هل النشاط الإلحادي يشهد طفرة؟

<p>هل فعلا النشاط الالحادي يستدعي القلق والاهتمام أم أن هناك مبالغة في الحديث عن الإلحاد ولا داعي للقلق؟</p>

تشير دراسات إلى أن عدد الملحدين يبلغ 850 مليونًا في العالم أي ما يعادل (14٪) من عدد سكان الأرض، أما في المنطقة العربية فمنذ العام 2013م وهناك الكثير من استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات غربية وعربية تؤكد وجود تزايد في أعداد الملحدين، وتزايد في الأنشطة الإلحادية.

 

لا تكف التقارير والأخبار عن التأكيد على أن الإلحاد ذو مؤشر مرتفع عالميًّا وعربيًّا، وأن الملحدين باتوا أكثر "ذكاء" في التعبير عن حقيقة عدم انتمائهم الديني، ونكرانهم للخالق سبحانه وتعالى، فأصبحوا يسمون أنفسهم بـ"اللاأدريين" الذين لا ينتمون إلى دين، ناهيك عن الملحدين صراحة، وكذلك الذين يكتمون إلحادهم خشية الناس.

 

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت دورًا في الإحساس بالإلحاد، فأصبح البعض يسعى لتحقيق الشهرة من خلال إعلان إلحاده، وكأن الإلحاد اكتشاف علمي يجب على الناس أن يحتفوا به؛ لذا تجد وسائل الإعلام تبرز أخبار هذا الملحد وتتحدث عنه، وتتعاطف مع إلحاده وترى أن له مبررات يجب ألا تُغفل، وأن أهل الأديان مسؤولون عن إلحاده، وهكذا تكبر كرة الثلج حتى يظن الناس أن أبواب الإلحاد قد فتحت على مصرعيها.

 

والحقيقة أن ظاهرة الإلحاد مركبة متداخلة، تتشابك مع عوامل متعددة من الفشل السياسي والظلم الاقتصادي والجمود في تقليد المجتمع، وضعف الخطاب الديني وهشاشته الفكرية، وافتقاد القدوات في المجتمع، إضافة إلى أزمات الأسرة وحالة الإحباط الممسكة بالشباب، وهو ما يجعل الإلحاد قد يكون عارضًا مرضيًّا للبعض لفترات في مقابل العمر، أو في وقت الأزمة والإحباط.

 

ففي استطلاع للرأي أجري في تركيا عام 2021م، أشار إلى أن عدد الملحدين زاد من 2% إلى 7%، لكن في المقابل زادت نسبة الذين يحافظون على الصلاة من الأتراك من 42% عام 2008م إلى 44% عام 2021م، كما زادت كذلك نسبة الذين لا يُصلون مطلقًا من 17% إلى 24% خلال نفس الفترة.

 

يعلق المفكر والسياسي التركي "ياسين أقطاي" على نتائج ذلك الاستطلاع بالتأكيد على وجود تغيرات في البنية المجتمعية، وهذه التغيرات قد تؤدي إلى تدهور القيم الإنسانية الكبرى من الرحمة والتعاطف والتضامن، لكن الأهم فيما أشار إليه أقطاي هو أن منطق الآلة هو الذي يفرض نفسه على الجميع، وهذا المنطق يُغيّب كل ما هو إنساني، وهو ما يعني غياب القيم الإنسانية الكبرى المناهضة للإلحاد والحاضنة للتدين والدين.

 

وربما تصاعد هذه الموجة الإلحادية هو ما دفع المؤسسات الرسمية في بعض الدول مثل مصر لإعلان النفير العام لمواجهة الإلحاد، على اعتبار أن الإلحاد يعد مُهددًا للهوية؛ لأن الدين هو أحد مرتكزات تحقيق التماسك داخل المجتمع.

 

ومن هنا أطلق مجمع البحوث الإسلامية مبادرة تحت عنوان "معًا لمواجهة الإلحاد" وغايتها مواجهة شبهات الإلحاد وتقديم التوعية الدينية الصحيحة، كما دشن الأزهر وحدة أسماها "بيـان" عام 2019م لمواجهة الإلحاد، وخصص خطًّا ساخنًا لتقديم الدعم النفسي والديني، وسير قوافل دعوية في الكثير من الأقاليم بهدف التحصين ضد شبهات الملحدين التي باتت تصل إلى أيدي الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وطرحت مسابقة بعنوان "لماذا يلحدون؟" بهدف التعرف على مسببات الإلحاد ودوافعه.

 

في عام 2023م أصدرت دار الإفتاء المصرية أكثر من مائة ألف فتوى تتعلق بالإلحاد؛ وهو ما يعني أن مشكلة الإلحاد مشكلة كبيرة تحتاج إلى مواجهة، وأرجعت دار الإفتاء السبب إلى الثورة التكنولوجية التي جعلت الناس يظنون أن المادة كل شيء، وأنها هي البداية والمنتهى.