حائر بين ابني وزوجتي.. مشكلة شائكة وحلول مقترحة

<p>أنا رجل في الخامسة والأربعين متزوج منذ عام زوجة جديدة، فلقد توفيت زوجتي بعد أزمة قلبية مفاجئة وتركت لي ابنًا في الخامسة عشرة وبنتًا في الخامسة وطفلاً في الثانية من عمره، واضطررت للزواج بعد ستة شهور من وفاة زوجتي من أجل الأطفال الصغار<span dir="LTR">.</span></p> <p>زوجتي الثانية أرملة أيضا ولديها ولد في السابعة من عمره،</p> <p>مشكلتي في ابني الكبير فهو مثير للمشاكل بطريقة فظيعة، فجدته والدة أمه وخالاته يثيرونه ضد زوجتي وآخر مشكلة أثارها كانت مرتبطة بابن زوجتي فهو يقول لي بعد سنوات قليلة كيف سيعيش معنا وأنا عندي أخت بنت.</p> <p>أنا أشعر بالاختناق ولست أدري كيف أحل هذه الخلافات، فزوجتي تهتم بأطفالي الصغار ولكنها دائمة الشكوى من ابني الكبير وهو يعاندها ويتحدث معها بطريقة وقحة حتى إنني صفعته أمامها..&nbsp;هل&nbsp;من&nbsp;نصيحة؟</p>

أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع..

 

مشكلتك -أخي الكريم- مكونة من عدة مشكلات صغيرة أو على وجه الدقة مكونة من عدة مشكلات دقيقة ذات طبيعة حساسة؛ لذلك فأنت بحاجة لكمية كبيرة من الذكاء العاطفي والحكمة في التعامل مع هذا التحدي؛ فاستعن بالله كي يوفقك ويلهمك هذه الحكمة ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

 

صدمة مضاعفة

 

دعنا نبدأ من ابنك الكبير الذي هو في مرحلة المراهقة المتوسطة.. هذه المرحلة العاصفة بالمشاعر حيث يبدأ تشكل الشخصية الحقيقي في الظهور، وهي المرحلة التي يحتاج فيها الابن إلى البيئة الداعمة والأجواء الهادئة والاستقرار العائلي.. الحاجة تكون ماسة لشعور المراهق بالتقبل والاحتواء حتى تمر مرحلة المراهقة بزوابعها وقد أسفرت عن شخصية ناضجة قادرة على إدارة حياتها، لكن ابنك فُجع بصدمة وفاة والدته فجأة وغالبًا ما تمثل الأم مصدر الحب والحنان والتفهم ويستطيع الأبناء التعبير عن دواخلهم بحرية أكبر معها.. فجأة فقد ابنك هذا كله ولم يكد يستفيق من هذه الصدمة حتى فوجئ بصدمة زواجك من أخرى.

 

ابنك -يا سيدي الفاضل- يعيش في مجتمع يعتبر ما قمت به سلوكًا غير مقبول يدل على عدم وفائك للزوجة الراحلة خاصة بعد شهور قليلة من وفاتها، ولعل عذرك الوحيد أمام هذا المجتمع هو أطفالك الصغار.. طبعًا ثقافة المجتمع هذه لا علاقة لها بشرع الله عز وجل.. فالله سبحانه وتعالى يعلم حاجات الإنسان الحقيقية ويمنحه الحق في إشباعها بطريقة نظيفة، بينما مثالية المجتمع المزيفة كانت سببًا في إشاعة الفاحشة والعقد النفسية.

 

لكنني هنا أحاول شرح الضغوط والصدمات التي يعيشها ابنك الذي هو جزء من هذا المجتمع، خاصة أن جدته وخالاته واللاتي يمثلن صورة انعكاسية للأم الراحلة يعبرن عن الرفض والغيرة والغضب فأصبح الفتى واقعًا تحت تأثير كم هائل من الضغوط والصدمات النفسية.. ضغط المراهقة التي تعبث بإعدادات جسده ونفسيته.. صدمة رحيل الأم الحنون.. صدمة زواجك.. الضغط الثقافي للمجتمع.. ضغط الجدة والخالات؛ فكانت النتيجة هذا الأسلوب الوقح الذي يتكلم به.

 

يا سيدي الفاضل، ابنك كان بحاجة لصبرك واحتوائك وحوارك الهادئ معه المرة تلو المرة وليس بحاجة لصفعات على وجهه أمام امرأة يعتبرها غريمته وغريمة أمه الراحلة.

 

نظرات مستقبلية

 

تفهمك لما يعيشه ابنك هو المفتاح الذي يترتب عليه الحل، وهذه نماذج لخطوات على طريق الحل، فمن ذلك:

 

* لا بد أن تتحدث مع زوجتك وتشرح لها أبعاد المشكلة بهدوء وصبر وتطلب منها تفهمها ودعمها.. بالتأكيد لا يعني هذا أن تظلمها أو تتهاون في أي إساءة تتعرض لها، ولكن كثيرًا من المشكلات يمكن تلافيها إذا استخدمتم استراتيجية "التجنب"؛ ففي هذه المرحلة لن يتقبل ابنك زوجتك الجديدة مهما فعلتم، فلا تضغط عليه، وزوجتك أيضًا يصعب عليها التعامل معه وهي تشعر برفضه وربما بكراهيته لها.

 

لذلك فتجنب الاحتكاك في هذه المرحلة سيكون أفضل.. أنت بحاجة لتفهمها جدًّا، ولكن التفهم لن يصمد أمام عناد مراهق وضعها خصمًا لأمه؛ لذلك فعليك أن تضع خارطة طريق للتعامل بينهما تقلل فيها مساحة الاحتكاك للحد الأدنى وتكون أنت الوسيط بينهما، وهذا يقتضي منك حضورًا يقظًا، فأنت المسئول عن مصروفه ونفقته وليست زوجتك بحال.

 

لو استطعت أن تكون غرفته لها خصوصية في البيت يكون أفضل، فبعض البيوت يكون فيها حجرة خارجية للضيوف لها مرافق خاصة بها، فإن استطعت الحصول على بيت له مثل هذه المواصفات فسيكون أفضل لابنك ولزوجتك.

 

إذا أرادت زوجتك أن تطلب شيئًا من ابنك أو تنتقد شيئًا يكون ذلك عبرك كوسيط.. والعكس لو كان ابنك هو ما يحتاج شيئًا أو يريد التعليق على شيء فليكن عبرك.

 

أعلم أن هذا أمر مجهد لك، ولكنه أفضل من الصدامات والمواجهات على الأقل في هذه المرحلة حتى يحدث لون من الاعتياد والألفة بمرور الوقت.

 

الأمر البالغ الأهمية الذي عليك أن تعمل فيه بشكل مواز هو أن تساعد كل طرف على تفهم الآخر وتلتمس لكل طرف الأعذار، وتمنح كل طرف مشاعرك وحنانك التي لا بد أن تتسع لتشمل الجميع.

 

* من أهم الخطوات على طريق الحل أن تود والدة زوجتك الراحلة فتأخذ الأولاد وتذهب لزيارتها وتراعي مشاعرها كأم مكلومة، فتحكي لها كم كنت تحب الراحلة وأنه لا يوجد زوجة مثلها وأنك اضطررت للزواج من أجل الصغار الذين بحاجة لامرأة للاهتمام بشئونهم.. قبّل رأسها واطلب منها الدعاء.. وبعد عدة زيارات اطلب مساعدتها وأن تحدث ابنك الكبير أن الظروف تغيرت وأن عليه أن يحترم السيدة التي ترعى إخوته الصغار.. فلو أنك استطعت أن تكسب دعم الجدة فسيكون الطريق ممهدًا لقلب ابنك وعقله.

 

* أخي الفاضل، أنت بحاجة أيضًا أن تهتم بزوجتك الجديدة وتراعيها حتى تستطيع تحمل كل هذه الضغوط، والحب والاهتمام يرفع طاقة الإنسان لأقصى حد، فامنحها هذا الحب والاهتمام، وحاول أن تعوضها ما تواجهه من ضغوط، وتعامل مع ابنها اليتيم بلطف وحنان كأنه ابنك بالفعل حتى تتعامل هي الأخرى برقة واحتواء لأبنائك.

 

* أنت أيضًا بحاجة للاسترخاء والهدوء حتى تستطيع إدارة كل هذه الملفات الشائكة؛ فاستعن بالله تعالى حتى ييسر لك كل عسير، فأنت الرجل القوام المسئول الذي ينبغي أن يمسك في يده كل الخيوط بتوازن والذي عليه أن يعلم متى يكون مبادرًا ومتى يتراجع .. متى يكون هادئًا ومتى عليه أن يكون حازمًا، وكيف يغلف حزمه بالحنان، وكيف يكون مراقبًا لكل التفاصيل حتى يستطيع التدخل في الوقت المناسب.

 

* بقيت نقطة مهمة أثارها ابنك كون أن لديك طفلة ولزوجتك طفلاً متقاربًا معها في العمر وبعد بضع سنين سيكونان بالفعل وصلا لمرحلة البلوغ والمراهقة، فلا يجعلك غضبك من ابنك تتجاهل وجود مشكلة مستقبلية ولا تنتظر حتى تفاجئك الأمور، فعليك خلال هذه السنوات أن تمتلك مسكنًا يمثل خصوصية لابنتك، وفي الوقت ذاته لا يفصل الابن عن أمه.. يمكنك أن تفكر في شقتين متجاورتين حتى لو كان الحجم صغيرًا، أو بيت من طابقين، أو شقة لها غرفة منفصلة بمرافقها.

 

وعليك أن تطمئن قلب ابنك وجدة أبنائك أنك لست بغافل عن أبنائك الصغار، وكن كذلك بالفعل فلا تغفل عنهم، امنح زوجتك ثقتك وراعِ ابنها، ولكن أيضًا تابع تفاصيل ما يجري في بيتك واستمع بموضوعية لشكوى ابنك وتحقق منه بطريقة هادئة حتى تحدد أيها شكاوى كيدية وأيها تمثل ظلمًا يقع على صغارك.. أعانك الله ويسر لك كل أمورك.