<p>لو سمحتي يا دكتورة أميمة، أنا محتاجة حضرتك جدًّا ومش عارفة أعمل إيه<span dir="LTR">!</span></p> <p>أنا طالبة في تالتة إعدادي، وطول عمري بذاكر مع صاحبتي اللي ساكنة جنبنا، إحنا متعودين نذاكر سوا من وإحنا صغيرين، وبنفهم بعض جدًا، وبصراحة أنا بتفوق وأنا بذاكر معاها أكتر من لما بذاكر لوحدي، حتى المدرسين نفسهم كانوا دايمًا بيشجعونا على كده<span dir="LTR">.</span></p> <p>المشكلة بدأت لما بابا رجع من السفر من كام شهر، هو كان مسافر بره وراجع على المعاش واستقر معانا، ومن يومها وهو رافض تمامًا إننا نذاكر سوا<span dir="LTR">!</span></p> <p>بيقوللي: "مفيش حاجة اسمها تذاكري مع صحابك، دي حجة لللعب والضحك"، وكل ما أشرحله إننا متعودين وإننا بنذاكر بجد، بيرفض يسمعني خالص، وبيقفل الموضوع تمامًا<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا مش قادرة أركز، كل ما أمسك الكتاب بحس إني تايهة، مش عارفة أبدأ منين ولا أراجع إزاي، ومفيش وقت أصلاً، الامتحانات قربت جدًا، وأنا فعلاً مش عارفة أعمل إيه<span dir="LTR">!</span></p> <p>أنا بحب بابا وعايزة أرضيه، بس في نفس الوقت تعبت، وحاسة إني بتراجع ومش قادرة أوصل لحاجة من غير صاحبتي<span dir="LTR">.</span></p> <p>هل حضرتك شايفة إنّي غلط؟ أعمل إيه؟ وإزاي أتكلم مع بابا من غير ما يزعل؟</p> <p>مستنياكي تردّي عليا، وشكرًا قوي على وقت حضرتك<span dir="LTR">.</span></p>
ابنتي العزيزة،
أحيِّي فيكِ صدقكِ في عرض المشكلة، ووعيكِ بمشكلتكِ في هذا الوقت الحساس من العام الدراسي، وتقديركِ لوالدكِ رغم تعارض رأيه مع ما اعتدتِ عليه، وهذا يدل على نضج في شخصيتكِ، واحترام للأسرة، وهو بداية طيبة للحل إن شاء الله.
دعيني أبدأ حديثي من جانب نفسي وتربوي، ثم أنتقل إلى جوانب أخرى:
أولاً: في مثل مرحلتك الدراسية، وهي عادة ما تكون في أوائل المراهقة، يكون الاعتماد على الصديق المقرب في الإنجاز والمذاكرة ظاهرة طبيعية يُطلق عليها في علم النفس التربوي الاعتمادية الأكاديمية (Academic Dependency)، وهي مفيدة في بعض الحالات، لكنها إن تجاوزت حدها، تحولت إلى فقدان للثقة الذاتية التعليمية.
ولذلك، فإن أول ما أدعوك إليه هو أن تُعيدي اكتشاف قدراتك الذاتية في المذاكرة الفردية، حتى لا ترتبط قدرتك على النجاح بوجود أحد بجوارك؛ لأن التفوق الحقيقي يبدأ من الداخل، لا من الخارج.
كما أن ملازمتك لصديقتك لن تستمر طوال مدة دراستكما، وحتمًا ستفترقان عن بعضكما يومًا ما لاختلاف دراستكما الجامعية على الأغلب.
ثانيًا: دعيني أفسّر موقف والدكِ من زاوية تربوية:
والدكِ –كما يبدو– عاش فترة طويلة خارج البيت بسبب السفر، والآن عاد وهو يُحاول أن يُعيد بناء دوره كأب ومربٍّ وموجّه. لذا فمن الطبيعي أن يُريد أن يُثبت وجوده وأن يضع ضوابط جديدة، لكنها جاءت فجأة بالنسبة لكِ، وبدون تمهيد.
وقد يكون والداكِ – بحكم ثقافته وتجربته – لا يرى في المذاكرة المشتركة إلا بابًا للتشتّت أو إهدار الوقت، فهو ينظر من زاوية الحماية والحرص، لا من زاوية العناد أو القسوة.
ثالثًا: الحل في هذه الحالة يكون بالحوار الهادئ، والبنّاء.
لا تُواجهيه بالرفض أو الحزن، بل اختاري وقتًا مناسبًا، وتحدثي معه بهدوء، قولي له مثلًا: "يا بابا، أنا مقدّرة خوفك عليّ، وعارفة إنك بتقول كده علشان مصلحتي، بس فعلاً أنا وصاحبتي بنذاكر سوا بجد، ولو حضرتك تحب، ممكن تشوف بنفسك طريقة مذاكرتنا، أو حتى نذاكر هنا في البيت تحت إشرافك، بس أرجوك تساعدني أعدي المرحلة دي بنجاح".
حاولي إقناع والدك بما يُعرف بأسلوب “I-messages” في حوارك معه، وهو أن تعبّري عن شعوركِ دون اتهام أو لوم، مثل: "أنا بحس إني بتوتر لما بذاكر لوحدي، وده بيخليني مش مركّزة، وعايزة أعدي الامتحانات بنجاح."
رابعًا: استثمري الوقت في تطوير طريقتك في المذاكرة الفردية، واستعيني بالله أولًا، ثم ببعض المهارات التربوية، مثل:
- استخدام Active Recall الاسترجاع النشط.
- تقسيم الوقت باستخدام التعلم الذاتي عبر الفيديوهات أو الخرائط الذهنية.
وختامًا حبيبتي: تذكري أن طاعة الوالد واجبة، ما دامت لا تُخالف أمرًا شرعيًّا. والنبي ﷺ قال: "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد".
ولكن الطاعة لا تعني الصمت التام، بل تعني الحوار باحترام، والتماس الرضا بالحكمة، وهو ما تحتاجه المرحلة التي تمرين بها.
ثم ثقي بنفسك، واستحضري دائمًا نية السعي للعلم كعبادة. قال رسول الله ﷺ: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة".
* وهمسة أخيرة إلى صغيرتي:
كل ما تمرين به الآن هو جزء طبيعي من مرحلة النمو النفسي والاجتماعي. لا تقلقي، فقط خذي بالأسباب، وعبّري عن نفسكِ باحترام، وتذكّري دائمًا أن الله لا يُضيع من أحسن نيته وسعيه.
معكِ قلبي ودعائي لك بالتوفيق والتفوق.