ابني المدمن حوّل حياتنا إلى جحيم!!

<p>دكتورة أميمة</p> <p>أنا أم أمر بمشكلة كبيرة جدًّا، فلدي ابني مدمن، ومتزوج ولديه ثلاثة أبناء، أدخلناه مصحة لعلاج الإدمان فترة، وبعد أن خرج منها عاد إلى إدمان الآيس مرة أخرى، وجربنا معه كل الحلول، ولم تفلح.</p> <p>المشكلة الأخرى أنه سبب كل المشكلات بيني وبين والده، فكثيرًا يكون عصبيا ويتعارك معنا ومع إخوته، وفي مرة كسر أثاث شقته، وكلما وقفت حاجزًا بينه وبين والده طردني زوجي من البيت بسبب أنني أدافع أو أمنع عنه ضرب أبيه.</p> <p>دكتورة، لقد حوّل حياتنا إلى جحيم، وأخاف على إخوته ليكونوا مثله، فما الحل، وكيف نعالجه، وقد ذكرت أنه دخل مصحة لعلاج الإدمان قبل ذلك وتعافى، لكنه عاد أسوأ مما كان.. أفيديني، جزاكم الله خيرًا.</p>

أيتها الأم، كريمة القلب، عظيمة الابتلاء، صادقة الوجع...

 

أشعر بما تعانين منه، وأقدّر عمق ألمك، فحينما يُبتلى القلب بابنٍ غالٍ، كانت النفس تأمله قرة عين، ثم تنقلب الأيام فتراه أداة لانفراط عقد الأسرة وتصدّع جدار السكينة، يكون الألم مضاعفًا، ولكن اعلمي أن الصبر في البلاء جهاد، وأنتِ مأجورة عليه بإذن الله تعالى.

 

أولاً: عن نكوصه بعد العلاج:

 

انتكاسة ابنك بعد خروجه من المصحة ليست فشلًا كما يظن البعض، بل هو أمر شائع، ويُعرف بـ(Relapse) ، أي: الانتكاس، وهنا تكون انتكاسة بعودة الشخص إلى سلوك الإدمان بعد فترة من الإقلاع. ولها أسباب كثيرة: منها عدم وجود دعم نفسي وعائلي مستمر بعد خروجه، وغياب برامج إعادة التأهيل السلوكي والاجتماعي المتدرجة.

 

وهذا يعني أن إدخاله المصحة مرة واحدة لا يكفي، بل يحتاج إلى خطة علاجية شاملة لما بعد الخروج، تشمل:

 

- جلسات علاج معرفي سلوكي (CBT).

 

- برامج الدعم الأسري والزوجي (Family Counseling).

 

- الدمج التدريجي في الحياة العملية والمجتمعية.

 

- متابعة مع أخصائي نفسي (Addiction Specialist) لفترة لا تقل عن عام.

 

ثانيًا: عن تصرفاته العنيفة:

 

ما يفعله ابنك من تكسير وعنف وسلوك عدواني، هذه من أعراض آثار المادة الإدمانية على الدماغ، فهي تؤثر على مراكز الضبط الانفعالي (Prefrontal Cortex)، وتسبب خللاً في التقدير السلوكي والانفعالي.

 

ومن هنا، لا يصح أن يُواجه مَن في حالته، بالعنف أو الضرب من والده؛ لأن ذلك يكون مردوده كالآتي:

 

- يُفاقم الاضطراب النفسي لديه.

 

- يُفقده الثقة في أهله.

 

- ويشجعه على مزيد من الهروب من الواقع بالإدمان.

 

قال رسول الله ﷺ: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه".

 

ثالثًا: موقفك كأم.. بين القلب والعقل:

 

يا أختي الأم الحنون، ما تفعلينه من الحماية ومنع الضرب عنه ليس دفاعًا مذمومًا، بل هو فطرة الأمومة، لكنكِ في ذات الوقت تحتاجين إلى الاتزان بين التعاطف والحزم التربوي.

 

ولذلك، أوصيك بما يلي:

 

1- لا تتحملي العبء وحدك، واطلبي استشارة من مختص أسري يعالج الأسرة كلها وليس الفرد فقط.

 

2- لا تجعلي نفسك حاجزًا جسديًّا بينه وبين أبيه، بل كوني "حلقة وصل حازمة" توصل الرسائل بحكمة دون صدام.

 

3- حددي له قواعد سلوكية منزلية واضحة، مثل: لا عنف، لا تهديد، لا تكسير، مقابل السماح له بالبقاء في المنزل أو قرب الأطفال (وأعلم أن هذا أمر صعب تحقيقه، ولكن لا بد من المحاولة مع الصبر).

 

رابعًا: ضرورة الحماية البدنية والنفسية للأبناء الآخرين:

 

هذا القلق الذي يسكن قلبك على إخوته قلق مشروع، لكن التعامل معه ينبغي أن يكون بمنهج تربوي:

 

- لا تذكري أخاهم أمامهم بالسوء، كي لا يترسخ لديهم نموذج الفشل.

 

- اغرسي فيهم الثقة بأنهم قادرون على اختيار الطريق السليم، وليعتبروا مما آل إليه حال أخيهم.

 

- راقبي سلوكهم دون تضييق، وشجعي أي سلوك ناضج يظهرونه.

 

ولا تنسي الحديث النبوي: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، فهذا دورك الآن، فاصبري واحتسبي مع الأخذ بالأسباب قدر استطاعتك.

 

خامسًا: أما عن كيفية الحل والعلاج:

 

فالحل يحتاج إلى منظومة علاجية أسرية متكاملة، وليس فقط إدخال المصحة.

 

وأنصحك بالتالي:

 

1- التواصل مجددًا مع خط الدعم الوطني لعلاج الإدمان (16023) وطلب إعادة التقييم وخطة المتابعة بعد العلاج.

 

2- طلب جلسات توجيه نفسي لكِ كأم، وللأب، من أجل الدعم الأسري والتربوي، إن أتيح لكم الأمر.

 

3- توعية زوجك لفهم معنى الانتكاسة، وأنه بحاجة لتفهّم وإدراك معنى "لا للقسوة".

 

4- تهيئة جلسات دعم فردية لأطفال ابنك إن تأثروا سلبًا، للحماية من "العدوى النفسية السلوكية".

 

* همسة أخيرة من قلب أم إلى قلب أم:

 

يا أختي، إنّ ما تمرين به شاق قولاً واحدًا، لكن لا تظني أن الله غافل عن دمعك، ولا عن صبرك، فهو القائل: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.

 

أنتِ لا تحصدين تعبًا، بل تغرسين نبتًا، وستقطفين بإذن الله ثماره يومًا، ولو بعد حين.

 

أسأل الله أن يهدى ابنك ويشفيه ويصلحه، وأن يريح قلبك تجاهه وتجاه إخوته وأبنائه.