يعاملني كفتاة ليل.. ما الحل؟

<p>السلام عليكم..</p> <p>أنا عروس متزوجة منذ حوالي شهرين والحقيقة إنني محرجة جدا من مشكلتي فأنا أشعر بالتعاسة وغير قادرة على البوح لأحد.. زوجي شخص متدين وخلوق ويعاملني بطيبة قلب.</p> <p>لكنني منزعجة من أمر العلاقة الخاصة فهو يتعامل معي كأنني فتاة ليل ويقول ألفاظًا سيئة لم أكن أتخيل أن يتلفظ بها.. مما جعل من هذا الموضوع عبء نفسي رهيب أختنق منه أحاول تأديته حتى لا يغضب الله علي ولكنني كثيرا ما أتساءل وهل ما يحدث بيننا يرضي الله عز وجل.</p> <p>لقد عشت عمري كله في بيت متدين، تربيت على الخلق القويم وعلى الحياء، والآن أشعر أن علي أن أنسلخ من هذا كله في هذا الوقت.. وأنا غير قادرة أن أكون غير شخصيتي.. أنا حائرة وخائفة وحزينة فهل أجد حلا لمشكلتي؟</p>

وعليكم السلام ورحمة الله، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك ابنتي الغالية في موقع الاستشارات الإلكترونية الخاص بمجلة المجتمع..

 

حبيبتي، خيرًا فعلت بالكتابة والاستشارة والبوح بما يزعجك، فالتجاهل لما نعانيه من مشكلات ليس حلاًّ، وإنما الإعلان عنها أو الإفراج عما يدور داخل قلوبنا هو الخطوة الأولى الصحيحة على طريق الحل.

 

مشكلة شائعة

 

ابنتي، أريدك أن تعرفي أن مشكلتك هذه ليست فردية بل هي مشكلة قطاع كبير من الفتيات المهذبات اللاتي يمتلكن قدرًا كبيرًا من الحياء ونشأن وتربين على أن هذا الملف ممنوع الاقتراب منه أو السؤال عنه حتى اصطدمن بواقع مغاير تمامًا عن تصوراتهن اللاتي استقينها من الصورة الخارجية لعلاقة الأم والأب في البيت، فالهدف من الزواج إنجاب الأطفال وتربيتهم والعلاقة الزوجية كما يتصورن تمثل جزءًا محدودًا من الحياة له طابع روتيني.. في الظاهر هن يتفهمن أنها غريزة أساسية وضرورة حياتية لكن في الواقع النفسي هي شر لا بد منه وضرورة غير مستحبة بل وربما غير لائقة، لمعرفة ما أقصده تحديدًا يمكنك قراءة الثقافة الجنسية للفتيات.. مسؤولية من؟

 

هل تعلمين –بنيتي- أن سبب فشل العديد والعديد من الزيجات وانتهائها بالطلاق هو الخلل الحادث في العلاقة الخاصة بين الزوجين.. عندما تستمعين للزوج وهو يشكو من أمور صغيرة تافهة بغضب شديد وانفعال حاد تعلمين فورًا أن هناك حاجة غير مشبعة تمثل ضغطًا نفسيًّا هائلاً عليه، ولأنها أمور من الصعب الحديث فيها تجدين مشكلات صغيرة تطفو للسطح ويتم تضخيمها وتحميلها طاقة الغضب وتندهشين أن زوجين -كل منهما نموذج مثالي للرجل والمرأة- يفشلان بهذه السرعة ودون أسباب جادة ظاهرة.

 

وأنت بالتأكيد –بنيتي- تريدين النجاح في حياتك لذلك كتبت لنا ما تعانين منه، ومشكلتك غاليتي تنقسم إلى قسمين.. القسم الأول هي مشكلات معرفية مرتبطة بأفكارك والصورة العقلية التي ترسمينها لشكل العلاقة الزوجية.

 

أما القسم الثاني فهو سلوكي مرتبط بقدرتك على التعاطي الإيجابي مع متطلبات العلاقة؛ وهو ما أثار انزعاجك ودفعك للكتابة لنا.

 

المشكلة المعرفية

 

ابنتي الكريمة، إحدى الإشكاليات الكبرى التي واجهت الإنسان هو كيفية التوفيق بين الطين والحمأ المسنون وبين النفخة الإلهية.. إنه الإنسان -يا ابنتي- ذلك الكائن مزدوج الطبيعة والذي لا يمكن إزاحة أحدهما وإلا كانت النتائج كارثية.

 

تأملي هذا الحديث الذي رواه مسلم عن حنظلة الأسيدي (انطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ﷺ، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: "وما ذاك؟." قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله ﷺ: "والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات"). ساعة تصفو الروح إلى مقامات عالية وساعة نلامس الأرض التي منها خلقنا.

 

والله سبحانه وتعالى جعل هذه الطبيعة المزدوجة متداخلة، فإذا كانت الغريزة الحسية هي قبضة الطين، فإن ذكر اسم الله في أولها هي نفخة الروح، يمتزج الاثنان معا ويشكلان الإنسان الحقيقي لا ذلك المزيف كذلك المادي الذي لا يؤمن إلا بالطين فيختنق فيه، أو ذلك الراهب الذي يعيش شططًا وقد يرتكس في أي لحظة كما نرى كثيرًا؛ لأنه يفتقد لجزء هو من طبيعة وجوده الأصيلة أتفهمينني؟

 

إذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن أن تسألي نفسك: هل أنظر للعلاقة الحسية بين الأزواج على أنها جزء أساسي وضروري؟ أم أنظر لها كأمر فرعي وغير أساسي أو غير مهم؟ أم أنظر لها كشيء قذر وغير لائق؟

 

أجيبي نفسك بصدق بما تؤمنين به داخلك وليس ما تظنينه إجابة صحيحة، فإذا كنت ما زلت ترينها غير مهمة، فتذكري قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ (الأعراف: 189)، وإذا كنت ترينها سلوكًا متدنيًا (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم.

 

المشكلة السلوكية

 

ابنتي الغالية، إذا تغيرت أفكارك وتغير وعيك فلا شك أن ذلك سينعكس على سلوكك فتكونين أكثر تقبلاً، ولكن الأمر يبدو أحيانًا صعبًا وبحاجة للتدريب والتكرار حتى يتحول السلوك لعادة.

 

لعلك الآن تقولين أنا متقبلة للعلاقة الزوجية، ولكنني أرفض سلوكيات زوجي معي أثناء العلاقة الزوجية وأشعر بالامتهان أو بحسب تعبيرك أشعر أنه يعاملني كفتاة ليل، وهنا يكون ضابط السلوك هو الشرع، فما هو محرم شرعًا مرفوض سلوكًا، وكل المسكوت عنه يدخل دائرة المباح ولا يمكن وصفه بالابتذال.. والمحرم في العلاقة الزوجية أن تتم أثناء الحيض ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222)، والأمر الثاني الممارسة الشاذة (ملعون من أتى امرأة في دبرها) [رواه أبو داود]، وغير ذلك فهو مباح غاليتي.

 

ابنتي الحبيبة، نحن في عصر السماوات المفتوحة وقد يكون زوجك رأى شيئًا وعلق في قلبه حتى بعد أن تاب، وقد يكون استمع للشباب يحكون عن أشياء فوقعت في قلبه، وقد يكون دون أي تحريض خارجي يشتهي أمورًا معينة (داخل دائرة الحلال) فما هو الحل؟ أجيبيني.

 

هناك حل من ثلاثة حلول:

 

الحل الأول: أن يشبع رغباته مع زوجته فتهدأ نفسه ويحصل على الأجر.

 

الحل الثاني: أن يشبع رغباته بطرق محرمة كالتعاطي مع المواد الإباحية أو التعامل مع فتيات الليل الحقيقيات.

 

الحل الثالث: أن يمارس ضبط النفس ويدخل في حرب مع نفسه حتى لا يخضع لهذه الرغبات (الحلال).. أريدك أن تختاري له.

 

أما بالنسبة للكلمات التي صدمتك أو ما يطلق عليه Dirty talk""، فإذا كان فيها سب أو قذف فلك الحق في رفضه، وعليك أن تتحدثي معه وتقولين له إن هذا أمر محرم "ليس المؤمن باللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، أما إن كان حديثًا صريحًا عن العلاقة الزوجية بتفاصيلها أو استخدام للغة العامية الدارجة في وصفها (وهو بالتأكيد أمر صادم بالنسبة لك) وهو بالتأكيد ليس النموذج الأفضل إلا إنه مباح ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْۚ﴾ البقرة: 187).

 

الرفث أصله قول الفحش يقال: رفث في كلامه يرفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح ثم جعل كناية عن الجماع وعن كل ما يتبعه.

 

ابنتي الكريمة، هناك طيف واسع لنوعية الكلام الذي يمكن أن يقال فأنت تتمنين سماع كلمات عاطفية تعبر عن الحب والاشتياق مثلا، وبعض الأزواج يفضل الكلمات التي تحمل معاني الدلال والمدح وبعضهم يفضل هذا الأسلوب الصريح خاصة، وقد لعبت الشبكة العنكبوتية دورًا كبيرًا في شيوع هذه النوعية من الكلام وربطها بالإثارة الحسية.. هي كانت موجودة نعم ولكن ليس على هذا النطاق الواسع، وزوجك ربما تأثر بذلك.

 

وأرى أن تتغافلي عما يزعجك طالما الأمر داخل دائرة المباح، ويساعدك على ذلك أن تمارسي تمارين التنفس العميق والاسترخاء قبل العلاقة الزوجية، فهذا يجعلك أكثر تقبلاً وتجاوبًا وأقل إنزعاجًا، وبالتدريب والتكرار ستشعرين أن الانزعاج يقل خاصة مع ارتفاع الوعي المعرفي لديك.. أسعد الله قلبك وأقر عينك بزوجك، وتابعيني بأخبارك.