حكم إجبار من يدخن في بيتي على ترك التدخين!

<p>أحيانا قد يزورنا ضيف أو يأتي عامل لإصلاح شيء ما فى البيت وأثناء وجودهم قد يبدأون فى التدخين فأقوم بنصحهم وإعلامهم حكم التدخين.. هل إذ لم يتوقفوا عن التدخين بعد نصحهم يجب علي فى هذه الحالة إجبارهم على التوقف عن التدخين لأنهم في بيتي؟</p>

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالتدخين معصية باتفاق العلماء المعاصرين، خاصة بعدما أكد الأطباء ومنظمات الصحة العالمية أنه خطر على صحة الإنسان، وقد يمتد هذا الخطر إلى القريبين من المدخن، والإنسان حر في بيته، يفعل فيه ما يشاء، ومن حقك أن تمنعي المدخنين من دخول البيت، لأنهم يرتكبون معصية مجمعًا عليها أولا، ثم يتسببون في الأذى لك ولأولادك ثانيًا، وقد قال النبي: "لا ضرر ولا ضرار".

 

روى الترمذي بسنده عن رسول الله: "لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه".

 

قال شراح الحديث: نهى النبي عن أن يقعد الإنسان في بيت الرجل على تكرمته، والتكرمة: ما يخص به ويكرم من فراش ونحوه، إلا أن يؤذن له، وهذا النهي عن القعود على تكرمة الرجل في بيته؛ لأن المكان الذي يجلس فيه صاحب البيت والدار عادة يكون محلا لأشياء لا يحب أن يطلع عليها غيره، أو يكون مشرفًا على داره كلها، أو على ما يريده هو، فيرى منه أحوال أهل بيته، ويبلغهم ما يريد، فإذا أذن لغيره بالجلوس، علم أن المكان آمن من ذلك كله. انتهى.

 

فإذا كان الرجل لا يؤم الرجل في الصلاة في بيته إلا بإذنه، ولا يجلس في مكانه إلا بإذنه، فمن باب أولى لا يدخن ويؤذيه ويؤذي أولاده، ويمكن لمن ابتلي بهذه العادة السيئة أن يدخن خارج بيوت الناس.

 

أما حكم التدخين فيقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في حكم التدخين في فتوى مطولة ننقل لك منها:

 

ليس للقول بحل التدخين أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره وسيئ آثاره وعلم بها الخاص والعام وأيدتها لغة الأرقام.

 

وإذا سقط القول بالإباحة المطلقة؛ لم يبق إلا القول بالكراهة أو القول بالتحريم، وقد اتضح لنا مما سبق أن القول بالتحريم أوجه وأقوى حجة، وهذا هو رأينا؛ وذلك لتحقق الضرر البدني والمالي والنفسي باعتياد التدخين؛ لأن كل ما يضر بصحة الإنسان يجب أن يُحرَّم شرعًا.

 

والله تعالى يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195)، ويقول جل جلاله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (النساء: 29)، ويقول الله عز وجل: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأنعام: 141)، {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} (الاسراء: 26-27)، فهناك ضرر بدني ثابت وهناك ضرر مالي ثابت كذلك، فتناول كل ما يضر الإنسان يحرم لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (النساء: من الآية 29)؛ من أجل هذا يجب أن نفتي بحرمة هذا التدخين في عصرنا.

 

والواقع الذي لا شك فيه هو أن الأطباء يجمعون على أن في التدخين ضررًا مؤكدًا. صحيح أن ضرره ليس فوريًّا، ولكنه ضرر تدريجي، والضرر التدريجي كالضرر الفوري في التحريم، فالسم البطيء كالسم السريع كلاهما يحرم تناوله على الإنسان.

 

والانتحار محرَّم بنوعيه السريع والبطيء، والمدخن ينتحر انتحارًا بطيئًا، والإنسان لا يجوز أن يضر أو يقتل نفسه، ولا أن يضر غيره؛ ولهذا قال النبي ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار"، أي لا تضر نفسك ولا تضر غيرك، فهذا ضرر مؤكد على نفس الإنسان بإجماع أطباء العالم؛ لهذا أوجبت دول العالم على كل شركة تعلن عن التدخين أن تقول إنه ضار بالصحة بعد أن استيقن ضرره للجميع؛ لهذا لا يصح أن يختلف الفقهاء في تحريمه.

 

والله تعالى أعلى وأعلم