كيف أستطيع ترويض نفسي والسيطرة على غضبي؟

<p>الله يجزيكم الخير ويبارك في علمكم. الواحد بهالدنيا وهمومها وضغوطها، كتير مرات بيفلت أعصابه على أتفه شغلة، وخاصة مع أهل بيته وولاده. بعدين بقعد بلوم حالي وبعرف إني هيك عم أغضب ربي وعم خرب جو البيت اللي نفسي يكون هادي ومليان محبة. حاولت كتير أمسك حالي وما أعصب، بس دغري برجع بفقد السيطرة. فهل يا ترى في طريقة واضحة بديننا، وشي نصايح محددة من القرآن والسنة بتساعدني أروّض حالي وأتعلم الحلم والصبر وسعة البال؟</p>

أهلاً وسهلاً بك أيها الأخ الكريم، وجزاك الله خيرًا على كلماتك الطيبة ودعائك المبارك، وشكرًا جزيلاً على ثقتك بنا ومراسلتك لنا. نسأل الله العظيم أن يشرح صدرك وييسر أمرك، ويجعلك من الصابرين أولي الحِلْم، الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، وبعد...

 

فإن ما ذكرته أيها الفاضل من ضغوط الحياة وتقلباتها، وما يصاحبها من شعور بالانفعال وفقدان السيطرة على النفس، هو أمر يعتري كثيرًا منا في هذه الدنيا التي وصفها الله تعالى بأنها دار ابتلاء وامتحان.

 

ولكن الله سبحانه لم يتركنا نهبًا لهذه الضغوط والهموم، دون أن يرشدنا إلى ما يعيننا على تجاوزها وتحملها والتغلب عليها، فقد أنزل إلينا القرآن الكريم، وجعل سنة نبيه المصطفى ﷺ نورًا وهدى، ففيهما شفاء لما في الصدور، ودواء لكل داء، ومنهج قويم لحياة طيبة هادئة مطمئنة. وإن طلبك للعون والتوجيه في ذلك، لهو دليل على صدق إيمانك وحرصك على مرضاة الله وإصلاح نفسك وبيتك، وهذا والله هو عين الفلاح.

 

كيف نروض أنفسنا على الحلم والصبر؟

 

إن ديننا الإسلامي الحنيف لم يترك لنا خيرًا إلا ودلنا عليه، ولم يترك شرًّا إلا وحذرنا منه، وقد جاءت الآيات البينات والأحاديث الشريفة لتضيء لنا دروب السير إلى الله، وتزودنا بالمعونة اللازمة لتهذيب النفس وترقيتها، فإليك بعض النصائح والتوجيهات المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ:

 

1- الاستعانة بالله والدعاء:

 

إن أول وأعظم سلاح يملكه المؤمن هو اللجوء إلى الله تعالى، والتضرع إليه بقلب خاشع أن يعينه على نفسه وعلى الشيطان. فالله هو مقلب القلوب، وبيده مفاتيح الخير كله. قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]. وكان النبي ﷺ يدعو في كثير من أحواله: «يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك». [رواه الترمذي].

 

فأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله بصدق وإلحاح، أن يرزقك الحِلم والصبر وسعة الصدر، وأن يعيذك من شر نفسك ومن نزغات الشيطان.

 

2- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:

 

إن الغضب من نزغات الشيطان ووساوسه، وقد أمرنا ديننا بالاستعاذة بالله منه عند الشعور بالغضب. قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: 36]. واستبَّ رجلان في مجلس النبي ﷺ فاحمر وجه أحدهما وانتفخت أوداجه، فقال النبي ﷺ: «إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». [متفق عليه].

 

فعليك أيها الأخ الكريم، عند شعورك ببوادر الغضب، أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بقلب حاضر، مستشعرًا عظمة الله وقدرته على كف شر الشيطان ووساوسه.

 

3- تغيير الحالة:

 

لقد أرشدنا النبي ﷺ إلى تغيير الحالة التي يكون عليها الإنسان عند الغضب؛ لأن في ذلك قطعًا لدابر الثورة النفسية، فقال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع». [رواه أبو داود].

فإذا شعرت بالغضب وأنت واقف، فاجلس، وإذا كنت جالسًا فاضطجع، فهذا التغيير في الوضع الجسدي يساعد على تهدئة النفس وتخفيف حدة الانفعال.

 

4- الوضوء:

 

إن الوضوء عبادة عظيمة، لها فضل كبير في تطهير الظاهر والباطن، وقد ورد في السنة النبوية أن الوضوء يطفئ الغضب، حيث قال ﷺ: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من نار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ». [رواه أبو داود].

 

فعند شعورك بالغضب، سارع إلى الوضوء، واستشعر بركة الماء وهو يلامس أعضاءك، وتذكر أنك بذلك تمتثل لأمر النبي ﷺ، وتطلب العون من الله.

 

5- تذكر فضل كظم الغيظ والعفو:

 

لقد وعد الله –تعالى- عباده الذين يكظمون غيظهم ويعفون عن الناس بالمغفرة والجزاء العظيم في الجنة، قال تعالى: ﴿وسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ والأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ والْكَاظِمِينَ الغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133 و134]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». [متفق عليه].

 

فتذكر دائمًا هذا الفضل العظيم، واستحضر في قلبك الأجر الذي أعده الله للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، فهذا يدفعك إلى التحلي بهذه الصفة الحميدة.

 

6- التأني والتفكير قبل رد الفعل:

 

إن من أسباب فقدان السيطرة على النفس هو التسرع في رد الفعل، وعدم التفكير في عواقب الكلام أو الفعل عند الغضب. قال النبي ﷺ: «التأني من الله، والعجلة من الشيطان». [رواه الترمذي].

 

وإذا كان التأني من الله، فإن الله يحبه؛ ولهذا قال النبي ﷺ لأحد أصحابه: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة» [متفق عليه].

 

فتعوَّد على التمهل والتفكير مليًّا قبل أن تتفوه بكلمة أو تقدم على فعل وأنت غاضب، واستحضر في ذهنك عواقب ذلك على علاقتك بأهل بيتك وعلى جو الأسرة.

 

7- الاقتداء بالنبي في حلمه وصبره:

 

كان النبي ﷺ أسوة حسنة لنا في كل شيء، وقد كان أشد الناس حلمًا وأكثرهم صبرًا وسعة صدر، حتى مع من أساء إليه. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ قد أثرت بها حاشية البُرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ﷺ فضحك، ثم أمر له بعطاء. [متفق عليه].

 

تأمل في هذا الموقف العظيم، كيف قابل النبي ﷺ هذه الإساءة بالضحك والعطاء، وهذا دليل على عظيم حلمه وصبره. حاول أن تستحضر هذه المواقف في ذهنك عند الغضب، لتقتدي به ﷺ.

 

8- تدريب النفس على الحلم والصبر:

 

إن الحلم والصبر ليسا مجرد انفعالات عابرة، بل هما خصلتان تحتاجان إلى مجاهدة النفس وتدريبها عليهما باستمرار. قال النبي ﷺ: «إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحِلم بالتحلُّم، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومن يتَوَقَّ الشر يُوقَه». [رواه الطبراني].

 

فجاهد نفسك على التحلي بالحلم والصبر في المواقف المختلفة، وحاول أن تتجاوز عن الأخطاء الصغيرة، وأن تتغاضى عن الزلات، ومع مرور الوقت ستجد أن نفسك قد اعتادت على هذه الصفات الحميدة.

 

9- تذكر حقوق أهل بيتك وأولادك:

 

إن لأهل بيتك وأولادك عليك حقوقًا عظيمة، ومن أهمها توفير جو من المودة والرحمة والاستقرار في البيت. قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]، وقال ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي].

 

فتذكر دائمًا هذه الحقوق، وأن الغضب والانفعال يؤدي إلى تقويض هذه الأسس المتينة للأسرة، ويسهم في خلق جو من التوتر والشقاق.

 

10- محاسبة النفس ومراجعتها:

 

قبل النوم، خصص وقتًا لمراجعة يومك، وحاسب نفسك على ما صدر منك من أقوال وأفعال، وخصوصًا ما يتعلق بالغضب والانفعال. فإذا وجدت تقصيرًا فاستغفر الله وتب إليه، وعاهد نفسك على التحسن في اليوم التالي.

 

وختامًا أيها الحبيب، إن طريق ترويض النفس وتعلم الحلم والصبر وسعة البال هو طريق يحتاج إلى صبر ومجاهدة واستعانة بالله تعالى. فاستمسك بهدي كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، ولا تيأس من المحاولة والتكرار.

أسأل الله العظيم أن يوفقك ويسدد خطاك، وأن يجعل بيتك عامرًا بالمحبة والهدوء والسكينة، وأن يجمعنا وإياك في جنات النعيم. آمين.