هل ابني أصبح لصًّا؟!

<p>أنا ابني في أولى إعدادي، وكنت حاسة إنه بدأ يبقى بخيل معانا شوية، يعني بيصرف على نفسه جامد، لكن معانا لأ. من فترة لقيته بيصرف كتير، فقلت له: بتجيب منين؟ كان دايمًا يقولّي إنه بيحوش من مصروفه طول الأسبوع ويصرفهم مرة واحدة في الخروجة<span dir="LTR">.</span></p> <p>في العيد اللي فات استغربت لما لقيته معاه مبلغ كبير، سألته قالّي إنه كان عامل جمعية مع أصحابه، ولما كلمت أبوه، ضغط عليه وسأله، لكنه قال نفس الكلام: &quot;أنا كنت بحوّش وكنت عامل حسابي أطلعهم في العيد&quot;، وفعلاً صدقناه لأنه فعلاً مصروفه زينا زي بقية ولاد صحابه، وبيصرف قدهم ومش ناقصه حاجة<span dir="LTR">.</span></p> <p>بس اللي حصل النهارده هزّني جدًا! كنا في زيارة عند والدتي، وأنا كنت شارية لها شوية حاجات ودفعت الحساب، فلما والدتي فتحت محفظتها تحاسبني قالت لي: الفلوس ناقصة ٣٠٠ جنيه، وكانت متأكدة إنها حطاهم. أنا طبعًا اتوترت وافتشت شنطتي وشنط العيال ومالقتش حاجة<span dir="LTR">.</span></p> <p>دخلت أوضته وبدأت ألمّح، لقيته متوتر. فضلت أدور حواليه، لحد ما رفعت المرتبة بتاعة السرير اللي كان نايم عليه، ولقيت الفلوس مطبّقة زي ما والدتي وصفتها بالضبط<span dir="LTR">.</span></p> <p>سألته، قالّي معرفش، وفضل يعيط بصوت عالي ويقول: مش أنا! وأنا اتعصبت وضربته علي وشه من القهر، ورحت رجعت الفلوس لوالدتي، اللي كانت باين عليها إنها متأكدة إنه هو اللي خدهم، بس قررت تعدّي الموضوع وتهدي الأمور<span dir="LTR">.</span></p> <p>رجعت له وقلت له: &quot;أنا شوفتك وإنت بتحط الفلوس تحت المرتبة، بس مش هقول لأبوك، قولي الحقيقة&quot;، مع إني ما شوفتوش فعلًا، بس كنت بحاول أطلّع منه الحقيقة<span dir="LTR">.</span></p> <p>اعترف أخيرًا وقال لي: &quot;فلوس الدرس كانت ضاعت مني وخوفت أقول، فقلت آخد من تيتا مؤقتًا<span dir="LTR">.&quot;</span></p> <p>اتصدمت أكتر من التبرير ده، وقولتله: &quot;يعني سرقة تيتا اللي بتصرف علينا وبتحرم نفسها عشاننا هو الحل؟<span dir="LTR">&quot;</span></p> <p>أنا حاليًا تايهة، ومش عارفة أتصرف إزاي، لأن أبوه لو عرف هيتصرف بعصبية شديدة، وممكن يفقد الثقة فيه تمامًا. وفي نفس الوقت أنا مش عايزاه يتعود يكدب ويسرق لو اتحط في موقف تاني. إحنا مش بنبخل عليه، وبنديله مصروف زيه زي أصحابه، وبنوديه مدرسة مش رخيصة، وكل طلباته متوفرة<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا دلوقتي محتارة: أواجه أبوه؟ أسيب الموضوع يعدّي؟ أتكلم معاه تاني؟ ولا أعمل إيه عشان ما يكرّرش الغلط ده؟<span dir="LTR">!</span></p>

أختي الحبيبة،

 

هوّني على نفسك، أعلم قدر معاناتك وألمك النفسي وصدمتك في سلوكيات ابنك، حين تكتشفين هذا التصرف المرفوض منه، والذي لا يتماشى مع القيم التي زرعتها فيه، ولا مع الثقة التي منحتها له.

 

وأول ما أودّ طمأنتكِ به، أن ما حدث -رغم خطورته التربوية- لا يعني أن ابنك "سارق" أو أنه يسلك طريق الانحراف، لا قدر الله.. بل هو موقف فردي، تحت ضغط نفسي واضح، ويمكن تجاوزه بإذن الله إذا أحسنتِ التعامل معه.

 

فهذا النمط من التصرف يُعرف تربويًّا بـ Impulsive Moral Misjudgment، أي "سوء تقدير أخلاقي بدافع انفعالي"، وهو سلوك يظهر في بدايات المراهقة، عندما لا يزال الضمير الأخلاقي في طور التشكّل، ويغلب على الطفل أحيانًا التفكير السطحي أو قصير المدى.

 

وهنا سوف أقدم لكِ التحليل التربوي والنفسي لما حدث، لعله يساعدك في ضبط النفس:

 

1- ابنك لم يسرق بدافع الطمع أو الفساد الأخلاقي، بل بدافع الخوف من العقاب أو الشعور بالحرج.

 

وهذا ما يسمى في علم النفس بـ "سلوك التجنّب القائم على الخوف"، وغالبًا ما يظهر عند الأطفال الذين يشعرون أن أخطاءهم لا تُغفر بسهولة أو أن العقاب قاسٍ جدًّا.

 

2- محاولته الإنكار والصراخ والبكاء، هي آلية دفاع نفسي يحاول بها الطفل أن يُبعد عن نفسه الذنب قبل أن يشعر بالأمان الكافي للاعتراف.

 

3- اخفاؤه للنقود تحت المرتبة، يدل على أنه لا يزال يمتلك قدرًا من الوازع الأخلاقي يتمثل في الخجل، ولكنه مُشتت داخليًّا، ويحتاج إلى إعادة بناء هذا الوازع بهدوء وحنان.

 

4- وقد يكون بالفعل يأخذ بعض المال منكم ليصبح في دائرة الأمان الخاصة به من (وجهة نظره).

 

فأحيانًا وبتقدير الطفل لحاجته للإنفاق في بعض الأوقات على أشياء يحبها أو يشتهيها، ولكن مصروفه الفعلي لا يلبي احتياجاته إليها، رغم ثقتكم من كونكم تعطونه ولا تحرمونه.. فهنا يستحل الطفل أن يؤمن نفسه ليكون دائمًا معه فائض من المال إن احتاجه، وخاصة في الأشياء التي قد تمانعونه في شرائها لأنكم ترون فيها نوعًا من الأخطار الصحية أو غيرها عليه.

 

* ونصائحي لكِ في الخطوات التربوية العملية التالية:

 

1- الفصل بين السلوك والشخصية..

 

قولي له: "أنا زعلانة من التصرف، مش منك"، حتى لا يتكون لديه ما يُعرف بـ Guilt Identity  أو "هوية الذنب"، التي قد تُنتج شخصية مهزوزة تشكّ في صلاحها.

 

2- التأديب يكون بالحوار لا بالإهانة..

 

فاستمعي إليه، واسأليه: "كنت خايف من إيه؟"، "حسّيت بإيه وإنت بتخبّي الفلوس؟"، "كان ممكن تعمل إيه غير كده؟".. هذا يسمى في التربية Guided Self-Reflection، أي مساعدته على التفكير في السلوك وتبعاته.

 

3- الاعتذار واسترداد الحق لصاحبه..

 

وهذه من أهم وسائل التربية الخاصة بأخذ أشياء الغير، فكونه يُعطي المال بنفسه لجدته، فهذا يعزز شعوره بضرورة إعادة الحقوق لأصحابها وعدم تكرار ما حدث منه، حتى لا يصبح في موقف مخز، وأن يعتذر بلغة بسيطة: "أنا آسف يا تيتا، وخلاص مش هكرر ده تاني."

 

وهذا يُسهم في بناء الإيجابية الذاتية، ويشعر بما يسمى Responsibility Ownership، أي تحمّل نتائج السلوك بإيجابية.

 

4- الابتعاد عن التهديد بعنف الأب:

 

فلا تجعلي خوفه من أبيه هو الدافع الوحيد للصدق، بل ازرعي فيه الرقابة الذاتية، وأن الله تعالي يراه، حيث قال النبي ﷺ: "اتقِ الله حيثما كنت"، وكذلك قال ﷺ: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، فاجعلي الله حاضرًا في وجدانه، لا العصا أو الصراخ.

 

 

5- ويحبذ أن تراعي إعادة النظر في أسلوب المصروف:

 

الأفضل من الآن تنظيم مصروفه بشكل يُشعره بالمسؤولية، كأن يُعطى مبلغًا أسبوعيًّا ويدوِّن مصروفاته في دفتر بسيط. وهذه الطريقة تُساعد في بناء الانضباط الذاتي.

 

6- ومن المهم جدًّا، طمأنة نفسكِ وتهدئة مشاعرك..

 

فلا تجلدي ذاتك ولا تعيشي في وساوس الاتهام، بل اعتبري هذا الموقف محطة تربوية مهمة، وأنتِ الآن أمام فرصة ذهبية لبناء ضمير ابنك، لا لتحطيم ثقته بنفسه وإرهاق مشاعرك..

 

* وهمسة أخيرة لأختي:

 

أذكّرك بقول الله تعالى: {إنّ الحسنات يُذهبن السيئات}، فإن أحسنتِ بناء ابنك من جديد، فسترين منه ما يسرّك بإذن الله تعالى. وثقي أن الطفل الذي يبكي بعد الخطأ، لا يزال قلبه حيًّا، ينتظر من يرشده لا من يكسره.

 

مع خالص دعائي لكِ بالسكينة، ولولدك بالهداية.