كيف أنال فضل العشر الأوائل من ذي الحجة رغم انشغالي؟

<p>ونحن على أعتاب العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، أعلم أن العمل الصالح فيها أجره عظيم، ولكن أود أن تدلوني على بعض الأعمال التي أستطيع القيام بها في ظل الانشغال بطلب الرزق ورعاية بيتي وأسرتي، حتى لا أضيع ثواب وفضل هذه الأيام.</p>

أهلًا ومرحبًا بك أيها الأخ الكريم، وشكرًا جزيلًا على ثقتك بنا ومراسلتنا. أسأل الله العظيم أن يبارك في رزقك وذريتك، وأن يجعل أيامك كلها طاعة وقربى، وبعد...

 

فإن انشغالك بطلب الرزق ورعاية بيتك وأسرتك ليس عائقًا أبدًا عن اغتنام فضل هذه الأيام المباركة، بل هو في صميم العمل الصالح الذي تؤجر عليه بإذن الله. فديننا الحنيف دين اليسر والشمول، يراعي أحوال الناس وظروفهم، ويفتح لهم أبواب الخير على مصراعيها في كل زمان ومكان.

 

والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة أيام عظيمة القدر، شريفة المنزلة، وقد خصها الله تعالى بفضائل جمة، وقد ورد في فضلها قول رسول الله ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام» يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» [رواه البخاري].

 

فهذه الأيام فرصة عظيمة للمسارعة في الخيرات والتزود من الطاعات، وكل عمل صالح فيها مضاعف الأجر عند الله تعالى.

 

وحتى لا تفوتك هذه النفحات المباركة في ظل مسؤولياتك اليومية، إليك بعض الأعمال التي يمكنك القيام بها بيسر وسهولة، مع عظيم الأجر والثواب بإذن الله:

 

1- الإخلاص واحتساب الأجر في الأعمال اليومية:

 

اجعل نيتك خالصة لله تعالى في كل ما تقوم به من أعمال، سواء كانت في طلب الرزق أو رعاية الأهل والولد. فاحتساب الأجر في هذه الأعمال يحولها إلى عبادات عظيمة تؤجر عليها. قال ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه]. فاجعل سعيك في طلب الرزق بنية إعالة أهلك وذريتك طاعة لله، واجعل رعايتك لبيتك وأسرتك بنية القيام بحقهم عليك قربة إلى الله.

 

2- الإكثار من ذكر الله تعالى:

 

لا يشغلك عملك وبيتك عن ذكر الله تعالى، فهو اليسر كله والبركة كلها. أكثِر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير في هذه الأيام المباركة. قال ﷺ: «مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قطُّ إلَّا بُشِّرَ، ولا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قطُّ إلَّا بُشِّرَ»، قيل: بالجنةِ؟ قال: «نَعَمْ» [رواه الطبراني]. وقد ورد الترغيب في التكبير المطلق والمقيد في هذه العشر. فاجعل لسانك رطبًا بذكر الله في كل أحوالك.

 

3- الدعاء والتضرع إلى الله:

 

هذه الأيام أوقات استجابة للدعاء، فاغتنمها في سؤال الله من خيرَي الدنيا والآخرة. ادعُ لنفسك ولأهلك وللمسلمين، وتضرع إلى الله بقلب خاشع منيب. قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].

 

4- صلة الرحم والإحسان إلى الجيران:

 

صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله، وهي سبب للبركة في العمر والرزق. تفقَّد أقاربك وتواصل معهم ولو بالهاتف أو الرسائل. كذلك، أحسن إلى جيرانك وتفقد أحوالهم، فقد قال ﷺ: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» [متفق عليه].

 

5- قراءة القرآن ولو شيئًا يسيرًا:

 

اجعل لك وردًا يوميًّا من كتاب الله تعالى، ولو كان قليلًا. تدبر آياته واستشعر معانيها، فالقرآن نور وهدى وشفاء للصدور. قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29].

 

6- الصدقة ولو بالقليل:

 

تصدَّق بما تيسر لك، فالصدقة تطفئ غضب الرب وتزيد في الرزق وتدفع البلاء. قال ﷺ: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ» [رواه مسلم]. حتى اللقمة تضعها في فم زوجتك أو ولدك هي صدقة تؤجر عليها.

 

7- تربية الأبناء على الخير:

 

إن تربية الأبناء على طاعة الله وتعليمهم الخير من أعظم الأعمال الصالحة. اغتنم هذه الأيام في حثهم على الصلاة والذِّكر والأخلاق الفاضلة، فلك مثل أجرهم بإذن الله.

 

8- التوبة والاستغفار:

 

بادر بالتوبة إلى الله من جميع الذنوب والخطايا، وأكثر من الاستغفار في هذه الأيام المباركة. فالله تعالى يفرح بتوبة عبده، والاستغفار سبب للفرج والرزق. قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10-12].

 

9- الإكثار من النوافل قدر الاستطاعة:

 

إذا استطعت أن تزيد على فرائضك شيئًا من النوافل، كالسنن الراتبة للصلوات الخمس، وصلاة الضحى، وقيام الليل، والوتر، فهو خير عظيم. قال ﷺ: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» [رواه البخاري].

 

10- الصيام وخصوصًا يوم عرفة:

 

يُستحب الصيام في العشر الأوائل من ذي الحجة استحبابًا شديدًا، وخصوصًا يوم عرفة، لما له من فضل عظيم وأجر جزيل. فقد قال ﷺ حين سُئل عن صوم يوم عرفة: «يُكفّر السنة الماضية والباقية» [رواه مسلم].

 

وختامًا أيها الأخ الحبيب، تذكر دائمًا أن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع. فلا تحزن إذا لم تستطع القيام بكل هذه الأعمال، بل اجتهد فيما تيسر لك منها بقلب صادق ونية خالصة، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.

 

أسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال في هذه الأيام المباركة، وأن يجعلنا جميعًا من عتقائه من النار. آمين.