<p>ما ضوابط العمليات التجميلة ، ما الذي يجوز فيها وما الذي لا يجوز ، وما العلة والحكمة من هذه الأحكام؟</p>
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه العمليات التجميلية تنقسم إلى قسمين:
النوع الأول: هو لإصلاح عيب خِلقي كأن يكون للإنسان أصبع زائدة، أو تشوهات في الوجه أو أي جزء من أجزاء الجسم، وهذا التشوه يسبب له حرجًا اجتماعيًّا، أو ألمًا نفسيًّا أو بدنيًّا، وبالتالي يدخل هذا النوع في التداوي الذي حثنا عليه الإسلام وأمرنا بها من باب الأخذ بالأسباب.
النوع الثاني: هو الناتج عن الهوس الإعلامي بالجنس، والمتاجرة بالمرأة التي كرمها الله عز وجل، وحثنا النبي ﷺ على الرحمة بها، والشفقة عليها، فحولناها إلى تجارة رخيصة تباع وتشترى، وكأننا بهذا رجعنا إلى عهد الرقيق، فيطلب الزوج من زوجته أن تكون بشكل معين أعجبه، فيريدها أن تكون نحيفة، فيخضعها لمجموعة من العمليات المؤلمة، فيطلب منها شفط الدهون وتصغير الثدي والأرداف وغير ذلك.
ولذلك اجتمعت كلمة العلماء المعاصرين على جواز النوع الأول من عمليات التجميل؛ لأنه يدخل في باب التداوي، وحرمة النوع الثاني؛ لأنه يمثل نوعًا من أنواع تغيير الخلقة.
وقد تعرض عدد من الفقهاء المعاصرين، والمجامع الفقهية لهذه المسالة، وسنكتفي هنا بذكر قرار مجمع الفقه الإسلامي. وهذا نص قراره:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9– 14 تموز (يوليو) 2007م.
بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: الجراحة التجميلية وأحكامها، وبعد استماعه إلى المناقشات المستفيضة التي دارت حوله.
قرر ما يأتي:
أولا: تعريف جراحة التجميل:
جراحة التجميل هي تلك الجراحة التي تُعنى بتحسين (تعديل) (شكل) جزء أو أجزاء من الجسم البشري الظاهرة، أو إعادة وظيفته إذا طرأ عليه خلل مؤثر.
ثانيًا: الضوابط والشروط العامة لإجراء عمليات جراحة التجميل:
1- أن تحقق الجراحة مصلحة معتبرة شرعًا، كإعادة الوظيفة وإصلاح العيب وإعادة الخلقة إلى أصلها.
2- ألا يترتب على الجراحة ضرر يربو على المصلحة المرتجاة من الجراحة، ويقرر هذا الأمر أهل الاختصاص الثقات.
3- أن يقوم بالعمل طبيب (طبيبة) مختص مؤهل؛ وإلا ترتبت مسؤوليته حسب قرار المجمع رقم 142(8 / 15).
4- أن يكون العمل الجراحي بإذن المريض (طالب الجراحة).
5- أن يلتزم الطبيب (المختص) بالتبصير الواعي (لمن سيُجري العملية) بالأخطار والمضاعفات المتوقعة والمحتملة من جراء تلك العملية.
6- ألا يكون هناك طريق آخر للعلاج أقل تأثيرًا ومساسًا بالجسم من الجراحة.
7- أن لا يترتب عليها مخالفة للنصوص الشرعية، وذلك مثل قوله ـ ﷺ ـ في حديث عبد الله بن مسعود: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" [رواه البخاري]، وحديث ابن عباس "لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء" [رواه أبو داود] ولنهيه -ﷺ- عن تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء. وكذلك نصوص النهي عن التشبه بالأقوام الأخرى أو أهل الفجور والمعاصي.
8- أن تراعى فيها قواعد التداوي من حيث الالتزام بعدم الخلوة وأحكام كشف العورات وغيرها، إلا لضرورة أو حاجة داعية.
ثالثًا: الأحكام الشرعية:
1- يجوز شرعًا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:
أ- إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها لقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [ العلق: 4].
ب- إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.
ج- إصلاح العيوب الخلقية، مثل: الشفة المشقوقة (الأرنبية) واعوجاج الأنف الشديد والوحمات، والزائد من الأصابع والأسنان والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر.
د- إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليًّا حالة استئصاله، أو جزئيًّا إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة.
(هـ) إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًّا أو عضويًّا.
2- لا يجوز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعًا للهوى والرغبات بالتقليد للآخرين، مثل عمليات تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين، أو بقصد التدليس وتضليل العدالة، وتغيير شكل الأنف وتكبير أو تصغير الشفاه وتغيير شكل العينين وتكبير الوجنات.
3- يجوز تقليل الوزن (التنحيف) بالوسائل العلمية المعتمدة، ومنها الجراحة (شفط الدهون) إذا كان الوزن يشكل حالة مرضية ولم تكن هناك وسيلة غير الجراحة بشرط أمن الضرر.
4- لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة أو الحقن ما لم تكن حالة مرضية شريطة أمن الضرر.
5- يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزق بسبب حادث أو اغتصاب أو إكراه، ولا يجوز شرعًا رتق الغشاء المتمزق بسبب ارتكاب الفاحشة، سدًّا لذريعة الفساد والتدليس. والأَولى أن يتولى ذلك الطبيبات.
6- على الطبيب المختص أن يلتزم بالقواعد الشرعية في أعماله الطبية وأن ينصح لطالبي جراحة التجميل (فالدين النصيحة).
ويوصي بما يأتي:
1- على المستشفيات والعيادات الخاصة والأطباء الالتزام بتقوى الله تعالى وعدم إجراء ما يحرم من هذه الجراحات.
2- على الأطباء والجراحين التفقه في أحكام الممارسة الطبية خاصة ما يتعلق بجراحة التجميل، وألا ينساقوا لإجرائها لمجرد الكسب المادي، دون التحقق من حكمها الشرعي، وألا يلجئوا إلى شيء من الدعايات التسويقية المخالفة للحقائق.
والله تعالى أعلى وأعلم