مضغوطة بين العمل والمنزل والخلافات الزوجية

<p>أكتب إليك اليوم وأنا في حالة من الإرهاق والتشتت، وأحتاج حقًّا لنصيحتك.</p> <p>أعمل موظفة بدوام كامل، ولدي العديد من المسؤوليات في العمل، والتي أحاول أن أؤديها بأقصى ما أستطيع. لكن بمجرد أن أعود إلى المنزل، أجد نفسي أتحمل المزيد من المهام: الطهي، ترتيب المنزل، متابعة احتياجات الأطفال، وتلبية متطلبات زوجي.</p> <p>أحاول بكل قوتي أن أكون الأم المثالية، الزوجة التي لا تشكو، والموظفة المجتهدة. لكنني أجد نفسي في النهاية متعبة، وأحيانًا أشعر أن تعب اليوم لم يُحتسب. لا أحد يلاحظ ذلك.</p> <p>مؤخرًا، بدأ زوجي يتذمّر من تقصيري في المنزل، رغم أنني لا أملك سوى ساعات قليلة بعد العمل للتعامل مع كل هذا. وأشعر في كثير من الأحيان أنه لا يقدّر المجهود الذي أبذله سواء في العمل أو في البيت. أجد أن هناك شعورًا بالتراكمات داخل نفسي، من دون أي اعتراف بتعب الأيام الطويلة التي أمضيها.</p> <p>هل من العدل أن يُحملني كل شيء ويُحاكم تقصيري، بينما هو لا يتفهم حقيقة أنني ليس لدي رفاهية الوقت؟</p> <p>أنا لست ضد العمل المنزلي، ولا أرفض مسؤوليات البيت، ولكنني أحتاج حقًّا إلى التقدير والمشاركة من زوجي. أشعر أنني أعيش في دوامة، أؤدي دورين في الحياة: موظفة وزوجة، وكل منهما يتطلب جهدًا كبيرًا.</p> <p>هل ما أطلبه هو شيء مبالغ فيه؟ كيف يمكنني إيجاد التوازن بين العمل، المنزل، والزواج؟ هل من حل لعدم التقدير الذي أشعر به؟<span dir="LTR">&quot;</span></p>

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقع البوابة الإلكترونية للاستشارات..

 

نعم غاليتي، يمكنك تحقيق التوازن بين عملك وبيتك وزوجك ودون أن يصل بك الأمر أن تقفي على بوابة الاحتراق النفسي التي أشعر أنك واقفة على عتباته، فكيف يمكنك إدارة هذه المهام مع ما يترتب عليها من ضغوط هذا سيكون محور حديثنا في السطور القادمة.

 

إدارة الذات

 

أهم قاعدة في تحقيق هذا التوازن هو حسن إدارتك لذاتك، فأنت لن تستطيعي أن تعطي كل ذي حق حقه غير وأنت تحققين أكبر قدر ممكن من اللياقة النفسية والجسدية؛ لأن وقتها ستشعرين أن إنجاز أعمالك سيستغرق وقتًا أقل بكثير، لذلك احرصي على:

 

اللياقة الجسدية

 

هذا الجسد هو حامل الروح وعن طريقه تؤدين معظم أعمالك، لذلك ينبغي لك الاهتمام به حتى أن واحدًا من الأسئلة الكبرى التي سيسأل عنها الإنسان يوم القيامة هو السؤال عن جسده (وعن جسمه فيم أبلاه).. هذا الجسد له احتياجات لا بد أن تشبع فلا بد لك من النوم المتصل ليلا من ست لثماني ساعات.. لا بد لك من شرب لترين من الماء على مدار يومك.. لا بد من تناول غذاء صحي يحتوى على كافة العناصر الغذائية والمكملات الدقيقة..

 

أنت بحاجة للحصول على بعض الراحة من ضغوط العمل.. بحاجة لزيارة الطبيب عندما تشعرين ببوادر المرض.. بعض النساء تهمل هذا الجسد بحجة أنه لا وقت، وبعض النساء تضع نفسها في ذيل قائمة الأولويات، فهي في اللاشعور ترى أن اهتمامها بنفسها لون من الأنانية المقيتة، وتكون النتيجة إما ضعفها في القيام بالمهام الملقاة على عاتقها وإما انفجارها في وجه من حولها متهمة إياهم بالأنانية وقلة التقدير..

 

أختي الغالية، اهتمي بنفسك، واهتمي بصحتك، واهتمي براحتك، ولا تنتظري من زوجك أن يهتم ويسأل ويحثك على الرعاية.. هذا حقك تجاه ذاتك فمارسيه.. فهذا أفضل كثيرًا من مشاعر رثاء الذات وأنت تنتظرين من حولك التفهم والدعم.

 

اللياقة النفسية

 

الإنسان جسد ونفس ولا بد أن يعتني بهما الاثنين، وكلما كنت في حالة من الرفاه النفسي تلونت حياتك بكل صور السعادة والطمأنينة، وأهم ركيزة تحقق لك الاستقرار النفسي هي إقامة الصلاة في وقتها مهما كانت المهام التي تقومين بها.. أنت بحاجة لقراءة القرآن والاستماع له.. بحاجة لذكر الله تعالى في كل وقت فهذه أمور ترفع حالتك الإيمانية وتجعل خزان طاقتك النفسية واسعًا وقويًّا، وهذا كله يجعلك قادرة على التعامل مع الضغوط أتفهمينني؟

 

بالطبع أنت لن تصلي أو تذكري الله من أجل أن تحسني التعامل مع الضغوط فقط فهذه نتيجة للعبادة وليست سببًا لها، وإن كان هذا لا يمنع (بل يستحب) أن تهرعي للعبادة كلما شعرت بالضغوط تخنقك، وقد كان النبي ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول لبلال: "أقم الصلاة أرحنا بها".. فالصلاة مصدر للراحة.. مصدر للأمان.. منبع التأمل، فاحرصي عليها فهي كفيلة لضبط إيقاع حياتك.

 

بعد رعاية نفسك جسديًّا ونفسيًّا وتأهيلها للقيام بأدوارها في الحياة يمكن تقسيم أدوارك في الحياة كالتالي، وهو تقسيم مرتب بحسب القيمة وليس بحسب عدد الساعات: دورك كزوجة، دورك كأم، دورك في إدارة شؤون البيت، دورك كامرأة عاملة.

 

أنت وزوجك

 

أختي الكريمة، زوجك (جنتك ونارك) ضعي على رأس القائمة علاقتك بزوجك، اجعلي الحوار بينكما دافئا متواصلا.. استمعي له بإنصات وتحدثي معه بما يدور في عقلك.. اهتمي بمعرفة ما يزعجه، وأيضًا عبري له عن الأمور التي لا تريحك، فإذا كان يرى مثلا أنك مهملة في إدارة البيت بينما أنت ترين أنه لا يشاركك وأنك لا تملكين الوقت.. هنا لا بد من الحوار، فإذا كنت تشاركينه في النفقات وكان متفقًا معك في أهمية عملك وضرورته فهنا عليك أن تطالبيه أن يكون مشاركًا بصورة أكثر فاعلية في إدارة البيت كما تشاركينه في النفقة.. بينما لو كان دخلك المالي لك وحدك فعليك أن تديري الحوار بصورة مختلفة تمامًا.. بحيث تعرفين نقاط الضعف وتسعين للعمل عليها وإصلاحها مستعينة بما تمتلكين من مال.

 

من أهم النقاط التي ينبغي لك التنبه لها ونحن نتحدث عن محور الزوج أن تضعي العلاقة الزوجية الخاصة على رأس الأولويات، فقد تكون شكواه من سوء إدارة المنزل هي مجرد رد فعل لعلاقة غير مشبعة لا تلبي احتياجاته، فصورة المرأة العاملة المنهكة المطحونة ليست بالتأكيد الصورة التي يطمح إليها أي رجل.

 

الأم الناجحة

 

دورك كأم هو دور لا يمكن استبداله، وهو يختلف عن مجرد تقديم الرعاية من طعام وتنظيف وإدارة أمور المنزل، فلا بد أن تكوني حاضرة في حياة أولادك مستمعة لهم قادرة على تقديم النصيحة التوجيه بطريقة مناسبة لعمرهم.. إذا كان زوجك يغضب ويثور ويشكو ويلفت انتباهك فهؤلاء الصغار قد لا يستطيعون ذلك ولكنهم سيسلكون سلوكيات غير مرضية تحتاج في علاجها لوقت وجهد كان من الممكن تجنبها لو أنك موجودة بشكل حقيقي في حياتهم.. أعلم أن وقتك محدود لكن لا بد أن يكون هناك وقت ثابت للجلوس معهم ولو ساعة واحدة يوميًّا بعيد أداء الواجبات وتناول الطعام.. ساعة تتحدثون.. تلعبون.. تقومون فيها بأي نشاط مشترك في جو من المرح.

 

إدارة المنزل

 

أختي الغالية، كي يتسنى لك ذلك فلا بد أن تحسني ادارة الوقت الذي تخصصينه لإدارة البيت، فبعض النساء العاملات تمنح كل الوقت بعد العمل لإدارة البيت غافلة عن دورها كزوجة ودورها كأم، وهذه بعض أفكار تساعدك في حسن إدارة بيتك، وهذه الأفكار بحاجة أن تكوني واقعية في الأهداف.. عملية في الوسائل.. مستعينة بكل العوامل المساعدة ومن ذلك:

 

* الاستعانة بالله تعالى كي ييسر لك هذه الالتزامات والحرص على أذكار قبل النوم التي تضمن لك أن تستيقظي بكامل نشاطك وطاقتك.. تمعني في هذا الحديث الذي رواه علي بن أبي طالب (أن فاطمة –رضي الله عنها- شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي ﷺ وسلم تسأله خادمًا فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم، فقال: مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا ثلاثًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم).

 

* الاستعانة بأولادك بحسب عمرهم والحد الأدني أن يكونوا مسئولين عن أمورهم الشخصية.. الأطفال الأصغر عمرًا تحدد حجرة خاصة لمعيشتهم ولعبهم حتى تبقى باقي حجرات المنزل المنزل نظيفة مرتبة.. ولا بد أن تبذلي جهدك في تدريبهم على جمع لعبهم بعد الانتهاء منها.

 

* زوجك، تحدثي معه بهدوء واطلبي منه أن يشاركك كما كان النبي ﷺ في مهنة أهله، وكلما كانت علاقتك به أفضل كان أقرب للاستجابة.. على الأقل يكفيك التسوق.

 

* إذا كانت أمورك المالية تسمح (طالما أنت امرأة عاملة فلا بد أن تستثمري مالك فيما يحقق الرفاه لك ولأسرتك)، استعيني بعاملة منزلية مرة أسبوعيًّا بحيث تحمل عنك عبء مسئولية التنظيف العميق، وفي هذه الحالة أنت بحاجة لنصف ساعة إلى ساعة يوميًّا فقط لتنظيف وترتيب البيت السريع.

 

* استعيني بالطعام الجاهز مرة أسبوعيًّا، ولتكن يوم عطلتك حتى تستطيعي استئناف نشاطك في الأسبوع الجديد.

 

* استعيني بالأطعمة النصف مجهزة في الطهي اليومي.

 

* يمكنك تفريز عدة وجبات بحيث تقومين بتسخينها فقط عند عودتك من العمل.

 

* استثمري في آلة غسل الصحون.. فرن التسخين السريع وأي أدوات تساعدك في كسب الوقت وتوفير الجهد.

 

أختي الكريمة، فكري أيضًا في خيار تقليل عدد ساعات عملك أو العمل لنصف دوام أو الحصول على إجازة دون راتب لو كان عمر أطفالك صغارا، فالعمل المادي المأجور ينبغي ألا يشوش على حياتك الأسرية، واحذري أن تكوني مثل بعض النساء اللاتي يرين أن العمل المأجور هو الأهم والأكثر تقديرًا وأن حياتها الأسرية تأتي في المقام الثاني أو اللاتي يرين أن العمل هو الباقي لهن بينما الحياة الأسرية غير آمنة وغير مضمونة..

 

ونصيحتي الأخيرة لك، في وقت العمل والدوام ابذلي كل جهدك للعمل، فإذا انتهيت فاخرجي من أجواء العمل تمامًا واندمجي في حياتك الأسرية، ولا تنسي أن تحصلي على حمام دافئ وقيلولة قصيرة تكون فاصلاً لك بين العمل والبيت، ودربي أولادك أن يحترموا وقت راحتك.. أسعد الله قلبك وأصلح أمورك، وتابعينا بأخبارك.