سافر للحج وحده هل هو أناني؟

<p style="direction: rtl;">السلام عليكم، أنا امرأة عاملة.. أنفق راتبي كله في البيت وندخر سويا أنا وزوجي ولكنه هو من يضع المال في حسابه في البنك وهو من يتولى الإنفاق.. هو سيذهب للحج هذا العالم وحده، وقال لي إن شاء نحج معًا بعد ذلك لأن البيت يحتاجك وأيضا لأن المال لا يكفي حجنا معًا.</p> <p style="direction: rtl;">وأنا صمت، لكن من داخلي أشعر بالانزعاج بل أشعر بأنه يستغلني ويفكر في نفسه فقط.. فهل أنا محقة؟ ألم يكن من الأولى به أن ينتظر حتى نحج معًا لأن نصف المال الذي ذهب للحج به يعتبر مالي الشخصي؟</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة في موقع البوابة الإلكترونية للاستشارات.

 

أختي الكريمة، سؤالي لك هو عندما انزعجت لماذا لم تتكلمي؟ لماذا التزمت الصمت؟ الكلام عما يزعجنا أحد أهم الأمور التي تجعلنا نشعر أننا في صحة نفسية جيدة، بل إن عائد الكلام يعود بالفائدة على الأسرة بكاملها؛ لأن الطرف المنزعج الذي يشعر بالغضب سوف يتعامل بانفعال وعصبية غير مبررة فيضطر الطرف الآخر لأخذ رد فعل وإعادة إنتاج الغضب، وهكذا ندخل في دائرة من المشكلات ما تلبث أن تبتعد عن أصل المشكلة، وتكون مجموعة جديدة من المشكلات كان يمكن تجنبها.

 

أختي، حتى لو الطرف المنزعج لم يتعامل بعصبية وكظم غيظه سنجده فاترًا متباعدًا حتى يستطيع السيطرة على غضبه ويترك الطرف الآخر حائرًا لا يفهم ما يحدث، ثم لا يلبث أن يصبح هو الآخر فاترًا متباعدًا أو غاضبًا منفعلاً، ولا شك أن هذا كله سوف ينعكس على أجواء البيت فتتحول الأسرة من نموذج للعيش في حالة من الهدوء والسلام لنموذج أسرة تضربها المشكلات العاصفة، وما هي العلة وراء هذا؟ والإجابة ببساطة أن هناك طرفًا منزعجًا ولم يعبر عن انزعاجه.

 

الحوار الصحي

 

المفهوم الشائع للحديث عن الأمور المزعجة هو النقد الحاد والاتهام والشجار، وبالطبع أنا لا أعني هذا المفهوم وأنا أحدثك على التعبير عما يزعجك، بل أقصد إجراء حوار صحي تعبرين فيه عن مشاعرك دون اتهام للطرف الآخر.. وهذه نماذج لعبارات تعبر عن مشاعرك ورغباتك بوضوح دون توجيه أصابع الاتهام للزوج:

 

أنا بحاجة حقيقية أن أؤدي فريضة الحج.

 

أنا كنت أتمنى أن أصطحبك في هذه الرحلة المباركة.

 

لقد كنت أدخر المال معك من أجل عمرة أو حج.

 

لا أخفيك سرًّا أنا محبطة لأنني بعد كل هذه السنوات من العمل لا أذهب للحج.

 

هنا أنت تعبرين عما تشعرين به، وقمت بتصعيد مشكلتك للبحث عن حل دون نقد حاد قد يتحول لمشاجرة.

 

ومن نماذج التعبير الخاطئة:

 

لماذا تذهب أنت وحدك للحج ألا تفكر فيّ مطلقًا؟

 

أنت شخص مستبد تنفق المال على حسب رغبتك.

 

لا تظن أن حجك هذا صحيح، فأنت أخذت مالي دون موافقتي.. حتى يقولوا عنك الحاج فلان.

 

هنا أنت تضعينه في قفص الاتهام، وسيضطر للتعبير بشكل حاد عليك، وأفضل ما سيقوله بل مالك هذا دين عليّ وسوف أرده لك، وهذا وعد مني، لكنه سيحمل في قلبه أشياء منك وسينعكس ذلك على سلوكه لا محالة.. نحن نريد أن يضع حجك على رأس الأولويات القادمة إن شاء الله تعالى دون إثارة للشحناء.. هل تفهمينني؟

 

لذلك أدعوك للتعبير بشكل صحي عما يزعجك بحيث تصلين معه لنقطة أن حجك سيكون هو الهدف التالي وتندمجين معه في الحديث عن هذا الهدف بتفاصيله الصغيرة بحيث يكون ما تدخرينه أنت وهو يصب لتحقيق هذا الهدف.

 

ذمتك المالية

 

ذكرت أنك امرأة عاملة وأنك تضعين كامل راتبك في البيت وما يتبقى من مال يوضع في حساب زوجك البنكي، وذكرت أيضًا أن زوجك هو من يتولى الإنفاق وترتيب الأولويات المادية، ولم أستطع تبين هل هذا الوضع يزعجك وترغبين في تغييره؟ أم أنك متقبلة لهذا الوضع وجاء الحدث الأخير المتمثل في سفره وحده للحج ليقلقل راحتك لهذا النموذج المعيشي؟

 

إذا كان هذا الوضع مزعجًا وغير مقبول بالنسبة لك، فما عليك إلا الحديث معه بعد عودته من الحج بشكل واضح وصريح، فالخط المستقيم أقصر طريق بين نقتطين، والإسلام كفل لك ذمتك المالية الخاصة..

 

تحدثي إليه بهدوء وقولي له إنك ترغبين في تغيير النظام المالي للأسرة وإنك ترغبين في الشعور بذمتك المالية الخاصة التي كفلها لك الإسلام، وعلى الرغم من ذلك فأنت ستضعين جزءًا من راتبك (تحددينه أنت بناء على مقدار راتبه ومستوى المعيشة الخاص بكم) في مصروفات المنزل أو تكونين أنت المسئولة عن بند من بنود الميزانية.

 

والهدف من هذا تطييب خاطره ومنع وقوع صدمة مالية.. فإذا أصر على معرفة سبب لتغير موقفك فاشرحي له مدى إحباطك أنه لم يكن معك المال الذي يمكنك من الحج، وكوني مرنة معه، فقد يتعهد لك أن كل ما يتم ادخاره سيكون لحجك، وهذا سيكون أكبر من مدخراتك وحدك، وهذا سيكون مناسبًا أكثر لو أنك كنت متقبلة نظامه في الإدارة المالية لشئون الأسرة والموقف الأخير فقط هو ما أزعجك، بينما لو كنت منزعجة من النظام نفسه فتمسكي بموقفك في وجود ذمة مالية خاصة بك، وقولي له إن شرع الله سبحانه وتعالى هو ما يحقق العدالة فليس له أن يغضب خاصة بعد أن أتم فريضة الحج، وهذا يعني أن يكون أكثر تحرجًا في مسألة الحقوق والمظالم.

 

يتبقى ثلاثة أمور بالغة الأهمية:

 

الأمر الأول: الحوار معه يكون بالحسنى وبالرفق وباللين وبالإقناع الهادئ وقد لا تنجحين في تحقيق هدفك من أول مرة فلا تحبطي.. انتظري بعض الوقت وأعيدي فتح الملف مرة أخرى فقد تكون المرة الأولى بمثابة تهيئة وربما تمثل له صدمة، أما المرة الثانية فهو سيشعر أنك جادة في طلبك وأنه ليس مجرد فكرة طارئة تطرحينها في المرة الثالثة غالبًا ما سيتناقش معك في التفاصيل.

 

الأمر الثاني: أريدك أن تحسني الظن بزوجك، فالثقة هي واحدة من أهم أعمدة الحياة الزوجية المستقرة والهانئة، فلربما زوجك فكر جديًّا في البيت والأولاد خاصة لو كانوا صغارًا أو في موسم امتحانات فمن سيعتني بهم إذا سافرت معه؟ هذا سبب مهم لا يمكن تجاهله أو التقليل منه وفي الوقت نفسه وجد المال الذي بحوزته يسمح له بأداء الفريضة فسارع ليؤديها وهو يتعامل مع المال أنه ليس مالك وماله بل هو يعتقد أنه مالكما معًا وكل حسب حاجته وظروفه، وبما أنك لم تعترضي فهو لم يفهم ما يجول بخاطرك، هذا التفسير وارد بقوة فتمعني فيه وغلبي حسن الظن بزوجك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (الحجرات: 12).

 

الأمر الثالث: سامحيه -أختي الكريمة- قبل أن ينطلق في رحلته للحج فهو بحاجة ماسة أن تسامحيه من قلبك بعد أن تلتمسي له الأعذار، فنحن نريد له حجًّا بلا شبهة، وثقي تمامًا أن مشاعر العفو هذه يراها الله سبحانه وتعالى ويجازيك عليها خيرًا؛ فالنوايا الخيرة هي أفضل ما يقوم به الإنسان، وثقي أنك ستجدين ثمار هذه النوايا قريبًا جدًّا.. دعوة من زوجك لأولادك يوم عرفة يستجيبها الله سبحانه قد تعوضك وتوفر جهدًا هائلاً تبذلينه في محاولة إصلاحهم، فساعديه أن يكون حجه مبرورًا، وجاهدي قلبك حتى يمتلئ بمشاعر العفو ولا تدعي الشيطان يوسوس لك بخواطر تجعلك دائما في حالة من حالات الغضب وعدم الرضا.. أسعد الله قلبك وألّف بين قلبك وقلب زوجك ورزقك بر أولادك.