لماذا يصعب عليَّ الاعتذار عن أخطائي؟ وكيف أصلح ذلك؟

<p>أنا مشكلتي إني لما بتعصب أو بكون مضايقة، ممكن أقول كلمة تجرح اللي قدامي أيا كان بقى جوزي، ابني، بنتي، قريبتي، صاحبتي، زميلتي.</p> <p>بعد كده ضميري بيوجعني أوي وأحس إني عملت حاجة مش كويسة وزعلت اللي قدامي. بابقى عايزة أصالحه وأقول له أنا آسفة، بس مش عارفة ليه بيكون صعب عليا أوي إني أعترف بغلطي وأعتذر على طول.</p> <p>بحس بحاجة كده مانعاني، زي ما يكون مكسوفة ولا متكبرة من جوايا ومش عارفة إزاي أقولها. وبسيب الموضوع يعدي وخلاص، من غير ما أقول أنا غلطانة بلساني، وده طبعًا مش بيخلي الدنيا ترجع زي الأول مع اللي زعلته<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا عارفة إن الاعتذار ده حاجة كويسة وبتبين إن الواحد متواضع وبيصلح اللي عمله. فإزاي بقى أقدر أتعود عليه وأخليه حاجة عادية في حياتي؟</p> <p>إزاي ما أتكسفش وأعتذر على طول وأتحمل مسؤولية اللي عملته؟</p> <p><span dir="RTL">ياريت تفيدني ربنا يكرمك</span>.</p>

أهلاً وسهلاً بكِ أختي الكريمة، وشكرًا جزيلاً لثقتكِ بنا ومراسلتكِ إيانا، وأسأل الله العظيم أن يشرح صدركِ وييسر أمركِ ويجعلكِ من الصالحات القانتات، وبعد...

 

فإن النفس البشرية مجبولة على الضعف والتقصير، وقد يزل اللسان في لحظة انفعال بكلمة تؤذي الآخرين، وهذا أمرٌ يعتري كثيرًا منا. ولكن من صفات المؤمن أنه رجّاع إلى الحق، والاعتراف بالخطأ، والسعي لإصلاح ما أفسده.

 

أختي الفاضلة، إن شعوركِ بالضيق وتأنيب ضميركِ بعد صدور الكلمة الجارحة منك دليلٌ على خيرٍ في قلبكِ ورغبةٍ صادقةٍ في التغيير، وهذا هو أول طريق الإصلاح، وأهم خطوات التخلص مما تعانينه.

 

إن ديننا الحنيف قد أَولى اهتمامًا بالغًا لحفظ اللسان وطيب الكلام، وحذَّر أشد التحذير من الكلمات الجارحة التي تُحدث شرخًا في العلاقات وتُورث ضغائن في القلوب. قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]. فالله -عز وجل- يأمرنا بأن نُلين القول للناس جميعًا، فما بالكِ بمن تربطكِ بهم أواصر المحبة والقرابة؟

 

وقد حثّنا نبينا الكريم ﷺ على اختيار الكلمات الطيبة، بل وجعلها صدقة، فقال: «الكلمة الطيبة صدقة» [متفق عليه]. وفي المقابل، حذّرنا من عواقب الكلمة السيئة، فقد تؤدي إلى الهلاك والعياذ بالله، كما جاء في الحديث: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والمَغْرِبِ» [متفق عليه].

 

أما بالنسبة لمشكلة صعوبة الاعتذار التي تواجهينها، فاعلمي –أختي الكريمة- أن الشيطان هو الذي يوسوس لك في صدركِ، ويُزين لكِ الكبر، والأنفة من الاعتراف بالخطأ. إنه يحاول أن يُبعدكِ عن فضيلة عظيمة حثَّ عليها ديننا، ألا وهي التواضع ولين الجانب. فالتواضع صفةٌ يحبها الله ويرفع بها العبد، وقد قال ﷺ: «ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» [رواه مسلم].

 

إن الاعتذار ليس ضعفًا أو مهانة؛ بل هو قوةٌ وشجاعةٌ تدل على نُبل النفس ورجاحة العقل. إنه يُطفئ نار الغضب، ويُلين القلوب ويُعيد المياه إلى مجاريها. تذكري دائمًا قول الله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]. فالعفو يكون أبلغ وأسمى بعد القدرة على المؤاخذة، والاعتذار هو خطوةٌ عظيمةٌ نحو هذا العفو.

 

كيف تتعودين على الاعتذار؟

 

1- الاستعانة بالله والدعاء:

 

ابدئي باللجوء إلى الله تعالى بقلبٍ صادقٍ، واسأليه أن يُعينكِ على التغلب على هذه العقبة، وأن يُلين قلبكِ للاعتذار. أكثرِي من قول: "اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها".

 

2- مجاهدة النفس وتذكيرها بالفضل:

 

ذكِّري نفسكِ دائمًا بفضل الاعتذار وعظيم أجره عند الله، وبأنه يُصلح ذات البين ويُذهب الشحناء. استشعري الأثر الطيب الذي سيتركه اعتذاركِ في قلب من جرحتِه بكلامك، وكيف سيزيد ذلك من محبتكما وتقاربكما.

 

3- التدرب على الاعتذار:

 

قد يكون الأمر صعبًا في البداية، ولكن حاولي أن تتغلبي على هذا الشعور بالخجل أو الكبر تدريجيًّا. ابدئي بالاعتذار في المواقف الصغيرة والبسيطة، وتدربي على قول كلمات الاعتذار بصدق ولين وصوت مسموع.

 

4- اختيار الوقت والمكان المناسبين:

 

عندما تشعرين بالندم على ما قلتِه، لا تترددي في الاعتذار، ولكن اختاري الوقت والمكان المناسبين لذلك. تحدثي مع الشخص الذي أسأت إليه على انفراد، وأظهري له صدق ندمكِ وحرصكِ على مشاعره.

 

5- التعبير عن الندم بصدق:

 

عند الاعتذار، لا تكتفي بكلمة "آسفة"، بل عبِّري عن ندمكِ بصدق، وأوضحي أنكِ لم تقصدي إيذاءه، وأنكِ تقدِّرين مشاعره.

 

6- تحمُّل مسؤولية الفعل:

 

اعترفي بخطئكِ وتحملي مسؤولية ما قلتِه دون تبرير أو إلقاء اللوم على الطرف الآخر. هذا يدل على نضجكِ وصدقكِ في الاعتذار.

 

7- المبادرة بالصلح:

 

لا تنتظري حتى يبدأ الطرف الآخر بالصلح، بل بادري أنتِ بالاعتذار والسعي لإزالة ما في نفسه. قال ﷺ: «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» [متفق عليه]. والاعتذار هو نوع من أنواع السلام والمودة.

 

8- تجنُّب ما يلجئ للاعتذار:

 

بعد الاعتذار، اجتهدي في التحكم في غضبكِ وفي اختيار كلماتكِ بعناية في المستقبل، حتى لا تضطري إلى الاعتذار مرة أخرى. استعيذي بالله من الشيطان الرجيم عند الغضب، وتوضئي، وحاولي تغيير مكانكِ أو الانشغال بشيء آخر حتى يهدأ غضبكِ.

 

وختامًا أختي الفاضلة، أسأل الله -عز وجل- أن يُنير بصيرتكِ، ويُقوي عزيمتكِ على فعل الخير والمسارعة إليه. تذكري دائمًا أن إصلاح ذات البين من أعظم القربات إلى الله. لا تيأسي من محاولة تغيير نفسكِ للأفضل، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

 

كوني قويةً بالله، واستعيني به في كل أموركِ، وستجدين حلاوة الإيمان وراحة البال في طاعة الله ورضاه. حفظكِ الله ورعاكِ، وتابعينا بأخبارك.