بيتنا بعد الحب أصبح ساحة للصراع على النفقات

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أشرف م، عندي 33 سنة ومتزوج من سبع سنوات بعد علاقة حب عنيف، دخلت فيها في صراعات مع أهلي وأهلها كي أتزوجها، وبالفعل بعد معاناة دامت أكثر من سنتين تم الزواج، قضينا فيه أكثر من سنة لا يتوقف الكلام بيننا، ولا يكفي الوقت لكي ننهي أحاديثنا الممتدة، نتشارك كل صغيرة كبيرة.</p> <p>وأهم من كل هذا، كان يرضيها القليل من كل شيء، راتبي كان محدودا ككل شاب يبدأ حياته، وكانت راضية تماما، بل وسعيدة بكل ما أقدمه لها مهما كان صغيرا، وفجأة تغير كل شيء، ومع أنني لست ضد تحملي مسئولية بيتي ومستجداته مع كبر الأولاد ودخول كبيرهم المدرسة والآخر الروضة.</p> <p>لكن تحول حديثنا الرومانسي الهادئ لصراع على الاحتياجات والإنفاق وقصر ذات اليد وعدم كفاية الراتب لتلك الاحتياجات، كل يوم شجار يسمعه الجيران بعد عودتي من عملي المسائي، أي أنني لا أقصر، ولا أدخر، كل دخلي أضعه في يدها لتدبر حياتنا، لكنه لا يكفي من وجهة نظرها، ولست أدري ماذا أفعل؟</p> <p>لا تراني إلا وتشتكي وتطلب، محتاجة تغير الستاير، محتاجة تغير العفش، محتاجة ملابس للأولاد، محتاجة تكييف مثل صديقتها، أصبحت تقارن بيتنا بكل بيت حولنا لتكون المقارنة دائما في صالح الآخرين، لم يعد يكفيها تعبي وعدم التقاط أنفاسي بين العمل والآخر وقد عجزت عن ملاحقة أحلامها لأحققها.</p> <p>وأكثر ما يؤلمني، إننا بعد ما كنا بنتعامل بحب، اصبحنا نتعامل بحساب، نظرتها لي بكم أشتري، وكم أنفق؟ كم أتقاضى؟ حاسس إن حياتنا بتنتهي، أنا مش خايف من الفقر، أنا خايف من الجفاء اللي اتولد في بيتنا، والجشع اللي شايفه في طلباتها التي لا تنتهي، دلوني ماذا أفعل؟ هل أستسلم لتلك الحياة الجافة؟ أو كيف السبيل لعلاجها وإنقاذها؟</p>

بعد الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أرحب بك أولاً أخي الكريم على موقع استشارت مجلة المجتمع، وأهلا بك في أكل وقت، أقول وبالله التوفيق:

 

إن من أكثر ما يهدد استقرار البيوت في هذا الزمان هو مسألة الضغط المالي الواقع على معظم الأسر، وذلك للظروف التي يمر بها الشباب من قلة الدخل وكثرة تكاليف الحياة، وتعقيد الأمور من أولوياء الأمور ثم من الزوجات، ثم متطلبات الحياة المفروضة على الجميع من مصاريف مدارس وصحة وطقوس يومية لتسيير الحياة.

 

وما يزيد الأمر سوءًا هو المقارنة بين حياتنا وحياة الآخرين مع عدم الأخذ في الاعتبار لفروق الدخل وفروق مصارف الإنفاق، علاوة على غياب الوازع الديني والتربوي الذي يصاحبه الرضا أو عدمه، فتتحول الحياة لحالة من الصراع المادي، لتغيب في مقابلها العاطفة وتزداد المسافة بين الزوجين، فكيف السبيل إلى حل تلك الإشكالية؟

 

اعلم -يا أخي- أن مشكلتك لها عدة جوانب وليس جانبًا واحدًا، فلا أستطيع أن أتهم زوجتك أنها غير راضية تمامًا، أو أتهمها بأن عقيدتها مختلة، وإنما هناك نسبة في المشكلة تؤخذ على أنها نتيجة خلل عقيدي، وخلل سلوكي، وجزء منها احتياجات حقيقية ربما تؤثر على مسار الحياة بالفعل، ويكون الحل في هذه الحالة متعلقًا بحسن إدارة ميزانية الأسرة الشهرية أو الأسبوعية حسب الدخل.

 

وهنا يجب على الزوج والزوجة معًا أن يقرآ تلك السطور خاصة تلك القاعدة التالية والمكونة من شطرين؛ الأول: قاعدة الرزق، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ (الذاريات: 22)، فقضية الرزق مضمونة من الله عز وجل، لكن الإنسان هو من يتعب ذاته بالتفكير والضجر والاهتمام بالمظاهر وإرهاق جسده بمتاع الدنيا القليل والحياة أسرع مما نتخيل ولا تستحق كل هذا الثقل الذي نحمله عليها، وقد دعا النبي ﷺ بهذا المعنى، فقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا) (رواه مسلم)، أي ما يكفي يومهم لا ما يثقلهم.

 

وأما الشق الثاني من القاعدة فهو أن السكن النفسي لا يأتي من المال وحده؛ فالزواج ليس صفقة لتتحول الحياة بين الزوجين صراعًا حول حجم الإنفاق ومصارفه وقائمة من المطالب التي تعجز الزوج، أو توتر العلاقة بين الطرفين، كل هذا يفقد الزواج الهدف القائم من أجله وهو المودة والرحمة والسكن.

 

وقد كان النبي ﷺ يعيش أحيانًا أيامًا بلا طعام مطبوخ، كما روت عائشة رضي الله عنها: "كان يمر علينا الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، لا يوقد في بيت رسول الله نار، وإنما هما الأسودان: التمر والماء" [رواه البخاري].

 

فما حل مشكلتك أخي الكريم:

 

أولا: لتكن لكما جلسة حتى ولو بطرف ثالث يجيد الإصلاح، وأن يبدأ حواركما من جديد بلغة الرحمة والود، وليس بلغة الأرقام والشكوى، وليكن هناك اتفاق مبدئي على الأولويات، وعليها أن تعترف بالجهد الذي يبذله زوجها في سبيل توفير حياة كريمة، وعليه أن يقدر احتياجاتها الأساسية ليلتقيا في منتصف الطريق لتستمر الحياة.

 

ثانيا: والحديث هنا للزوجة، أن تكف عن المقارنات، والنبي ﷺ يقول: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" [رواه مسلم]، فالمقارنات تورث الحسد والنقمة.

 

ثالثا: تربية الزوج أولاده على القناعة والرضا بالموجود طالما أنه يبذل طاقته ويسعى سعيه، وتذكير زوجته بما كانا عليه.

 

رابعا: الدعاء ثم الدعاء، فالرزق يطلب بالدعاء والاستعانة بالله والتوكل عليه، فيقول النبي ﷺ: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا" [رواه الترمذي]، والفقر ليس في المال وحده، وإنما قد يكون في القلب والحب والتفاهم وهو أشد الفقراء، وقد قيل قديمًا "لقد وجدنا فقراء مساكين، لا يملكون إلا المال".

 

وهنا أود أن أرسل رسالتين للزوجين معًا:

 

الرسالة الأولى لك أخي الكريم:

 

نعلم جميعًا كم المعاناة التي تعانيه في هذا العصر كي يستقيم حال بيتك وتسد حاجاته، ونعلم أنك تبذل كل جهدك وربما لا تجد من يقدره، لكن تذكر أنك مسئول وراع قبل أن تكون مسئولا، وأن كلمتك الطيبة قد تستحوذ بها على أهل بيتك، وتذكر أن ما تقدمه ولو كان كثيرًا قد يكون سيئًا حين تقدمه في مغلفًا بالمن والغضب والشكوى من التعب، هم يحتاجون لرعايتك قبل مالك، لعطفك وحمايتك قبل لقمتك التي تضعها في فمهم، كن قريبًا بعاطفتك ولا تبتعد.

 

والرسالة الثانية إلى الزوجة وأرجو أن تعرضها عليها:

 

تذكري -يا حبيبتي- أن زوجك ليس ماكينة أموال سوف تكون ممتلئة لكل وقت تضغطين زر الحصول على المال، فهو إنسان يحمل الهم والمسئولية على كتفيه، فنومك بأمان تذكري أن وراءه رجلاً يمثل الحماية الأولى له، فلا تكوني له ثقلاً فوق أثقاله التي يحملها بطبيعته، قدري ما يقدمه مهما كان قليلاً طالما أنه يعمل ولا يوفر جهدًا في سبيل الحصول عليه من مصادره الحلال.

 

حبيبتي، ولا تثقلي عليه بالمقارنات، فإن كان رزقه محدودًا، فبالتأكيد لديه من المزايا ما ليس في غيره من الرجال، ولو خيرت مرات عديدة، ما اخترت سواه، قوي عزيمته بكلمات تشجيع بلسان طيب وقلب محب، كوني داعمة له لا حجرًا في طريقه، قلبك يتسع للجميع بما حباك الله به من صفات إذا استقام ولان وخضع لأمر ربه، فلا تخذليه وتضغطي عليه لتكوني عائقًا من حيث يجب أن تكوني دافعًا.

 

أسأل الله لكما السعادة ولبيتكما السلامة والرضا.