<p>هل درس علم النفس ظاهرة الإلحاد؟ وكيف ينظر إلى الإلحاد خاصة أن علم النفس علم حديث ونشأته كانت بعيدة عن الدين واتخذ أغلب رواده موقفًا معاديًا من الدين؟</p>
الإلحاد ظاهرة يجب أن تأخذ حظها من الرعاية والاهتمام، ومن الضروري ألا يُنظر إليها باستخفاف، ومن الواجب أن تتشابك علوم ومعارف متنوعة لمواجهتها؛ فمواجهة الإلحاد هي الرسالة الكبرى للأنبياء، وقضية الأديان الرئيسية.
ولكن هل يعبر الإلحاد عن أزمة نفسية عصبية تعرض لها الملحد فقرر مغادرة حيز الإله إلى جحوده؟ وهل نظر علم النفس إلى الإلحاد بعيدًا عن حيز الاعتقاد والدين، وسعى لفهم الإلحاد ومناقشته على أرضية علمانية بحتة باعتباره مرضًا نفسيًّا؟ إن مناقشة العلاقة بين علم النفس والدين هي المدخل لفهم القضية.
لا يمكن القول إن العلاقة بين الإيمان والطب النفسي كانت واضحة على الدوام، لكنها تطورت حتى استطاع العلماء بناء تصور مقبول عن تفاعل العامل الديني مع الصحة النفسية.
فالخبرة السابقة تشير إلى أن الطب النفسي الغربي غالبًا ما تجاهل البعد الديني والروحاني في الصحة النفسية، وكان الدين والتدين يوصف في الأوساط العلمية بأنه "آخر محرمات الطب النفسي"، لكن في السنوات الأخيرة زاد الاهتمام بالطب النفسي وعلاقته بالدين والتدين، وتشير دراسة إحصائية إلى أنه خلال أربعة عشر عامًا من 1999 حتى 2013م تم إنتاج ما يقرب من (30) ألف بحث ودراسة تناقش تلك العلاقة.
ومن هنا فإن علم النفس، أو على الأقل اتجاهًا واسعًا في علم النفس أخذ يبحث عن تأثير الدين على النفس وإمكانية استخدامه كقوة علاجية، أو حتى اللجوء إليه لتفسير المرض النفسي.
في العام في عام 1995م نُشرت دراسة بعنوان "لماذا يتجاهل الأطباء النفسون الدين؟" قالت إن الطب النفسي الحديث أهمل الآثار العلاجية للمعتقدات الدينية، وإن تلك الفجوة القائمة بين الطب النفسي والدين تُعد حديثةً نسبيًّا، ومن أسبابها اهتمام الطب النفسي بالجوانب المادية والبيولوجية للأمراض النفسية وإهماله للرؤية الدينية، لكن أخطر ما نبهت إليه الدراسة هو التأكيد بأن الكثير من الأطباء النفسيين يعتقدون أن الدين مرتبط بالاضطرابات النفسية.
أما عن سؤالكم عن نظرة الطب النفسي للإلحاد، فنشير إلى أنه في نهاية القرن العشرين، وتحديدًا في العام 1999م، نشر عالم النفس الأمريكي "بول فيتز" كتابه "نفسية الإلحاد: إيمان فاقد الأب" ناقش فيه تأثيرات التربية والنشأة في دفع الشخص لتبني الإلحاد، مستعرضًا سير حياة عدد من الملحدين من رواد النهضة الأوروبية، والتي شهدت قدرًا كبيرًا من القسوة، وظلت آثار تلك القسوة ملازمة لهم طيلة حياتهم.
طرح "فيتز" ما أسماه "التقصير الأبوي" كمسبب للإلحاد، ويبدو أن تأثير المسيحية كان طاغيًا في الرؤية التي طرحها "فيتز"، فاعتقد أن الشخص الغربي ينظر للأب كتجسيد للإله، وحين تختل العلاقة بين الأب والابن، أو حتى حين يموت الأب، فإن الابن يشك في حقيقة الإله ووجوده، ويلجأ إلى إراحة ضميره فيلجأ إلى الإلحاد، فينكر الإله غير المشاهد، لأزمته مع الأب المُشاهد.
وتلا كتاب "فيتز" بحث آخر عام 2007م، قام به عالم النفس الأمريكي "بنيامين هلاهمي" أجراه على أعضاء "الاتحاد الأمريكي للإلحاد المتقدم" وكشف عن أن نصف الذين أنكروا وجود الإله قبل عمر العشرين من الشباب الذين أجريت عليهم الدراسة ألحدوا بسبب مشاكل نفسية تتعلق بفقد أحد الوالدين أو معاناة في الطفولة أو اختلال أسري.
نبهت تلك الأبحاث على العوامل النفسية أثناء عملية التنشئة والتي قد تقف وراء الإلحاد، وهنا ننجد أن علم النفس بدأ في شحذ معارفه وأدواته للنظر إلى الملحد على أرضية معرفية تستدعي الدين لفهم الظاهرة، وتستدعيه كإحدى أهم أدوت العلاج النفسي.