبخاف كمان إن بابا يعرف، لأنه لو عرف هيزعق جامد جدًّا، وممكن تحصل مشكلة كبيرة في البيت<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا حاسة إني تايهة، لا عارفة أساعد أختي ولا عارفة أسكت، ومش لاقية حد كبير أتكلم معاه، ومش عارفة أتصرف إزاي.. أعمل إيه؟ وهل أقول لبابا ولا لأ؟<span dir="LTR">"</span></p>
ابنتي الحبيبة،
قرأت كلماتكِ بقلبي قبل عيني، ولامستُ فيها صدق مشاعركِ، وحيرتكِ، وخوفكِ على أختكِ وأسرتكِ، وصدقيني أن مشاعركِ النبيلة هذه هي في ذاتها دليل على نضج وجداني أكبر من عمركِ بكثير، فهنيئًا لوالدكِ بكِ، وهنيئًا لأمكِ رحمها الله بابنة مثلكِ تحمل الأمانة وتخاف الله.
أول ما أود أن أطمئنكِ به، أن ما تشعرين به من قلق وتوتر هو أمر طبيعي في مثل حالتكِ، ويُعرف بـ "التنازع القيمي" (Value Conflict)، وهو ما يحدث حين تتصادم القيم التي تؤمنين بها مع أفعال من تحبينهم، وخصوصًا إن لم يكن لكِ سلطة مباشرة عليهم.
* وهنا، أود أن أوجهكِ لعدة أمور:
أولًا: لا تحمّلي نفسكِ ما لا طاقة لكِ به..
الله تعالى يقول: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ وأنتِ لستِ مسؤولة مسؤولية مباشرة عن أفعال أختكِ، وإنما أنتِ مأمورة بالنصح بالتي هي أحسن، وقد فعلتِ، ومتى بَذلتِ السبب المشروع، فلا لوم عليكِ بعد ذلك، قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.
ثانيًا: اعلمي أن أختكِ تمرّ بمرحلة عمرية حساسة..
في عمرها، يكون الإنسان في ذروة مرحلة المراهقة المتأخرة (Late Adolescence)، وهي مرحلة تتسم غالبًا بـالرغبة في الاستقلالية، والتمرد على السلطة، والتعلق بالصداقات، وقد تنساق الفتاة حينها وراء شخصيات منحرفة لأنها ترى فيهن نموذجًا للاستقلال أو الجرأة، لا لأنها شريرة في ذاتها.
ثالثًا: لا تواجهي أختكِ بالموعظة المباشرة دائمًا..
فأحيانًا الوعظ المباشر، خاصة من الأصغر سنًا، يُثير الدفاعية النفسية أو آلية الدفاع (Defensive Mechanism)، فيغلق وقتها باب التأثير تمامًا.
حاولي بدلًا من ذلك أن تكسبي قلبها، ثم تقربي منها بلطف، تحدّثي معها عن همومها، مشاعرها، اهتماماتها، ثم خُذي بيدها تدريجيًّا إلى الحق من خلال الحوار غير المباشر.
رابعًا: دوركِ الحقيقي الآن هو الاحتواء الوجداني..
احتياج أختكِ اليوم الأكبر هو لمن تحتويها، وتسمعها، وتفهم دوافعها دون أن توبخها. حين تشعر أنكِ الملاذ الآمن لها، سيسهل عليكِ التأثير، وستتغير –بإذن الله تعالى– من تلقاء نفسها.
خامسًا: بخصوص والدكِ، فالتروي أولى من المواجهة المباشرة..
أنتِ تعلمين أن الوالد شديد في انفعالاته، وهنا نوصي في علم التربية الأسرية بـ"عدم إشراك الطرف القاسي" قبل استنفاد الوسائل الهادئة.
لذلك، انتظري حتى تحاولي مرارًا مع أختكِ، فإن لم تستجب، يمكنكِ اللجوء إلى طرف حكيم في العائلة (إن وُجد)، أو اختيار وقت هادئ لوالدكِ لعرض الأمر بأسلوب غير مباشر، كأن تقولي: "بابا، أحيانًا بحس إننا محتاجين نراجع علاقتنا بصاحبة معينة"... وتبدئين الحديث، ثم تصغين لإرشاداته.
سادسًا: استعيني بالله تعالى، فهو أقرب إليكِ من حبل الوريد..
اجعلي من الليل سكينتكِ، ومن السجود سبيلكِ، وارفعي يديكِ لله قائلة: "اللهم اهِدِ أختي، وارزقها الصحبة الصالحة، واحفظ بيتنا"، فإن الدعاء سلاح المؤمن، والله هو القادر على تقليب القلوب.
* وهمسة أخيرة لابنتي الغالية:
لا تيأسي، ولا تحزني، ولا تتعجلي الثمر، فإن التغيير النفسي يحتاج إلى صبر، وحكمة، واستمرار في النصح باللين. وقد قال رسولنا الكريم ﷺ: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه".
معكِ قلبي ودعائي، وأذكّركِ دائمًا: من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله له ما بينه وبين الناس.