<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،</p> <p>أنا شاب متزوج منذ فترة، والحمد لله، زوجتي تتمتع بقدر كبير من الجمال والأخلاق، وهي إنسانة طيبة جدًّا، تحترمني وتُقدّرني، ولم أرَ منها إلا كل خير<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكنّي أعاني من مشاعر مربكة تُثقل قلبي، وأخجل أن أُفصح عنها، حتى أمام نفسي أحيانًا<span dir="LTR">...</span></p> <p>قبل زواجي، كنت أحب فتاة حبًّا كبيرًا، حبًّا صادقًا نشأ بيننا في إطار الاحترام والعاطفة النظيفة، ولكن لم يُكتب لنا النصيب، وتفرّقت طرقنا بسبب ظروف مختلفة، بعضها عائلي، وبعضها بسبب اختلافات فكرية<span dir="LTR">.</span></p> <p>هي من طلبت الانفصال في النهاية، رغم تمسّكي بها في البداية. وبعد الفراق، تغيّرت كثيرًا للأسوأ، سواء في سلوكها، أو طريقة تعاملها مع الآخرين، بل وحتى في مظهرها العام<span dir="LTR">.</span></p> <p>مرت الأيام، وتجاوزت ألم الفراق جزئيًّا، إلى أن ارتبطت بزوجتي الحالية، والتي لا مجال للمقارنة بينها وبين من كنت أحب؛ فزوجتي أفضل منها شكلًا، وخلقًا، وعقلاً، وتعاملًا<span dir="LTR">.</span></p> <p>ومع كل ذلك، لا أزال أُفاجأ بأن قلبي بين الحين والآخر يتذكر حبيبتي السابقة، بل أحيانًا أشعر أنني ما زلت أحبها<span dir="LTR">!</span></p> <p>تؤلمني هذه المشاعر، لأنها لا تتفق أبدًا مع المنطق أو حتى مع قناعاتي، ولا أجد لها تفسيرًا<span dir="LTR">.</span></p> <p>أشعر أحيانًا بالذنب تجاه زوجتي، وأحيانًا أشعر أنني مظلوم بمشاعري... كيف أُحب من لم تَصُن مشاعري، وأتعلق بماضٍ لم يَعُد فيه ما يُغري حتى بالتذكر؟<span dir="LTR">!</span></p> <p>أتمنى أن أجد تفسيرًا نفسيًّا لهذا التعلّق الغريب، وهل هذا طبيعي أم مؤشر لخلل عاطفي لدي؟</p> <p><span dir="RTL">وكيف أتحرر من هذا الشعور المربك، وأمنح زوجتي كل الحب الذي تستحقه؟</span></p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أيها السائل الكريم، أحيي فيك صدقك وشفافيتك في عرض مشاعرك، ولا شكّ أن مجرد اعترافك بالحيرة والقلق، وحرصك على فهم نفسك، هو أولى خطوات النضج والوعي، فبارك الله فيك، ووفقك إلى سُبل الرشد والطمأنينة.
أود أن أبدأ حديثي معك من زاويتين: الأولى إنسانية نفسية، والثانية تربوية شرعية، لتتضح لك الصورة من كل جوانبها.
أولاً: من الزاوية النفسية:
فمشاعرك هذه ليست غريبة كما تتخيل، بل هي ظاهرة مفهومة في علم النفس تُعرف باسم الارتباط العاطفي المتبقي Residual Emotional Attachment، فحين نمر بعلاقة حب قديمة، خصوصًا إذا كانت أول تجربة حب حقيقية، تتكون داخل النفس أنماط ارتباطية تُسمى Emotional Imprints أو "بصمات وجدانية"، تبقى حتى بعد انتهاء العلاقة، خاصة إن لم تُغلق أبوابها داخليًّا بإغلاق ناضج ومتصالح.
هذه الذكريات تتغذى أحيانًا على ما يُسمى بـ "تشوّه الذاكرة الانتقائية"، أي أننا نتذكّر من العلاقة القديمة اللحظات الجميلة فقط، ونغفل عن آلامها وأسباب فشلها، فنقارن بين "ذكرى محبّبة من الماضي" و"واقع نعيشه الآن" بحلوه ومرّه، وهذا غير عادل لا لك، ولا لزوجتك.
كذلك، فإن الحنين ليس بالضرورة حبًّا، بل قد يكون اشتياقًا لصورة شعورية سابقة كنت تشعر فيها بالقبول أو التقدير، وليس بالضرورة اشتياقًا حقيقيًّا للشخص ذاته كما هو الآن، بل كما كان أو كما تتخيله.
ثانيًا: من الزاوية التربوية الشرعية:
فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ، وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، فكم من حبٍّ تمسّكنا به، وكان فيه الأذى لو قُدّر له أن يستمر، ولكن الله برحمته صرفه عنا، وبدّلنا خيرًا منه!
ثم إن ما تعيشه اليوم هو نِعمة لا تُقدّر بثمن؛ زوجة صالحة، حانية، أجمل خُلقًا وخَلقًا، تُحبك وتقدّرك... فهل من العدل أن يُقابل هذا الرزق المبارك بحنينٍ إلى ما لم يُكتب لك فيه الخير؟
قال رسول الله ﷺ: «مَن أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، مُعافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، وكذلك قال ﷺ: «خير متاع الدنيا، الزوجة الصالحة».
وأقول لك: من أصبح في بيت فيه زوجة صالحة تُسعده وتستر عليه، فقد أُعطي من الدنيا زهرتها، فلا تظلمها بماضٍ لم يعُد لك ولا منها.
* والحل؟!
أولاً: أغلق باب الماضي إغلاقًا ناضجًا واعيًا، واعترف داخليًّا أن هذا الحب لم يَعُد مناسبًا، بل كان مرحلة وانتهت، وقد أبدلك الله خيرًا.
ثانيًا: أعد تشكيل ذاكرتك بطريقة واقعية، واستحضر الأسباب التي جعلتك تفترق عنها، وتذكّر كيف تغيرت صفاتها، وكيف أنك الآن مع من هي أنقى وأجمل وأصلح.
ثالثًا: درّب نفسك على الامتنان العاطفي Emotional Gratitude، وهي مهارة نفسية تعني استحضار النعم التي تعيشها حاليًا، وتقديرها بشعور ممتن، وهذا يعزز من مشاعرك تجاه شريكة حياتك الحالية.
رابعًا: لا تعذب نفسك بالذنب، ولكن اجعل هذا الشعور دافعًا نحو الإخلاص العاطفي؛ فالقلب أمانة، ومن الوفاء أن تعطي زوجتك حقها الكامل من الحب والاهتمام.
* همسة أخيرة:
انظر لمن هي الآن جوارك، لا لمن تركتك وراءها.
لا تُهدر قلبًا احتضنك يومًا واحتوى وجدانك.
واعلَم أن من علامات نضج الرجل أن يكون وفيًّا لمن اختارته الحياة له بعد اصطفاء الله تعالى.
أسأل الله أن يُطهّر قلبك، ويملأه رضا، وأن يجعل لك في زوجتك سكنًا ومودة ورحمة، ويبارك لكما في حياتكما.