<p>أسمع كثيرا لجوء الناس للشتم والسب والقذف، فلماذا هذا الانتشار الواسع للشتائم، ولماذا يشتم الإنسان، هل يمكن تفسير ذلك؟</p>
الحقيقة أن سؤالكم ذو أهمية؛ نظرا لأن الشتائم والسباب أصبحت تحاصر أعيننا وآذاننا في كل مكان؛ فالغالبية تعبر عن غضبها من الآخرين أو احتقارها لهم من خلال الشتم والسب، على اعتبار أن الشتم يحمل طاقة غضبية تُؤلم الآخر وتزدريه وتحتقره؛ فالشتم إحدى المفردات في خطاب الكراهية، ومؤشر على إهانة الآخر، فاللغة ليست وسيلة لنقل المعلومات فقط، ولكنها كذلك وسيلة للتعبير عن المشاعر.
تشير إحدى الدراسات المنشورة عام 2024م إلى أن الكلمات المحرمة أو التي تحمل دلالات شديدة السلبية وفيها قذف أو أوصاف لا تليق، تشكل حوالي 0.5% من كلمات اللغة المنطوقة يوميًّا.
غطت الدراسة حوالي (13) لغة في (17) دولة من قارات العالم، وأشارت إلى أن تلك الكلمات المحرمة لها تأثيرها النفسي والاجتماعي، حيث تحمل انتقاصًا كبيرًا من قيمة الآخرين، ولها دلالات سلبية للغاية، كما أنها تأتي مصحوبة بطريقة أقرب للانفجار فتكون مصحوبة بصوت عال للغاية مشحون بالغضب.
لكن الأخطر أن الشتم انتقل إلى العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي؛ ففي دراسة تم إجراؤها عام 2014م، على موقع "تويتر" السابق، تم تحليل ما يقرب من (51) مليون تغريدة من حوالي (14) مليون مستخدم، وكانت المفاجأة رصد 1% من الكلمات البذيئة في تلك التغريدات، وأن هناك تغريدة واحدة من كل 13 تغريدة حملت لغة مسيئة كالسب والشتم والازدراء.
وفي دراسة إسبانية نشرت عام 2024م ذكرت أن الإحصائيات تُظهر أن واحدًا من كل خمسة مستخدمين يستخدم الشتائم، وأن المشاعر الأكثر شيوعًا على منصات التواصل الاجتماعي هي الغضب والسخط والحزن، كما أظهر تقريرٌ لوكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية لعام ٢٠٢٣م أن (٥٢٪) من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الاتحاد الأوروبي واجهوا خطاب كراهية، وكان الشتم والسب أحد مكونات ومفردات هذا الخطاب.
وفي استطلاع للرأي للجمهور الفرنسي نشر عام 2024م كشف أن 27% منهم تعرضوا لإهانات وتعليقات بذيئة على مواقع التواصل الاجتماعي.
والحقيقة أن الشتائم أحد مكونات خطاب الكراهية، كما أن الازدراء واحتقار الآخرين يعد وجهًا آخر للشتم، وهي تشي بأزمة أخلاقية وضميرية وانحراف سلوكي كبير، خاصة أن بعض الشتائم تعتمد قوتها الدلالية على ثقافة المجتمع وقدرته على فهم اللفظ وتفسيره.
تشير دراسات نفسية إلى أن تكرار الشتم يرتبط بسمات شخصية، فيلاحظ أن الرجال يلجؤون للشتم أكثر من النساء، وأن كلمات الجنس والقذف تكون حاضرة في أغلب الشتائم، ظنًّا من الشاتم أنها أقوى تأثيرًا وأكثر انتقاصًا للآخرين.
ويؤكد علماء الأعصاب أن الكلمات البذيئة المستخدمة في السب والشتم، لها تأثيرها على الدماغ، فقد تنتج استجابات من الخوف والقلق وقد تؤدي إلى الاكتئاب، ولوحظ أن كلمات الشتم تحتفظ بها الذاكرة، وقليلاً ما تسقط من ذاكرة الإنسان على خلاف غيرها من الكلمات.
وفي دراسة حديث حللت أكثر من (100) ورقة بحثية حول تأثير الشتائم والكلمات البذيئة على عقل وجسد الإنسان، خلصت إلى أن استخدام الكلمات البذيئة يُمكن أن يُؤثّر تأثيرًا بالغًا على طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا مع بعضنا البعض، خاصة من أولئك الذين يطلقون العنان لطاقتهم الغضبية لشتم الناس وسبهم.
أما الرؤية الإسلامية فواضحة، فالكلمة مسئولية، والإنسان سيُحاسب أمام خالقه سبحانه وتعالى عن كل كلمة يقولها، وأن الشرع الإسلامي قرر أن بعض السب والشتم يوجب عقوبة شديدة، خاصة إذا طعن في أعراض الناس؛ فالسب والشتم ليس حلاًّ ولكنه سوء أخلاق وتربية.